الخرطوم | اتفقت قوى الهامش السوداني على تطويق المركز وإنهاء النظام القائم في الخرطوم بثورة تنطلق من الأطراف، بمساعدة القوى السياسية في الداخل. وتوافقت تلك القوى تحت مسمى الجبهة الثورية السودانية على إسقاط الحكومة لتشهد مدينة جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، ميلاد الكيان الجديد الذي تكوّن بتوحّد أربع حركات مسلحة هي: حركة تحرير السودان فصيل مناوي، وحركة عبد الواحد محمد نور، بالإضافة إلى حركة العدل والمساواة والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال بقيادة ياسر عرمان. صفة مشتركة تجمع هذه الحركات تتمثل في اختيارها طريق العمل المسلح ضد الحكومة السودانية، بعدما رفضت الجلوس للتفاوض معها، وبالتالي فإنها في تكوينها الوليد لن تحيد عن الطريق الذي رسمته، حيث أعلنت أنها ستعمل على إسقاط النظام في الخرطوم عن طريق العمل المسلح وأنها ستزاوج بين العمل الجماهيري والعمل الثوري. وعلى شاكلة ثورات الربيع العربي، ناشدت القوى الثورية السودانية جميع أطياف الشعب وجميع أفراد القوات النظامية الانحياز للثورة. وشدّدت الجبهة على أولوية قيام دولة المواطنة والمساواة في الحقوق، ودعت إلى تشكيل حكومة انتقالية لمدة ستة أعوام وإقامة نظام لامركزي للحكم والاحتكام إلى دستور انتقالي يراعي التنوع الإثني والقبلي في السودان.
وعلى الرغم من أن بعض مكونات الجبهة، وتحديداً حركة العدل والمساواة، أكدت لـ«الأخبار» في وقت سابق أنها ضد انفصال دارفور وتحقيق الحكم الذاتي للإقليم، إلا أنها وافقت على إقرار مبدأ الوحدة الطوعية لجميع أقاليم السودان، التي يؤمن بها تحالف القوى الثورية، لكن وفق شروط خاصة، وفقاً لما أكده المتحدث باسم حركة العدل والمساواة جبريل بلال.
ويوضح بلال، في حديث مع «الأخبار»، موقف حركته، مشيراً إلى أن الوحدة الطوعية مقصود بها إزالة الغبن والضغائن التي أصابت الهامش السوداني منذ عشرات السنين. كما شدد على أنه «يجب معالجة آثار الحروب التي راح ضحيتها الملايين في الهامش حتى لا تتسبب تلك الظلمات التاريخية، حسب وصفه، بأزمات سياسية للسودان في المستقبل بعد التخلص من النظام الحاكم، وحينها تكون كل أقاليم السودان قد أجمعت طواعيةً على البقاء في وطن خالٍ من الشوائب، يتساوى فيه الناس ويسع الجميع».
وفي الوقت الذي تشرع فيه الجبهة باختيار قياداتها في المكتب السياسي، تمهيداً لتفعيل التنسيق مع القوى السياسية في الداخل، وجدت دعوة تحالف «الجبهه الثورية» معارضة شديدة من أحزاب المعارضة الداخلية، التي تنبذ طريق العنف والعمل المسلح، وإن اتفقت معها على مبدأ ضرورة التغيير بعدما وصلت البلاد إلى مرحلة «خانقة من الأزمات»، حسب تعبير نائب رئيس حزب الأمة القومي، فضل الله برمه ناصر، الذي استهجن مبدأ استخدام «البندقية» ورفع السلاح طلباً للتغيير والإصلاح.
