نون عبدالرحمن... وحدث أن ذهبت أم جواد منذ بضعة أيام إلى مستشفى حيفا في مخيم برج البراجنة، لتدخل طفليها اللذين بدا الاصفرار متجلياً على وجهيهما نتيجة انخفاض عدد كريات الدم الحمراء عن المعدل الطبيعي في جسديهما. معظم الناس في المخيم، بالأخص سكان الحارات المجاورة للمستشفى وسوق الخضار الشعبية وعيادة الأنروا الطبية باتوا يعلمون حالة طفلي أم جواد الصحية، فهما يعانيان من مرض التلاسيميا الذي يجبرهما على دخول المستشفى كل شهرين أو ثلاثة.

في كل مرة، تبحث أم جواد عن متبرع بالدم في المخيم وتحضره إلى المستشفى ليجرى نقل الدم من المتبرع إلى طفليها.
باتت العملية روتينية للغاية في حياة هذه المرأة كما بالنسبة إلى الطفلين اللذين لم يتجاوز أكبرهما السابعة من العمر. لكن ما حصل في المرة الأخيرة، أمر يفوق حد المنطق!
رجعت أم جواد من المستشفى بعد نصف ساعة، سألتها لماذا أعادت طفليها من دون نقل دم؟ فدار الحوار التالي:
أم جواد:" والله ما في محلات! ما في ولا تخت، قالولي ارجع الأسبوع الجاي لأعلقلهم دم".
أنا (باستغراب): "كيف يعني ترجعي الأسبوع الجاي؟ مش الاولاد صار دمهم ع الحفّة؟ يعني ضروري ما تنطريهم اكتر حسب دكتور الجامعة الاميركية؟ صح؟".
أم جواد: "صح، بس ما في ولا تخت فاضي.. كله مليان، بعدين الطابق التاني مسكرينو".
أنا: "كيف يعني مسكرينو؟ في مستشفى بتسكر طابق؟!" وين راحوا بالأولاد اللي غرفهم بالطابق التاني؟".
أم جواد: "خلطوهم مع باقي المرضى، يعني الأطفال مع الكبار مع مرضى السرطان.. كله مع كله".
أنا: "يا حبيبي، طيب شو السبب؟ ما سألتي؟".
أم جواد: "مبلى، عم يتضحكواعلينا اكيد. قال شو؟ مسكرين الطابق للتنظيف والتعقيم"!
أنا: "بركي في شي عليه القيمة وعن جد عم يعقموا الطابق؟".
أم جواد: "لا تعقيم ولا شي، كل القصة انو ممرضتين طلعوا نهاية خدمة، تقاعدوا يعني".
أنا: "إيه؟ ما فهمت! شو خص هاي بهاي؟ إنو إيه تقاعدوا ممرضتين وبعدين؟ شو علاقتهم بالتعقيم وتسكير الطابق كله؟".
أم جواد (مستغربة تضحك): "أيوا، شو ما بتعرفي؟ مش أول مرة بعملوا هيك. عادي يعني صارت من شي سنة. ممرضتين فلوا، أوكي معي انتي؟".
أنا: "إيه وبعدين؟ غيرهم؟".
أم جواد: "الممرضة التالتة أخدت إجازة، معطلة لأسبوع. مين ضل؟ ممرضة وحدة مدري تنتين. وعلى قولتهم يعني شو وحدة بدها تقوم بالمستشفى؟ بتهلك حرام. فقاموا سكروا الطابق متل ما عملوا قبل بمرة، وجمعوا بقية المرضى بطابق واحد".
أنا: "والله؟ لا إذا هيك معك حق، عادي يعني إنو يصير هيك. أصلاً بتصير بأحسن البلاد، بتصير وين ما كان، ليش قليلة لمن وزير الصحة الفلسطيني من شي أربع سنين قال، هوي ومبسوط بنفسه، إنه الوضع الطبي بفلسطين جيد لدرجة إنه تفوقنا على الصومال"!