كان لتغيُّر منهجية الدعم الأثر الكبير في الموازنة الأردنية، خصوصاً مع أعباء اللجوء السوري وإخلاف الداعمين بوعودهم في شأنه، مع أن عمّان استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين في سياق سياسي ما لبثت أن وجدت نفسها عاجزة أمام استحقاقاته الإنسانية. وفي سياق الدعم الخليجي في الملف السوري، كانت دول «مجلس التعاون» تتواصل مباشرة مع اللاجئين من دون وساطة الدولة المضيفة، بل خلا بعض المنح من أيّ دعم لخزينة الدولة، علماً بأن الرياض والكويت وأبو ظبي حوّلت ما تعهدت به بواقع 1.25 مليار دولار من كلّ منها، فيما غابت الدوحة عن الوفاء بهذا الالتزام.
كان لتغيّر منهجية الدعم الخليجي الأثر الكبير في الموازنة الأردنية
كلّ ذلك مضى. والآن، بعدما تَسبّبت إرهاصات اللهاث الخليجي للتطبيع مع تل أبيب في إعادة عمّان حساباتها الإقليمية وحصرها في مساحة مناورة ضيّقة، جاء الانفتاح السعودي - البحريني كبادرة فرج، عقب سنة من القرار الأردني الانفتاح على القطريين ورفع التمثيل الديبلوماسي إلى ما «فوق العادة». ويرى النظام في الأردن أن وجود قضية جامعة إقليمياً تحظى بأولوية البيت الأبيض يسمح له بالظهور كلاعب مهمّ في المنطقة، خصوصاً في ظلّ التقارب الأردني مع الحزب الديموقراطي. من هنا، يأتي التركيز على العداء الإيراني؛ فهو من جهة يوحّد الجهود ويُقلّل الخلافات ويزيد المكاسب المادية والمعنوية للمنضوين إلى لوائه، ومن جهة أخرى، يسمح لعمّان بالتنصّل من تبعات إصرارها على حلّ الدولتين، بل ربّما يستطيع الخليجيون - من وجهة النظر الأردنية - إيجاد مخرج مناسب من «صفقة ترامب» التي تراها عمّان مجحفة بما يمكن أن يكون مقبولاً أردنياً وللسلطة الفلسطينية.
إذاً، الكلّ في انتظار بايدن، والأردن مستعدّ للعب دور مقبول في مرحلة ما بعد دونالد ترامب. وما دام هناك توافق خليجي بصيغة ما وعودة للمياه إلى مجاريها، ستتراجع شراسة أطراف الصراع، وهذا يضمن المساحة المريحة لعمّان ذات الثقل الاقتصادي القليل، لكن العسكري الكبير والمدرّب، ليتناغم مع أداء القوات الأميركية في المنطقة. أخيراً، وداخلياً، لا يوجد مراكز قوة فعالة قادرة على فرض رؤية أخرى للسياسة الخارجية، فمع الوضع الوبائي وتبعاته الاقتصادية، لا أثر لمعارضة ملموسة على سياسة الدولة. وإن كانت جماعة «الإخوان المسلمون» هي اللاعب الأبرز خلال السنوات الماضية، فالظاهر أنه مع المصالحة الخليجية سيلحق بها تحجيم إضافي، إلى ما فعلته بها الدولة العميقة منذ انهيار مشروع الجماعة في مصر.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا