أثارت التسريبات التي رشحت عن المقابلة التلفزيونية، التي أجرتها قناة «إيه بي سي نيوز» الأميركية، مع الرئيس السوري بشار الأسد، سجالاً أميركياً ـــــ سورياً حامياً، في انتظار بثّ المقابة كاملةً، بما أنّ مواقف الأسد التي اقتُطعَت من المقابلة «مجتزأة» و«محرّفة» بحسب وزارة الخارجية السورية التي ردّت على نظيرتها الأميركية التي انتقدت كلام الأسد، وخصوصاً في ما يتعلق بنفيه أن يكون قد أصدر أي أوامر بالقتل منذ بدء الأزمة في بلاده منتصف آذار الماضي. واتهم الناطق باسم وزارة الخارجية السورية، جهاد مقدسي، وزارة الخارجية الأميركية بتحريف تصريحات الأسد، مؤكداً أن رئيسه «لم يسعَ إلى التنصل من مسؤولياته كرئيس للبلاد بقوله للصحافية باربرا وولترز إن قوات الأمن السورية ليست قواته».
وأضاف إن «الرئيس الأسد مسؤول دستورياً عن مهماته كرئيس جمهورية»، وذلك في تعليقه على نفي الأسد أن يكون قد أصدر أوامر بقتل محتجّين، على قاعدة أنه «لا يمكن أيّ شخص أن يفعل ذلك إلا إذا كان مجنوناً». وانتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر قول الأسد إن قوات الأمن تابعة «للحكومة» وغير تابعة له شخصياً. ولفت تونر إلى أن «من السخف أنه يحاول التخفي وراء لعبة واضحة ويقول إنه لا يمارس السلطة في بلاده». أما المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني فقد رأى أنّ «إنكار الرئيس السوري بأنه أصدر أوامر بقتل آلاف المتظاهرين يفتقر إلى الصدقية».
كلام ردّ عليه مقدسي بالتأكيد أن نظيره الأميركي «قام بتحريف كلام لم يصدر في السياق الذي ذُكِر، وهو غير دقيق وغير مهني على الإطلاق». وعن هذا الموضوع، أعرب مقدسي عن أسف بلاده واستهجانها لما ورد على لسان مارك تونر حول «تصريحات تتعلق بفحوى مقابلة لم تبثّ بعد، أدلى بها رئيس الجمهورية بشار الأسد لمحطة (ABC) الأميركية مع المذيعة باربرا وولترز». وتابع مقدسي إنّ تونر عمد الى «التحريف والسخرية من كلام لم يصدر بالسياق الذي ذُكر، وهو غير دقيق وغير مهني على الإطلاق». وأشار مقدسي إلى أن «برامج وولترز عفوية، وأجوبة الرئيس كانت جادة وصريحة، ونحن معتادون على الإدارة الأميركية أن تقوم بالتعليق فوراً على تصريح رسمي من الرئيس الأسد ومن وزير الخارجية وليد المعلم».
ولفت مقدسي إلى «وجود ضجة إعلامية غير مبررة حول كلام أُخذ من خارج سياقه الطبيعي وهو غير دقيق»، موضحاً أن السؤال الذي أثار ردّ الأسد عليه سجالاً «كان ببساطة عندما أرادت قواتك قمع السوريين وظهر كأنها ميليشيا، فرد الأسد بأنها (ليست قواتي) وقدّم شرحاً صحافياً». وكشف مقدسي أنّ الرئيس الأسد قال في رده إن «القوات في سوريا مهماتها الحفاظ على الأمن واستقرار البلاد، وهناك أخطاء حصلت والجميع تحت سقف المساءلة، وهنا تكمن مسؤولية القيادة، وطالما أن هناك دلائل على ذلك (الأخطاء)، وهذا يتم (المساءلة) وفق آلية قضائية، من خلال لجنة مشكّلة تنظر بهذه الأمور تعاقب وستعاقب إذا كانت هناك أخطاء مثبتة». وتابع المسؤول السوري «هذا كان سياق الحديث، ولم يقل الأسد أنا لست مسؤولاً أو ما شابه ذلك، والرئيس الأسد مسؤول دستورياً عن مهماته كرئيس، وأرجو من الناطق الرسمي (باسم الخارجية الأميركية) توخّي الدقة وأن يبقى مهنياً في تعاطيه، وألا يلجأ إلى تسجيل نقاط في أهداف فارغة، ونحن لدينا معهد دبلوماسي ومستعدون لأن نرسل للناطق كتيّبات لها علاقة بالمهنية، يمكن أن نرسلها إليه بالبريد الدبلوماسي».
وعن مضمون ما سرّبه التلفزيون الأميركي عن المقابلة مع الأسد، فقد تضمن تأكيد الرئيس السوري أن أغلب ضحايا العنف في سوريا هم من المؤيدين للحكومة، مقللاً في الوقت نفسه من أهمية العقوبات الدولية المفروضة على بلاده. ونقلت «إيه بي سي» عن الأسد قوله «نحن لا نقتل شعبنا. ليس من حكومة في العالم تقتل شعبها إلا اذا كانت تحت قيادة شخص مجنون»، جازماً بأنه لم يصدر «أمراً بالقتل أو بارتكاب أعمال وحشية». وعن القوات السورية المسلحة، أجاب الأسد، «أنا لا أملكهم. أنا الرئيس ولا أملك البلاد، لذا فهي ليست قواتي». ورفض الأسد محصّلة القتلى التي حدّدتها الأمم المتحدة بـ 4 آلاف، قائلاً «من قال إنّ الأمم المتحدة مؤسسة تحظى بصدقيّة؟ إنّ أغلب من قُتلوا هم من أنصار الحكومة، لا العكس»، متحدثاً عن مقتل 1100 جندي وشرطي منذ بدء الحركة الاحتجاجية. وردّاً على سؤال من المذيعة عن التقارير التي تحدثت عن مقتل الفتى حمزة الخطيب تحت التعذيب، أجاب الأسد «لأكون صريحاً معك يا باربرا، أنا لا أصدقك، كل فعل وحشي اقترفه فرد، لا مؤسسة، هذا ما يجب أن تعرفيه». وتابع «هناك فرق بين وجود سياسة قمع وبين ارتكاب بعض المسؤولين بعض الأخطاء. هناك فرق كبير». وكرّر الرئيس السوري أنه لا يريد أن يتزعم سوريا طيلة عمره، «وحينما أشعر بأن الدعم الشعبي قد تضاءل، فلن أبقى (في السلطة)، حتى إذا طلبوا مني ذلك»، معرباً عن اعتقاده بأنه لا يزال يحظى بالدعم. وعن الخطوات الإصلاحية التي تقول الحكومة السورية إنها تتخذها، قال الأسد «لم نقل أبداً إننا بلد ديموقراطي، فالأمر يستغرق وقتاً طويلاً والكثير من النضوج حتى الوصول إلى ديموقراطية كاملة».
ووفقاً لبعض التسريبات التي نشرها موقع تلفزيون «ABC» على الإنترنت، فقد شدد الأسد على أنّ من يتحمّل مسؤولية العنف في بلاده هم «المجرمون والمتطرفون والإرهابيون الذين دخلوا على خط التظاهرات السلمية». وأوضح أن «عدداً بسيطاً من قوات الأمن بالغوا في ردة الفعل»، مؤكداً أنّ هؤلاء تمّت محاسبتهم على أفعالهم». وأضاف الرئيس «فعلتُ ما بوسعي كرئيس لحماية شعبي، ولا أشعر بالذنب لأننا فعلنا كل ما بوسعنا».
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي)