كانت الفرحة السعودية لتكتمل، لو أن نتائج الانتخابات الأميركية جاءت بخلاف المتوقَّع. لكن سوء الطالع ما فتئ يعاكس المملكة وصورة أميرها «الإصلاحي»، محمد بن سلمان، المهشّمة في الغرب، منذ قرار هذا الأخير التخلُّص من طيف جمال خاشقجي، واستهلاك مجموعة روايات، وصلت إلى حدِّ محاكمة مجهولين عن جريمة ستطارد طويلاً سمعة بلاده ومكانتها عالمياً. تنطلق قِمَّة "مجموعة العشرين" في الرياض، اليوم، وسط عواصف متزايدة ما لبثت ترخي بثقلها على دول الخليج عامةً، وعلى المملكة المعزولة بصورةٍ خاصة. عزلةٌ ظنّ الأمير، يوم تسلّمت بلاده القيادة الدورية للمجموعة، أن الفكاك منها ممكن، بل قريب، حين تلتئم طاولة تجمع قادة العالم تحت العباءة السعودية المتهالكة. سَمّم وباء "كورونا" خطط الاستثمار بالقمَّة، وأجبَر المنظّمين على الاستعاضة عن السجادة الحمراء واللقاءات الثنائية والصور التذكارية، بشاشة عملاقة مقسّمة بين الوجوه، وبجدول أعمال مُحدَّد الأهداف، يُتوقَّع أن يُشكّل الوباء وتداعياته وخطوات إنعاش الاقتصاد العالمي، موضوعاته الرئيسة.تحكِي السعودية عن مشروع أميرها، محمد بن سلمان، "رؤية 2030"، وكأنه "قصّة نجاح" نقلت المملكة مِن عصر إلى آخر. تلك الرؤية النظرية التي حبست ابن سلمان في متنها، وانتهت بها الحال منتجاً إعلامياً يواكب طفرة "الانفتاح" الملكي، لا يوازيها غرابةً إلّا حملة مستمرّة لـ"مكافحة الفساد" ومطاردة كلّ مَن تسوّل له نفسه الاعتراض على حكم آل سلمان. بنى وليّ العهد السعودي أمجاده على خطةٍ ما فتئت تتعثّر، ولكنّها، كما يقول القائمون عليها، "تتوافَق بشكل وثيق مع الأهداف الأساسية لمجموعة العشرين، والمتمثّلة في استقرار الاقتصاد الكلّي، والتنمية المستدامة، وتمكين المرأة، وتعزيز رأس المال البشري، وزيادة تدفق التجارة والاستثمار". تفنيداً لما سلف، فهي تمثّل، أيضاً، وفق بعض مريديها، "تجربة نادرة في رسم الاقتصاد البديل وتنويع المصادر وتسريع السعي إلى المستقبل". تريد السعودية، من خلال استضافتها قِمّة وضعت لها عنوان "اغتنام فرص القرن الحادي والعشرين للجميع"، تسويق فكرةٍ مفادها أن المملكة ستكون "حاضنة لمفاتيح حلول الملفات الاقتصادية والتنموية المعقدة"، على رغم فشل قيادتها في تنويع مصادر الدخل، بعيداً من صناعة النفط التي لا تزال تشكِّل العمود الفقري لاقتصاد البلاد. صناعةٌ ما لبثت أن انتعشت قليلاً بفعل اقتطاعات الإنتاج المعمول بها ضمن تحالف "أوبك+" منذ عام 2017، حتى جاءت حرب الأسعار الأخيرة، معطوفةً على انخفاض الطلب على الخام بفعل إجراءات الإغلاق العالمية، لتدمِّر أي ّأملٍ بتعافٍ قريب، يسمح بالتحوُّل المكلف الذي تنادي به "الرؤية". في هذا الإطار تحديداً، تُقدِّم الأزمة الوبائية عذراً مُبرّراً للتقدُّم البطيء في "الإصلاحات" التي يوليها الأمير أولويةً، في موازاة حملته لمحاربة الفساد، والتي وفّرت على حزينة الدولة، كما يقول، بين 5% إلى 15% من هدر المال العام. وللمضيّ قُدُماً في مشروعه "الناجح"، يعتزم ابن سلمان ضخّ 40 مليار دولار سنوياً من صندوق الاستثمارات العامة في الاقتصاد المحلّي في عامَي 2021 و2022، ما يعني أن الهدف المتمثِّل في زيادة أصول الصندوق إلى تريليونَي دولار بحلول عام 2030، لن يتحقّق، ولا سيّما في ظلّ العجز المتتالي الذي تسجّله موازنة المملكة منذ عام 2014. مع هذا، يؤكّد ابن سلمان أن السعودية ستكون إحدى "أسرع دول مجموعة العشرين نموّاً في الناتج المحلي غير النفطي في السنوات القادمة"، بعدما تراجعت البطالة من نسبة 13% في 2018، إلى 11,8% في بداية العام الجاري، قبل أن تضرب أزمة "كورونا" الاقتصاد السعودي المتضرِّر أصلاً بفعل تهاوي أسعار الخام.
