المغرب | لا حديث في المغرب اليوم يعلو فوق حديث الفوز الكاسح الذي حققه الإسلاميون في الانتخابات التشريعية، بعدما حصدوا ما يزيد على ربع مقاعد مجلس النواب، بفوزهم بـ107 مقاعد. صعود الإسلاميين الى السلطة أطلق العنان لسيل من الأسئلة تستشرف مستقبل التجربة الوليدة، فهل سيؤثر صعود العدالة والتنمية في مدنية الدولة؟ وفي الحريات الفردية؟ وهل تستطيع العدالة والتنمية كبح جماح حراك الشارع المستمر، والمتمثل في حركة «20 فبراير» وجماعة العدل والإحسان؟ كيف سيدبر الحزب الحاكم الجديد العلاقة مع القصر الملكي، الذي من المفترض أن يتقاسم معه بعض السلطات، وفقاً للدستور المعدل؟بدا قادة الحزب منفتحين جداً، وهم يجيبون عن أسئلة الصحافيين بعد الفوز. كان الأمين العام للعدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، مصرّاً على التوضيح أن حزبه لن يحشر أنفه في الشؤون الخاصة للمغاربة، ولا في حياتهم الخاصة، ولن يفرض الحجاب، ولن يغلق الحانات، مؤكّداً أنّ المكان الوحيد للدين هو المساجد، وأنّ العدالة والتنمية يمارس السياسة.
حديث التحالفات وسيناريوهات الائتلاف الحكومي أخذ في التصاعد؛ وفيما رجحت الاحتمالات أن يطرق إخوان بنكيران باب أحزاب الكتلة الديموقراطية، بقيت جميع الاحتمالات مفتوحة، مع عدم وضوح الموقف بالنسبة إلى حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية اليساريين، وهو ما جعل الحزب الإسلامي يُبقي الباب مفتوحاً أمام جميع الأحزاب، باستثناء الأصالة والمعاصرة. مع أن قادة أحزاب الكتلة بدأوا في مغازلة العدالة والتنمية، وشرعوا في إجراء مشاورات غير رسمية معه، يتوسط لأجلها حزب الاستقلال اليميني المحافظ، الذي يحتفظ بعلاقة جيدة مع الإسلاميين.
وإذا كان الاستقلاليون قد حسموا موقفهم تقريباً بقبول التحالف مع الإسلاميين، فإن على قادة باقي مكوّنات الكتلة، المستعدين للالتحاق الفوري بالإسلاميين، أن يواجهوا تياراً قوياً داخل قواعدهم ينتقد الأداء العام في السنوات الماضية، ويطالب بإعادة تنظيم الصفوف، وبالعودة إلى المعارضة. أما في حال فشل تحالف الإسلاميين وأحزاب الكتلة، فعلى الأرجح أن يسقط الخط الأحمر أمام التحالف بين الإسلاميين وبعض مكوّنات تحالف الثمانية، بما فيه حزب التجمع الوطني للأحرار، رغم تراشقات بنكيران وصلاح الدين مزوار.
لكن يبقى سيناريو ضم حزب الحركة الشعبية الى الحكومة الأكثر ترجيحاً، مع وجود تيار داخل الحزب الإسلامي يعارض أي تقارب مع حزب صلاح الدين مزوار، وهو ما يعبر عنه القيادي مصطفى الرميد.
وإن كان سينجح صعود العدالة والتنمية في كبح جماح الحراك المستمر الذي تقوده حركة الـ«20 من فبراير» والهيئات الداعمة لها، إضافة إلى جماعة العدل والإحسان، يعترف كثير من قادة الحزب الإسلامي بأن للحركة فضلاً كبيراً في النتيجة التي حصلوا عليها، وإن كانوا يختلفون معها في قرار المقاطعة وتجاهل التغيير الحاصل. وعدّ القيادي، وصف حامي الدين عبد العالي، انتصار العدالة والتنمية بأنه انتصار لحركة «20 فبراير»، بقوله «لم يكن ممكناً للعدالة والتنمية أن يفوز لولا حركة «20 فبراير»، من دونهم ومن دون تظاهراتهم وشعاراتهم لم يكن بمقدورنا أن نحقق هذا الانتصار بهذا الزخم. أطلب منهم اليوم أن يلتقطو إشارات الشعب، وأن يكيفوا خلاصاتها مع شعاراتهم، لتكون الحركة سنداً للقوة الديموقراطية. وعليها أن تستمر في الاحتجاج بشعارات مختلفة، وأن تساعد القوى التي ستدير الشأن العام على هدم الفساد».
بدوره، دعا زميله سعد الدين العثماني «20 من فبراير» إلى الاستمرار في المقاومة في الشارع، بينما يتولون هم المقاومة من داخل المؤسسات. في وقت فتح فيه بنكيران الباب أمام جماعة العدل الإحسان المحظورة للانخراط في العمل السياسي القانوني، والعمل على الإصلاح من داخل المؤسسات، لا من خارجها.
ووعد الإسلاميون أيضاً بتقليص عدد الوزارات في الحكومة المقبلة ترشيداً للنفقات، وبتجديد الأسماء المستوزرة، لكن أكبر هاجس يواجه المنتصرين في انتخابات الجمعة هو الالتزام بالتعهدات التي قطعوها على أنفسهم، وتطبيق البرنامج الذي يتضمن تحقيق معدل نمو يبلغ 7 في المئة، ورفع الدخل الفردي بنسبة 40 في المئة، ومضاعفة مردودية الاستثمار العمومي وإشراك المقاولات الصغرى والمتوسطة في تنفيذ الصفقات العمومية الكبرى، بنسبة لا تقل عن 30 في المئة، إضافة إلى الإصلاح الضريبي، وخفض نسبة البطالة بنقطتين، ومعدل الفقر إلى النصف، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 درهم.
إضافة إلى كل ما تقدّم يبقى أمر تدبير العلاقة مع المؤسسة الملكية ومحيطها أحد أبرز تحديات الإسلاميين. وقد أعلن بنكيران، رئيس الحكومة المعين، أن «زمن بهدلة الوزراء من طرف مستشاري الملك قد ولى، كما لم يعد هناك شيء اسمه وزارات السيادة، فكل الوزارات متساوية، والدستور أعطى رئيس الحكومة صلاحية اقتراح أسمائها على الملك»، لكنه عاد ليتراجع قليلاً بالقول «لا يمكن حكم المغرب ضد إرادة الملك»، فهل سينجح الإسلاميون في سحب البساط من حكومة الظل التي يقودها مستشارو الملك؟



كما كان متوقعاً، عين الملك المغربي محمد السادس، أمس، زعيم حزب العدالة والتنمية، عبد الاله بنكيران، رئيساً للوزراء، بحسب ما أعلن مصدر رسمي. ودعا الملك بنكيران الى ميدلت (وسط)، حيث القصر الملكي. وأوضح صحافي هناك أن بنكيران أدى اليمين أمام الملك المغربي. ونص الدستور الجديد الذي كان قد اقترحه الملك محمد السادس، وتبنّاه في استفتاء في تموز الماضي على أن يعين الملك رئيس الوزراء من الحزب الذي يفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التشريعية.(أ ف ب)