القاهرة ــ الأخبار خفت سحر الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية مع قرب انتهاء رياح الجولة الثانية. العبارات الرنانة التي تصدّرت عناوين صحف مصرية وعالمية عن ثورة الصناديق التي أبهرت العالم، هي الأخرى تُخفض صوتها الآن، ليعلو صوت ارتباك اللجنة العليا للانتخابات تجاه خروقات فاضحة، مُتهم فيها أحزاب ترفض الالتزام بمبادئ العملية الانتخابية الديموقراطية، وقضاة يترأسون لجاناً انتخابية.
اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية المصرية تكذب وتتجمل. فرئيس اللجنة المستشار عبد المعز إبراهيم، تجاهل المشكلات الكثيرة التي شهدتها مراكز الاقتراع، أمس، قبل إغلاق أبوابها بعد انتهاء فترة التصويت، وخرج ليؤكد أن اليوم «مر من دون أي مشاكل».
أما الناخبون فمحبطون. في محافظة الجيزة، التي تشهد صراعاً بين مرشحي الحرية والعدالة والنور والكتلة المصرية والثورة مستمرة والوفد وعدد من الفلول، على الفردي والقوائم، شكا رجب محفوظ مما آلت إليه الأوضاع، قائلاً «لم يتغير شيء. ما كان يفعله الحزب الوطني، في انتخابات مجلس الشعب الماضية، يطبقه الإخوان والسلفيون علينا، سأنتخب الكتلة المصرية». أما ضعف الإقبال فمرجعه من وجهة نظره إلى اعتقاد الناس بأن البرلمان المقبل سيكون «برلماناً تافهاً، مثل البرلمان الذي أسقطته الثورة. المجلس العسكري يتحكم في كل حاجة. ولا أعرف لماذا أصوّت».
وضع انعكس في تقارير المنظمات الحقوقية، التي تولت مراقبة سير اليوم الثاني من العملية الانتخابية في جولتها الثانية. وبلغ عدد الشكاوى التي تلقّتها غرفة عمليات المجلس القومي لحقوق الإنسان نحو 390 شكوى في اليوم الثاني، بزيادة قدرها 30 شكوى عن اليوم الأول، أغلبها مرتبط بتأخر موعد فتح اللجان أمام الناخبين، فيما أشارت شبكة «مراقبون بلا حدود»، إلى أن نسبة التصويت تتراوح بين 30 في المئة إلى 40 في المئة.
واستحوذ حزب الحرية والعدالة على أكبر نسبة من ارتكاب الانتهاكات بـ 38 في المئة، يليه حزب النور 22 في المئة، والكتلة المصرية 16 في المئة والمستقلون 9 في المئة، والوفد 5 في المئة. إلا أن غرف عمليات القوى السياسية ردت على التقارير الحقوقية. غرفة التحالف الديموقراطي، المعبر عن جماعة الإخوان، قالت في بيان لها إن مرشحيها «لم يخترقوا قواعد العملية الانتخابية»، لتتحدث في المقابل عن رصد «اعتداء جمال أبو عوض ونافع هيكل، وهما نائبان سابقان في الحزب الوطني المنحل على المندوبين داخل معهد عبد الفتاح عزام، ومدرسة الفهيمين». كما لاحظت الغرفة أيضاً تجاوز عدد من القضاة والمشرفين وقيامهم بتوجيه الناخبين.
حزب النور، الذي قال مراقبون حقوقيون لـ«الأخبار» إن منسوبيه كانوا يحلّفون الناخبين على المصحف من أجل التصويت لمرشحيه، علاوةً على حشدهم الناخبين في سيارات أجرة في أسوان، قالت غرفتهم إن عدداً من مندوبيها تعرضوا للاعتداء من جانب أنصار المرشح الوفدي في الدائرة الثانية بالجيزة. إلا أن كلام غرفة «النور» يناقض تجاوزاً كبيراً قام به أحد أنصارهم في لجنة عمر الفاروق بمحافظة المنوفية، عندما ضرب ناخبة في دائرة مدينة السادات رفضت قيامهم بالدعاية الانتخابية والتأثير على طوابير السيدات.
أما الكتلة المصرية، فقد عمدت غرفتها الى تقديم بلاغ إلى النيابة العامة، يتضمن «انتهاكات صارخة لمرشحي الأحزاب الدينية». ولعل أبرز الانتهاكات التي أشار إليها مصدر داخل غرفة الكتلة ونشرت على موقع «فايسبوك» هي فضيحة قيام مجموعة من السيدات المنتقبات بالتصويت الجماعي لمرشحي حزب الحرية والعدالة باستخدام أكثر من بطاقة، بينما أغلق قاض لجنته أمام الناخبين وقت حدوث عملية تسويد البطاقات.
الواقعة المذكورة على ما يبدو، تكررت في أكثر من دائرة في محافظات مصر، وهذا ما دفع بعض الأحزاب إلى تحرير محاضر ضد القضاة الذين يؤثرون على الناخبين. هذه الخروقات للعملية الانتخابية رد عليها رئيس اللجنة العليا للانتخابات المستشار عبد المعز إبراهيم، بالتشكيك في كل الروايات التي تتحدث عن تجاوزات القضاة المشرفين على العملية الانتخابية، واصفاً تلك الاتهامات للقضاة بأنها مجرد «شائعات» هدفها «فقدان الثقة بين الشعب والقضاة». وعلى الرغم من قوله إنه تأكد بنفسه من هذه الاتهامات وثبت «عدم صحتها»، إلا أنه أعلن عن توجه لإجراء تحقيق في كل الشكاوى والمحاضر التى حررت ضد القضاة، مؤكداً «أنهم سيحاسبون فى حال ثبوت خطئهم»، لأن «لا أحد فوق القانون».