تحلُّ قمّة مجموعة العشرين الافتراضية لهذا العام، في ختام ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب


تحلُّ قمّة مجموعة العشرين الافتراضية لهذا العام، في ختام ولاية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي سعى إلى أن يكون خير صديق للسعوديين. وعلى رغم أن احتمال مشاركته في القمّة لا يزال ضبابياً، وخصوصاً لكون أيّ مداخلةٍ سيقدِّمها لن يكون لها أثرٌ أو وزن يُذكران عشيّة مغادرته البيت الأبيض، فهو قرّر إيفاد وزير خارجيته، مايك بومبيو، السائح في المنطقة، في زيارة وداعية إلى الرياض، ليحضر انطلاق القمّة التي تختتم أعمالها يوم غدٍ الأحد. وفي انتظار الانعكاسات التي ستترتّب على العلاقات السعودية ــــ الأميركية في ظلّ إدارة جو بايدن، تبدي المملكة خشية إزاء العودة بالعلاقات إلى نهج إدارة أوباما، ولا سيّما أن الرئيس المنتخَب وعد، سلفاً، بأن يعامل بعض القادة السعوديين على أنهم "منبوذون"، وتعهّد بالحدّ من دعم الولايات المتحدة للمشاركة السعودية في حرب اليمن، في ما يمثِّل قطيعة كبيرة مع سياسات إدارة ترامب، التي بيّنت دعماً ثابتاً للمملكة في حربها على اليمن، كما بعد جريمة اغتيال جمال خاشقجي. عشيّة القمّة، تَجدّد الاهتمام العالمي بسجلّ الحقوق في السعودية، في ظلّ تحرّك جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان وأعضاء مجالس نواب في الغرب لمطالبة الدول الرأسمالية الأعضاء في "مجموعة العشرين" بمقاطعة القمة. في هذا الإطار، دعا عشرات مِن المشرّعين في بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حكوماتهم إلى الضغط على السعودية في شأن حقوق الإنسان قبيل القمّة، أو الانسحاب منها. كما طالب 45 عضواً في الكونغرس الأميركي، في رسالة مفتوحة، إدارة ترامب بعدم المشاركة "ما لم تتّخذ السعودية فوراً إجراءات لتحسين سجلّها في مجال حقوق الإنسان". وتحدّثت الرسالة الموجّهة إلى وزير الخارجية عن وجوب مقاطعة هذه القمّة "ما لم يتمّ حلّ التوترات في شأن مقتل خاشقجي والصراع في اليمن". رسالةٌ جاءت بعد أيام من توقيع 65 نائباً أوروبيّاً خطاباً طالبوا فيه التكتُّل بعدم المشاركة "أو على الأقلّ بخفض تمثيله في القمّة"، في ضوء "انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان تُرتكب" في المملكة.
عندما تولّت السعودية الرئاسة الدوريّة لمجموعة دول العشرين في كانون الأول/ ديسمبر 2019، كانت الآمال معقودة على تبديد قلق الغرب إزاء بعض "الخطايا". كان يفترض بقمّة عالمية أن تسهم في ترميم صورة ابن سلمان وفكّ عزلته غربياً، وإصلاح مكانة البلد على الساحة الدولية، فضلاً عن جذب أنظار العالم إلى ورشة "الإصلاحات" الافتراضية هي الأخرى. لكن بدلاً من الصور التذكارية، ستقتصر معظم أعمال قمّة هذا العام على "الفيديو كونفرنس"، ما يعدُّ بمثابة صفعة قوية لطموحات الأمير في عام يتّسم بتباطؤ الاقتصاد العالمي. يقول روبرت موغينسكي، الباحث المقيم في "معهد دول الخليج العربية في واشنطن"، إنه على رغم أن الأجواء بعيدة عن المثالية، "فإن العرض ينبغي أن يستمرّ، وعلى السعوديين الاستفادة قدر الإمكان من الاجتماع"، لحين جلاء خطط الإدارة الأميركية القادمة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا