«ناس المخيم معترين، وحقهم ان يعيشوا بكرامة»، انطباع يخرج به عادة زائرو المخيمات الفلسطينية، فكيف اذا كان الزائرون هذه المرة اطفالاً لبنانيين، هل ياترى استوعبت عقولهم الطرية ما شاهدوه من مأساة كبرى يعيشها فلسطينيو لبنان المفتقرون لابسط حقوق العيش بكرامة انسانية؟ فقد نظم ناشطون لبنانيون زيارة لأطفال لبنانيين لمخيمات فلسطينية بينها مخيم عين الحلوة. «جدول اعمال» الزيارة اوضحته المشرفة على النشاط ليلى عزام على النحو الآتي «ليتعرف الاطفال إلى معاناة انسانية حقيقية، ضرب صورة نمطية مكونة عن المخيمات، لا سيما مخيم عين الحلوة، كأنها بؤر ارهابية خارجة على القانون، وتضامن انساني واخلاقي». لا ترى عزام صعوبة في استيعاب اعمار فتية لعناوين كبرى كهذه؟ تجيب عزام دون تردد «براءة طفولية وعقول خام باستطاعتهما رصد الصورة على حقيقتها وتكوين الانطباع دون اي رتوش او احكام مسبقة». بدورهم، اطفال المخيم كانوا على قدر من مسؤولية تعريف اترابهم اللبنانيين بهموم ابناء المخيم. «حقوقنا مهدورة في التعلم، واللعب، والعيش بأمان، ولا نملك ثمن دواء ولا علاج، وهناك فقر وممنوع على الفلسطيني حق العمل»، عناوين شرحها مسهباً الطفل محمود ميعاري، ليقنع زائريه من اطفال لبنانيين بحجم المعاناة. فينجح هؤلاء في رسم صورة مأساة شعب المخيمات. مازن فرحات (11 سنة) دوّنَ على مفكرته «زرنا عين الحلوة، الناس فقيرة كتير، والزواريب ضيقة، ومياه المجرور اختلطت مع مياه الشرب، والشوارع محفرة». لكن اهم ما توصل اليه مازن هو «بالمخيم موجود بشر متلنا متلهم، ومش بعبع مثل ماكنت مفكر، وين حقوق الانسان، وين حقوق الطفل». لكن الى من يا ترى سيرفع مازن هواجسه عن مأساة ابناء المخيم؟ الى دولة لبنانية يرى فيها «انها تضيق اصلاً خناقها على ابناء المخيمات بدل منحهم حقوقاً انسانية واجتماعية»، ام الى مجتمع دولي لم ينصف الفلسطينيين يوماً، لا بل ان انحيازه لاسرائيل فاقم من ويلات الفلسطينيين! طفلة اخرى هي رنا ذكور (12 سنة) تعرفت بدورها إلى واقع المخيم، فصححت صورتها عنه «كنت مفكرا انو المخيم كله مسلحين، بس فين ناس كتير، نسوان واطفال، والمنازل لا يدخلها الهواء ولا الشمس، والناس اوادم مش زعران، واطفال المخيم عم يتعلموا متلنا». اعادة رسم المشهد لدى رنا دفعها للقول «الله يساعد الفلسطينية، والله يهد جبرك يا اسرائيل، كل بلاء المخيم بسببها، انا صرت حب ولاد المخيم». تضامن الاطفال في ما بينهم، فوعد طفل لبناني «شقيقه» الطفل الفلسطيني ان يهديه في زيارته المقبلة للمخيم، دراجة هوائية يلهو بها بديلا عن تلك «الطقطيقة» المصنوعة من اسطوانة علبة حديد مثبتة بمسمار على خشبة. هكذا تعرف اطفال لبنانيون إلى حياة بائسة وواقع مزر لأبناء مخيمات اللجوء، فاكتشفوها على حقيقتها، بعيدا عما يسوقه لبنانيون من افتراءات تطاول هذه المخيمات وناسها المتهمين دائماً بالإرهاب وبالخروج عن منطق القانون. فهل سينجح الاطفال في اخراج ابناء المخيمات من قفص اتهامات لبنانية حيث فشل آخرون؟ ربما! فالطفل فرحات مثلا قال «مش لازم الدولة تتعاطى مع الفلسطينيه هيك، لازم تساعدهم، وتعطيهم حقوقهم». بالنسبة إلى عزام فإن «هدف الزيارة تحقق، اذ إن الاطفال خرجوا بانطباعات عن المخيمات مغايرة لما كانت عليه قبل دخولهم لها»



طبيب في الدنمارك

باسم الحمد طفل فلسطيني، مجتهد بدراسته، حلمه متى كبر أن يصبح طبيبا، ليداوي مجاناً ابناء المخيمات كما ابلغ اصدقاءه الجدد من اطفال لبنانيين. احلام الحمد معلقة، فهو تذكر أنه «فلسطيني» وليس باستطاعته تحقيق كل ما يتمناه، حتى الحلم بات ممنوعاً على الفلسطيني. «ابوي تعلم بالجامعة ومعه شهادة حقوق، ما نفعته وعم بيشتغل ع تاكسي، احنا الفلسطينيي ممنوع علينا ان نتعلم ونشتغل بلبنان». هل تكون الهجرة الى الدنمارك ملاذاً لتحقيق حلمه «سأذهب الى هناك عند عمي واتعلم الطب».