الجزائر | يعيش المواطن الجزائري، كما السلطات، حالة ترقب وارتباك شديدين، وخصوصاً بعد التراجع الحاد الذي شهدته أسعار النفط العالمية خلال الأشهر الماضية، وما رافق ذلك من خطوات إقتصادية قامت بها الدولة الجزائرية للحد من حجم الارتدادات على المستوى الوطني، كان من أبرزها السماح بتراجع أسعار الدينار أمام العملات الرئيسية على نحو لم يسبق له مثيل.
ويُعدّ النفط، وقطاع الطاقة عامةً، أحد شرايين اقتصاد البلاد الرئيسة، فيما تتوقع الحكومة تراجع إيرادات الطاقة بنسبة 50 في المئة إلى 34 مليار دولار هذا العام، بفعل هبوط أسعار النفط العالمية. أيضاً، تشرح وكالة «رويترز» في أحد التقارير الاقتصادية الصادرة أخيراً عن الجزائر أنّ «الجزائر، وهي مورّد رئيسي للغاز إلى أوروبا، تجد صعوبة في زيادة الإنتاج نظراً لهبوط إنتاجية الحقول القديمة، ونقص الاستثمارات الأجنبية لضخ إنتاج جديد».
وفي بداية الأسبوع الجاري، نقلت الوكالة نفسها عن «مصدر مالي في البنك المركزي الجزائري» قوله إنّ «البنك المركزي الذي يعتمد سياسة التعويم المحكوم للدينار أمام العملات الرئيسية سمح للعملة المحلية بالانخفاض بهدف الحد من الواردات التي من المتوقع أن تصل إلى 57.3 مليار دولار في 2015، وهو رقم يتجاوز حجم الصادرات بأكبر هامش على الإطلاق»، مضيفاً أنّ «الدينار الجزائري هوى إلى 105.84 مقابل الدولار وإلى 117.48 مقابل اليورو. وكان سعر الدينار يقدر بنحو 79.6 للدولار في 2014».
لكن بحسب كاتب الدولة السابق للاستشراف والإحصائيات، بشير مصيطفى، فإن انخفاض قيمة الدينار يرجع إلى وجود حالة عرض غير محدود بسبب ضخامة السيولة في السوق الموازية خارج البنوك والمقدرة بـ4500 مليار دينار (ما يعادل 40 مليار دولار)، إضافة إلى تضاعف الطلب على العملات الأجنبية، وفيما اقترح مصيطفى إيجاد موارد جديدة للجباية خارج النفط والمحروقات لإحداث توازن في ميزانية الدولة، عاد إلى طمأنة المواطن الجزائري قائلاً إنّ سعر الدينار يخضع للخفض الإداري، وهو متحكم فيه من قبل بنك الجزائر بسبب السياسة النقديه المبنية على أخذ الحيطة والاستقلالية.
عموماً، لسياسات كهذه أهداف تتمثل أساساً بالحد من الواردات لتقليص العجز التجاري وبالتالي دعم الانتاج المحلي، لكن خبراء يحذرون من أن ينتج عنها تضخم تكون له تداعيات اجتماعية خطرة في بلد واجه خلال الأعوام الأخيرة حراكات احتجاجية.
في الجانب السياسي، يرى مثلاً رئيس حزب «الجزائر الجديدة»، جمال بن عبد السلام، في حديث لـ «الأخبار»، أنه «في ظل اقتصاد هش ريعي وغير منتج، تنهار قيمة عملة هذا الاقتصاد آلياً»، مضيفاً أن من الانعكاسات المباشرة «ارتفاع معدل التضخم وارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ «المواطن سيدفع الثمن لا محالة».
ويتابع بن عبد السلام حديثه بالقول إن «مستقبل الجزائر مرهون في وضع كهذا بالخيارات والسياسات التي تعتمدها الحكومة. إذا قررت تغيير الاتجاه نحو بناء اقتصاد منتج والخروج من التبعية لقطاع المحروقات عبر تنويع المداخيل، فإنّ هناك امكانات كبيرة لتفادي كل الكوابيس المرعبة».
وفي السياق، يرى الأمين العام لـ»رابطة حقوق الإنسان الجزائرية»، الهواري قدور، في حديث لـ»الأخبار»، أن «ذوي الدخل المحدود هم الفئة المتضررة على نحو كبير من تداعيات انخفاض قيمة الدينار». ويقول إنّ «المواطن البسيط هو الضحية الأولى والمتضرر الرئيسي من جراء انخفاض الدينار الجزائري لأن قدرته الشرائية ستتعرض لضربة قوية بعد الارتفاع الذي ستشهده المواد الأساسية الاستهلاكية غير المدعمة من جانب الدولة».
وانتقدت «الرابطة» بشدة سياسة الخفض التي تنتهجها الدولة. وفيما أكدت أنّ أغلبية البلدان التي تخفض عملتها ترمي الى تشجيع تصدير منتجاتها، تساءلت في المقابل: «ماذا تصدّر الجزائر عدا البترول والغاز؟».