أمطرت أمس بكثافة فوق ميدان التحرير. هتف المتظاهرون: «وآدي المطرة كمان بتمطر... يسقط يسقط حكم العسكر». الاعتصام الذي دخل يومه التاسع يزداد تماسكاً، واتساعاً. لم يغادر المتظاهرون عقب الأمطار الشديدة، بل بدأوا بترتيبات لتثبيت الخيام التي أغرقتها الأمطار. كذلك اتسع الاعتصام عند مجلس الوزراء لمنع رئيس الوزراء الجديد كمال الجنزوري من الدخول وممارسة عمله، مع الإصرار على المطالب بتأليف حكومة «إنقاذ وطني» ترأسها شخصية من الأسماء التي طرحها المتظاهرون في ميدان التحرير.
وفي إطار البحث عن حلول للأزمة، عقد رئيس المجلس العسكري المشير حسين طنطاوي وبعض قيادات المجلس اجتماعاً مع عدد من مرشحي الرئاسة ورؤساء الأحزاب. استمر الاجتماع ثلاث ساعات، واعتذر عن عدم حضوره محمد البرادعي وعبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي، فضلاً عن الدكتور محمد أبو الغار رئيس حزب «المصري الاجتماعي»، بينما حضرته شخصيات أخرى، أبرزها عمرو موسى، وسليم العوا، وعبد العزيز حجازي رئيس الوزراء الأسبق، والسيد البدوي رئيس حزب الوفد.
وخرج الاجتماع بالإعلان عن إنشاء مجلس رئاسي استشاري يضم عدداً من رموز القوى الوطنية والتيارات السياسية والخبراء المتخصصين للمشاركة في تقديم الحلول للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى حين الانتهاء من انتخاب أعضاء مجلس الشورى الجديد الذي ستنتقل إليه تلك المسؤولية، على أن تجري مباحثات تأليف المجلس فور الانتهاء من المرحلة الأولى للانتخابات التشريعية التي تبدأ اليوم الاثنين.
كذلك عقد طنطاوى مؤتمراً صحافياً قبل الاجتماع ليعلن أن لقاءه مع البرادعي وعمرو موسى جاء بناءً على طلبهما الشخصي. ورأى أن مصر في «مفترق طرق»، فإما أن تنجح وتسلم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، أو أن تكون العواقب في منتهى الخطورة، «ولن نسمح بذلك». وعن اختيار الجنزوري لرئاسة الوزراء، قال: «إن تكليف الجنزوري بتأليف حكومة إنقاذ لفترة بسيطة هدفه العبور من هذه المرحلة الخطيرة». وعن وضع الجيش في الدستور الجديد، قال طنطاوي «وضع الجيش كما هو في الدستور السابق والحالي والمقبل وكافة الدساتير... سيبقى كما هو».
وقد ردّ التحرير بقوة على الاجتماع والتصريحات التي اعتبروها «مستفزة»، فأصدرت بعض الحركات الثورية بياناً رأت فيه أن «المجلس العسكرى هو العدو الرئيسي للشعب المصري والعقبة الأساسية في طريق ثورته». وأكدت مطالبها: «عودة العسكر إلى الثكنات للتفرغ لحماية البلاد ضد أي عدوان خارجي، تأليف حكومة إنقاذ وطني تستمد شرعيتها من الشرعية الثورية، وقف فوري للمحاكمات العسكرية ومحاكمة المسؤولين من الجيش أو الشرطة عن أحداث العنف والقتل للثوار في ميادين مصر في اعتصامات 19 نوفمبر».
كذلك أعلنت حركة «شباب 6 أبريل» عدم تنازلها عن الحل التوافقي للأزمة الحالية، الذي جاء بإجماع كل الحركات والأحزاب والائتلافات المشاركة في التحرير وجميع المحافظات، بقيام الدكتور محمد البرادعي بتأليف حكومة إنقاذ تتمتع بجميع صلاحيات التشريع والإدارة، على أن يكون الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي نائبين له. وشددت الحركة على عدم تنازل كل القوى الثورية عن هذا الحل التوافقي للأزمة مطلقاً، والاستمرار بالاعتصام في كل ميادين التحرير، مع فتح الباب لأي أفكار وأشكال أخرى للمقاومة السلمية. وكانت نيابة أمن الدولة العليا قد جددت حبس الناشط والمدوّن علاء عبد الفتاح 15 يوماً جديداً، وهو ما أصاب «التحرير» بالغضب، وتصاعدت الهتافات ضد حكم العسكر.
وفي جانب آخر، استخدم محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، في حوار مع قناة الجماعة «مصر 25»، الألفاظ نفسها التي يستخدمها المجلس العسكري في وصف متظاهري التحرير، مشيراً إلى أن هناك «جهة مجهولة تشعل الحرائق، يعلمها المجلس العسكري ووزارة الداخلية، ولكن لم تجر محاسبتها حتى الآن». وأضاف أن «يداً آثمة دبّرت أحداث التحرير وإمبابة وماسبيرو كي لا تقطف مصر ثمار ثورتها».
أما أخطر ما كشفه المرشد فهو على حدّ قوله: «اكتشفنا أن هناك مؤامرة في أحداث التحرير، ومحاولة لاستدراج الإخوان للنزول»، مضيفاً أن «جهات رسمية وشعبية طلبت منّا النزول عكس ما كان متّبعاً في كل مليونية، حيث كان يُطلب منّا ألّا ننزل».
ولم يحدد المرشد من هي هذه الجهات «الرسمية»، وهل ينزل الإخوان بالريموت كونترول؟
وعن أداء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أكد بديع أن رصيد المجلس العسكري بدأ ينفد لدى الشعب، ويحتاج إلى إعادة شحن، ونرجو إعادة شحنه، مشيراً إلى أن هناك بوادر صدق أُعلنت في الجدول الزمني الذي أعلنه المشير، ونرجو أن تستمر.
من جانبه، لا يزال رئيس الوزراء المعين من جانب المجلس العسكري والمرفوض من كل القوى والحركات السياسية والمتظاهرين في التحرير يلتقي عدداً من شباب ائتلافات الثورة، وهي مجموعات من الحزب الوطني القديم، وبعض هذه الائتلافات التي تكوّنت بعد الثورة كانت من مجموعات دعم جمال مبارك للرئاسة. وقد أكد الجنزوري أنه لم يبدأ بعد مشاورات تأليف حكومته، وأن لقاءاته تجري مع التيارات والحركات المختلفة لاستطلاع آرائهم ووجهات نظرهم.
وأضاف الجنزوري، في مؤتمر صحافي على هامش لقاءاته، بشأن رفض التحرير له: «من حق المواطن المصري أن يستمر بالاعتصام والتعبير عن رأيه، وأن يعترض كيفما يشاء، لكن كل ما أرجوه هو أن يتحرك هذا الأمر إلى الأمام لمصلحة مصر، وأن تؤلف حكومة الإنقاذ الوطني في أقرب فرصة».