وصل رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، أول من أمس، إلى السعودية، في زيارة هي الرابعة له للمملكة في أقلّ من سنة. وذكرت وسائل إعلام باكستانية أن الزيارة تأتي استكمالاً للجهود السابقة التي يبذلها خان في إطار وساطته بين كلّ من السعودية وإيران، بهدف تخفيف التوتر على خطّهما. وسبق أن زار خان طهران في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بعد أن أجرى محادثات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض، في أيلول/ سبتمبر الفائت. وكانت إسلام آباد قد بدأت وساطة بين الجانبين في أعقاب عملية «أرامكو» في 14 أيلول. وقال خان، في حينه، إن وساطته جاءت بطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وابن سلمان. كذلك، نقل رئيس الوزراء العراقي المستقيل عادل عبد المهدي، في الأشهر الماضية، رسائل بين كلّ من الرياض وطهران. وفي نهاية الأسبوع الفائت، ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن السعودية تتفاوض سرّاً مع إيران خوفاً من ضربات جديدة لاقتصادها. وأكدت الصحيفة أن السعودية تبذل جهوداً سرّية لتطبيع العلاقات خشية ما قد تجلبه نزاعات إقليمية محتملة من مخاطر على اقتصادها.يرى مطلعون على المفاوضات، في ما يخص الشأن اليمني، أن النظام السعودي يضع نفسه أمام خيارين: إما استمرار الهدنة (المشروط من جهة صنعاء برفع الحصار عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء)، و إما «أرامكو ثانية» وربما ثالثة، في حين تشير التقديرات الاقتصادية إلى أن تكرار ضربة أو ضربات على «أرامكو» قد تكون له تبعات مدمّرة على الاقتصاد السعودي. ويأمل أصحاب القرار في الرياض، من خلال التواصل مع الجانبين اليمني والإيراني، أن يفتحوا كوّة في جدار الأزمة تُجنّبهم الأسوأ، من خلال إطالة أمد الهدنة، لا سيما بعدما شعروا أن صنعاء في طور إعادة النظر في مبادرتها التي أعلنتها من طرف واحد. وتصف المصادر الوساطة الباكستانية بأنها «طوق نجاة أخير» قبل الانتقال إلى التصعيد، بعد الفشل السعودي في الالتزام بشروط التهدئة، أي رفع الحصار، والذي تعتقد الرياض أنه سيؤدي إلى خسارة آخر ورقة لديها.
النظام السعودي يضع نفسه أمام خيارين: إما استمرار الهدنة و إما «أرامكو ثانية»


في الساعات الماضية، سجّل العديد من المسؤولين في صنعاء مواقف تعتبر أن التصريحات السعودية حول وقف العدوان تبقى في إطارها الإعلامي، ولا وجود لمصاديق لها على أرض الواقع. وفي هذا الإطار، أكد عضو «المجلس السياسي الأعلى»، محمد علي الحوثي، وجود بعض التواصل مع الجانبين السعودي والإماراتي، لكنه لم يَرْقَ إلى مستوى التفاوض، مشيراً إلى أن الجانب السعودي يراوح مكانه ولم يقدّم أيّ خطوة إيجابية لوقف العدوان. في الموازاة، لا توجد أيّ إشارة من الجانب الإيراني (الطرف الآخر في التواصل الباكستاني) إلى أنه في وارد الضغط على الحلفاء اليمنيين، خصوصاً أن السعودية في موقف «المعتدي الضعيف»، وأن أيّ تدخل من طهران يفترض أن يدفع الرياض إلى تقديم تنازلات على الساحة اليمنية وفي الإقليم، لا يبدو أن السعودية حاضرة لتقديمها.