وقال ناصر لـ«الأخبار»: «نحن ضد استخدام شرعية البندقية ولا نؤمن بفرض قوة السلاح كما فعل نظام الخرطوم، الذي قاد انقلاباً عسكرياً ضد حكومة ديموقراطية منتخبة. وأضاف «السودان في خطر ولا بد من التغيير، لكن بالوسائل الشرعية السلمية». ودعا الحركات المسلحة الى أهمية الاتفاق لإيجاد مخارج تؤدي الى التغيير بالوسائل التي لا تدخل البلاد في فوضى. وأكد أن حزب الأمة يؤيد مبدأ أن يكون العلاج عن طريق الحوار، لا العنف، فيما أكد احترام القضايا التي ترفعها الحركات المسلحة والتي أدى تجاهل الحكومة المستمر الى تفاقمها. ويبدو أن ظن القوى الثورية العسكرية قد خاب في المعارضة الداخلية بالاعتماد عليها لتحريك الشارع وقيادة الإضرابات المدنية لإسقاط النظام، بينما قلل حزب المؤتمر الوطني الحاكم من الاتفاق، وركز جُلّ اهتمامه على اتهامه لدولة جنوب السودان لإيوائها «عناصر متمردة تخطط لعمل عسكري لإطاحة الحكومة القائمة في الخرطوم».
ويذهب محللون محليون إلى الجزم بفشل تحالف الحركات المسلحة في خلق علاقات مع الأحزاب السياسية في الداخل، مستبعدين إمكان تطوير أفكار السياسيين التقليديين في أحزاب المعارضة التي تنظر الى الحركات المسلحة بشيء من التوجس لأنها تطرح نفسها كبديل في سدة الحكم.
وحسب مصدر حكومي، فضل عدم الكشف عن هويته، فإن النبرة العنصرية والجهوية التي يحملها التحالف بين طياته هي التي حفزت الأحزاب السياسية الداخلية على عدم الموافقة على منهج التحالف الثوري. وقال المصدر لـ«الأخبار» «المواطنون في الداخل ليسوا جميعاً مع النظام، لكنهم ضد ما يلوح في الأفق من فوضى وراء أهداف هذا التحالف الذي يحمل طاقة هدم لا طاقة بناء». وأضاف «حالة العنصرية والرغبة في الانتقام والتدمير التي يشعر بها الموقّعون على تحالف القوى الثورية هي التي أبعدت الشارع عنهم، ليس تأييداً للنظام القائم، بل لأن المواطن ملّ الحروب والصراعات التي استمرت طيلة نصف قرن من الزمان».
وبحسب المصدر نفسه، «فإن فرص نجاح هذا التحالف قليلة إن لم تكن معدومة، ما عدا الاستفادة من الحالة الذهنية التي يعيشها أفراده مع التكهنات التي تتوقع أن يكون السودان هو المحطة المقبلة للربيع العربي، وهم يحاولون الاستفادة من تلك الأجواء وتثبيت أن نسمات الربيع السوداني هبت أولاً من لدُن الجبهة الثورية السودانية».
وفي السياق نفسه، استبعد المختص في الشأن الدارفوري، الخبير في الأمم المتحدة، يوسف بخيت، الذي تحدث لـ«الأخبار»، قدرة تلك التحالفات على إحداث أي أثر. وأوضح أن «الحركات المسلحة ستشكل مصدر قلق وإزعاج للحكومة في الخرطوم، لكنها لن تفلح في إزالتها»، وهو أمر رفضه المتحدث باسم حركة العدل والمساواة جبريل بلال، مؤكداً قدرة التحالف على إسقاط النظام.
وأكد لـ«الأخبار» أن قوى المقاومة التي شكلت التحالف وبكل ما تملك من ترسانة عسكرية وما حولها من شعبية واسعة تستطيع أن تغيّر النظام في أقرب وقت ممكن، مستفيدة من مواضع الخلل التي صاحبت دخول حركة العدل والمساواة أمّ درمان.
