«إنّ جميع الأنشطة التطويرية الذرية محصورة بالأغراض السلمية في حدود الأطر والحقوق التي حدّدتها التشريعات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية»، هذا ما أعلنه الوزراء السعوديون في جلسة المجلس يوم أمس، بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية «واس». لكن الأمر لا ينحصر بالضرورة بالأهداف المُعلنة لتفعيل البرنامج، إذ يرى مراقبون أنّ الجهود السعودية لتفعيل «البرنامج» النووي هي في الحقيقة «مدفوعة بسياسة شاملة لتحقيق التوازن مع إيران، العدو الأول للمملكة، والتي لم تنجح إلى الآن الجهود السعودية في إفشال أو إلغاء الاتفاق النووي الذي منحها شرعية دولية».السياسة الوطنية تضمّنت، «الإلتزام التام بمبدأ الشفافية في الجوانب التنظيمية والتشغيلية، وتحقيق معايير الأمان النووي والأمن النووي في المرافق النووية والإشعاعية»، كما شملت «الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية الوطنية من الخامات النووية، وتطبيق أفضل المعايير والممارسات العالمية لإدارة النفايات المشعّة، وتحقيق الاستدامة بتطوير المحتوى المحلي في قطاع الطاقة الذرية». نائب رئيس «مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في السعودية» وليد أبو الفرج كان قد ذكر في تصريحات سابقة أنّ بلاده «شرعت في تحديد وتهيئة مواقع بناء أول محطة للطاقة الذرية لاستخدامها في مساندة تغذية الحمل الأساسي من الكهرباء».
في الآونة الأخيرة، كثر الحديث عن جدّية ولي العهد السعودي في المضي بتفعيل البرنامج النووي السعودي الذي دُشّن في عام 2010، على أن يصبح جاهزاً بحلول 2020، ولكن لم يتمّ العمل عليه وفق المخطط له. اليوم، يعود ابن سلمان إلى الساحة الدولية النووية حاملاً معه طموحات يمكن إدراجها في سياق خططه التطويرية للمملكة و«رؤية 2030»، بالإضافة إلى متطلبات الصراع المحتدم مع إيران، ومن بوّابة الرئيس الأميركي (الذي يلتقيه ابن سلمان في 20 آذار الحالي في واشنطن) يسعى ولي العهد لتحقيق المطالب التي لم يحصل عليها أسلافه سابقاً، وهي التقنيات اللازمة لتطوير برنامج نووي لبلاده، بالاعتماد على طاقات علميّة سعودية محلية، ما يمنح المملكة القدرة، مستقبلاً، على تطوير برامجها لتحقيق أهدافها، سواء كانت مدنية، أو حتى عسكرية.
تساؤلات جدّية حول مستقبل المنطقة الحافلة بالصراعات مع وجود أسلحة نووية، وسباق نحو تسلّح نووي - أ ف ب

المخاوف التي طرحها الإعلام الغربي، أخيراً، بشأن المشروع السعودي تتمحور حول «تهوّر» ترامب، وعدم مراعاته للتوازنات الدولية، ما قد يجعله، وفريقه، يوافقون على منح السعودية التقنيات التطويرية النووية التي تحتاج إليها، من دون إلزامها بالتوقيع على ما يعرف بـ«المعيار الذهبي»، وهو معيار تلتزم بموجبه الدولة المعنية بعدم إعادة معالجة الوقود المشع لاستخراج البلوتونيوم، أو تخصيب اليورانيوم بما يتيح لها امتلاك أسلحة نووية سريعاً، بسبب المنافسة بين الشركات العالمية، ومن بينها الشركة الأميركية، التي تريد كسب المشروع السعودي. هذه المسألة أشار إليها موقع «ذا هيل» المحافظ الذي رأى أن «الجانب الأسوأ في هذه المسألة هو تلميح البيت الأبيض إلى إمكانية أن لا يُصَار إلى حثّ السعودية على الالتزام بـ«المعيار الذهبي». تجاوز «المعيار»، وتسريع إنجاز الاتفاق، من دون تحقيق واشنطن التزامات حقيقية من السعودية تضمن عدم استغلال تقنيات تطوير البرامج النووية في مشاريع عسكرية، قد تنجر إليها المملكة مستقبلاً في سياق تنافسها مع إيران، يطرحان تساؤلات جدّية حول مستقبل المنطقة الحافلة بالصراعات مع وجود أسلحة نووية، وسباق نحو تسلّح نووي. بدورها، إسرائيل، ورغم «التقارب» الأخير مع السعودية، أبدت تحفّظها على على الطريقة التي يدار فيها الملف في واشنطن، كما أبدت مخاوفها من منح السعودية ««تكنولوجيا أميركية لإنتاج الطاقة النووية»، وجاء هذا الرفض على لسان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
الملف النووي السعودي، إن صحّت تسمية «ملف»، ليس بجديد، إلا أن الجديد في الأمر هو الجدّية التي يبديها ابن سلمان في التعامل مع هذا الملف، إذ إنه يريد أن يُظهر للعالم أن خطته التطويرية للمملكة لا تقتصر على النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية العادية، بل هو يرمي إلى الارتقاء بالمملكة إلى مصاف الدول النووية، أي الدول التي تمتلك مفاعلاتها الخاصة، بالإضافة إلى تقنيات خاصة تستطيع تطويرها والتوصل من خلالها الى أهداف مدنية وعسكرية مختلفة. إدارة ترامب، التي تسعى لإلغاء أو تعديل الاتفاق النووي «السيّئ» مع إيران، وفق وصف الرئيس الأميركي، ربما تتجه، في المقابل، إلى منح السعودية تقنيات نووية تساعدها على منافسة «عدوها».