وفي هذا السياق، تتساءل مصادر مطلعة على الحراك السعودي: كيف تحرّض الرياض الإدارة الأميركية على الضغط على إيران، وفي الوقت ذاته تطلب من طهران مساعدتها في إقناع اليمن باستمرار الهدنة، وهي لا تزال تفرض حصاراً مطبقاً على اليمن من دون أن تنفّذ أيّاً من تعهداتها، وأقلّها تسيير الرحلات الجوية من مطار صنعاء للحالات الإنسانية؟ وتضع المصادر المحاولات السعودية في إطار «التذاكي من خلال مناورة سياسية مفضوحة». وتقول إن الجانب السعودي يضع نفسه مرة أخرى أمام خيارين: إما تكرار عملية «أرامكو»، أو الخضوع لمسار التسوية من خلال المفاوضات وصولاً إلى السلام العادل، ولا سيما أن الرياض تدرك أن رهانها على التدخل الأميركي المباشر في الحرب بات مستبعداً. والأمر الذي يثير القلق السعودي هو أن الولايات المتحدة لطالما تعاطت سابقاً مع الملف اليمني على أنه متعلق بالسعودية، إلا أن تحولاً في السياسة الخارجية الأميركية طرأ في الآونة الأخيرة، إذ بات التعاطي مع الملف على أنه متعلق بإيران، وهو ما يحرك خشية الرياض من أن يدخل اليمن ضمن مفاوضات خلفية مع طهران من خارج موافقة المملكة أو بما لا يراعي مصالحها. المؤكد الآن أن مسار الأمور سيوصل إلى مرحلة حاسمة: إما وقف الحرب أو تلقّي ضربات يمنية رداً على استمرار العدوان. وهو ردّ ليس مؤكداً أن صنعاء ستنتهج فيه استراتيجية التدرّج.



الرياض وتحدّيات الأعداء والحلفاء
ليست التحدّيات أمام السعودية مقتصرة على ما يمثله الأعداء والخصوم. فقد شكّل انسحاب الإمارات، وهي حليفتها الموثوقة، من خطوط التماس مع الجيش واللجان الشعبية في الشمال اليمني عموماً والساحل الغربي خصوصاً، وتركها إياها وحيدة في الميدان، صفعة كبيرة في وجه أمراء الحرب في الرياض. وما زاد الطين بلة أن أبو ظبي تقف، عبر وكلائها، حجر عثرة أمام تنفيذ «اتفاق الرياض»، الذي عوّلت المملكة عليه في توحيد جهود حلفائها. أما أعداء السعودية، الذين كانوا حتى الأمس القريب ضمن «التحالف»، فقد انتقلوا من العمل تحت اليافطة الإنسانية إلى العمل العسكري العلني. والمقصود بذلك قطر، التي بدت في الآونة الأخيرة أكثر راحة في التحرّك نحو بسط نفوذها من خلال وكلائها في حزب «الإصلاح» (جناح قطر - تركيا)، في المناطق التي تسمّى «محرّرة». فقد أعلن القيادي في «الإصلاح»، حمود سعيد المخلافي، تشكيله «معسكر يفرس» في محافظة تعز، من خارج الهيكل التنظيمي لقوات الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي. واستقبل المعسكر آلاف المجندين، بعضهم بحسب قوله مِمَّن عادوا من الحدّ الجنوبي للسعودية. كما شكّل المخلافي «لجنة استقبال العائدين»، التي أصدرت بياناً قالت فيه إن دعوتها المجندين في الحدّ الجنوبي إلى العودة أتت بعد أن «اكتشف الشباب أنهم خدعوا واستُدرجوا إلى محارق الموت ومستنقع الجحيم». وكان المخلافي دعا، في وقت سابق، الشباب اليمني في جبهات الحدّ الجنوبي للعودة إلى تعز والالتحاق بـ«معسكر يفرس»، مع وعد بتأمين رواتب للعائدين. على أن النشاط القطري لا يقتصر على العمل في محافظة تعز، بل إن نفوذ الدوحة بات واضحاً في المحافظات الشرقية (حضرموت وشبوة والمهرة)، حيث تتقاطع مصالحها مع مصالح سلطنة عمان، وهو ما يدفعهما إلى توحيد نشاطهما السياسي وتنفيذ مشاريع أمنية وخدماتية مشتركة.