بدورها، تؤكد حركة تحرير السودان فصيل مناوي أن تحالف الجبهة الثورية لا يحتاج الى من يُملي عليه ماذا يفعل، وأن الجبهة تحتفظ بآلياتها الخاصة لإسقاط النظام والمتمثلة في العمل العسكري. وشدد القيادي في الحركة، عبد العزيز سام، على أن القوى الثورية لا تحتاج من القوى السياسية في الخرطوم إلى أن تقترح أو تُملِي عليها ما قدمت من أجله الشهداء. وأضاف في حديث مع «الأخبار» «لم نطلب من القوى السياسية الداخلية أن تتبنى وسيلة الكفاح المسلح، مطلوب منها الاتفاق معنا على الرؤية والبرنامج، أما الآليات فلم نطلب منها تبني العمل المسلح، وكما يجب عليها أن لا تطلب منا التخلي عن الآلية التي نعتقد أن النظام لن يزول بدونها». وبرر الحديث عن أهمية احتفاظ كل طرف بالآلية التي يراها مناسبة بالقول «ليس بالضرورة تبني آلية واحدة في المقاومة، وتعدد الآليات والوسائل ضمانة حقيقية لنجاح أي عمل، وعلى القوى السياسية في المركز أن تفرق بين الأشياء، عليهم استخدام الآليات التي تناسبهم ويتركوا لنا العمل المسلح ضد النظام».
وأضاف «المهم أن نتفق على المشروع الوطني ونتواثق عليه، فلا نضع الصندوق أمام العربة، دعونا نتفق على محتوى المشروع الوطني، ثم نتفق على البرنامج الوطني، وعلى حتمية تغيير النظام بكل الوسائل المتاحة، ثم نجدول الوسائل بحيث نستخدم الأكثر اتفاقاً عليها والأقل كلفة، ثم نتقدم نحو الوسيلة التالية في حال عدم نجاح أو فاعلية الوسيلة الأولى».
كذلك لا يبدو أن التحالف قد يحظى بدعم خارجي على غرار الدعم الذي تلقته الحركات المتمردة السودانية في السابق. ويفسر المتحدث باسم الخارجية السودانية، العبيد أحمد مروح، الانتقادات التي وجهها المجتمع الدولي لتحالف الجبهة الثورية، بالإشارة إلى أن المجتمع الدولي غير مستعدّ الآن لمساعدة أي عمل مسلح من شأنه أن يناهض ما بناه المجتمع الدولي طيلة ستة أعوام في السودان. وأوضح مروح لـ«الأخبار» أن الحكومة وافقت على اتفاق الدوحة بضغط من المجتمع الدولي، كما أن الولايات المتحدة وبعض دول العالم من أكبر المستثمرين في قضية دارفور وبعثة حفظ السلام المشتركة في الإقليم «يوناميد» تعدّ من أكبر البعثات الأممية.
إلا أن المتحدث باسم حركة العدل يقلل من نقد المجتمع الدولي، مشيراً إلى أن الموقف الدولي اكتفى بالانتقاد، ولم يرتق إلى مستوى إدانة التحالف. وأضاف بلال «المجتمع الدولي أعرب عن موقفه من الحرب لأن أضرارها كبيرة، لكن بالمقابل نحن أوضحنا موقفنا بأن الحكومة لا تريد التسوية السياسية وفرضت علينا الحل العسكري، وأوضحنا لهم أن الحرب اتسعت لشمال كردفان والنيل الأزرق وأن عدد الضحايا قد ازداد في الآونة الأخيرة، ولذلك لا خيار سوى إسقاط النظام بكل الوسائل»



تاريخ قوى الهامش

لم يكن تحالف قوى الهامش هو الأول من نوعه في التاريخ السياسي السوداني، الذي عرف في القرن الماضي تحالف قوى الريف كما عرف أيضاً التجمع الوطني الديموقراطي، لكن التغييرات الإقليمية والدولية المحيطة بالسودان الآن ربما لن تأتي في مصلحة الجبهه الثورية. وفيما يستبعد المتحدث باسم الخارجية السودانية العبيد أحمد مروح أن يلبي الهامش دعوة إسقاط الحكومة في المركز نتيجة ما سمّاه المقاومة الذاتية المناهضة لإطاحة الحكومة المركزية، باعتبار أن الحكم الفيدرالي أوجد شبه إجماع بأن قضايا الهامش لم تعد مباشرة مع المركز، بل مع الحكومات الولائية التي يقوم عليها أبناء الولاية ذاتها، نبّه المختص في الشأن الدارفوري والخبير في الأمم المتحدة، يوسف بخيت إلى أن الوقت والجهد الذي ستبذله الحكومة مع الحركات المسلحة سيصرفها عن إعادة السلام الى دارفور وتطبيق اتفاق الدوحة.