استبقت فرنسا أمس الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب المقرر في القاهرة اليوم بالإقدام على خطوتين تُعتبران الأكبر في إطار الحشد للتدخل الخارجي في الأزمة السورية: شبه اعتراف بتمثيلية «المجلس الوطني السوري» المعارِض، وكشف عن مبادرة باريسية لإقامة «ممرّات إنسانية» corridore humanitaire في سوريا، وهو ما قد يكون الخطوة الأولى في إطار احتمال إنشاء منطقة عازلة أو حظر جوي في البلاد. وقال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إنّ بلاده تؤيّد إقامة ممر إنساني في سوريا، وترى أنّ «المجلس الوطني السوري» هو «المحاور والشريك الشرعي الذي سنواصل العمل معه». وردّاً على سؤال، في مؤتمر صحافي بعد لقائه الاسم الأبرز في«المجلس الوطني» برهان غليون في باريس، عمّا إذا كانت إقامة ممر إنساني في سوريا أمراً ممكناً، أجاب جوبيه «إنه أمر بحثناه، وسأقترح إدراجه على جدول أعمال المجلس الأوروبي»، رغم تشديده على أن التدخل العسكري «غير مطروح». ولفت جوبيه أيضاً إلى أن بلاده تسعى إلى نيل «المجلس الوطني» اعترافاً دولياً، مشيراً إلى ضرورة أن يضم هذا المجلس «كل أطياف المعارضة». ورداً على سؤال بشأن الخيارات العسكرية، أجاب بأن «الخيار العسكري ليس مدرجاً في جدول الأعمال. لم نبحثه، وهذا الرد ينسحب على إمكان إقامة منطقة عازلة» على الحدود مع تركيا. وكان جوبيه قد استبعد من الكويت حصول أي تدخل عسكري غربي من قبل حلف شمالي الأطلسي في سوريا، وذلك لثلاثة أسباب: إصرار «المجلس الوطني» على المضي قدماً في سلمية الثورة وعدم اللجوء إلى استخدام السلاح، وثانيها عدم طلب جامعة الدول العربية من مجلس الأمن مثل هذا التدخل، وثالثها الفيتو الروسي المتوقع. تصعيد فرنسي سبقه نشر مجلة «لو كانار أنشينيه» خبراً عن أن «مجموعة من ضباط الاستخبارات الفرنسيين أرسلوا إلى شمال لبنان وتركيا بغية لقاء عناصر الجيش السوري الحر وتأليف أول فرقة عسكرية لهم وتدريبهم على حرب العصابات».
«حرب بالوكالة ضد بشار الأسد؟» سألت «لو كانار أنشينيه»، ونقلت عن مسؤول رفيع المستوى في مديرية الاستخبارات العسكرية الفرنسية قوله «لن نكرر ما حدث في ليبيا، لكنّ الفرنسيين والبريطانيين هم أول من اتصل بالثوار». وتوضح المجلة أن المشروع الذي يُعدّ الآن هو «تدخل محدود من قبل قوات حلف شمالي الأطلسي في سوريا».
وفي ما يتعلق بالاجتماع المقرَّر لوزراء الخارجية العرب المخصَّص للأزمة السورية، في القاهرة اليوم، ظلّت المعلومات المتعلّقة به محدودة، مع ترجيح تنفيذ السيناريو التصعيدي الذي سبق للأمين العام المساعد للجامعة العربية محمد التويجري أن سرّب مضمونه، وينص على فرض عقوبات عربية تشمل 5 قطاعات اقتصادية ضد سوريا. وقد يكون اللقاء الذي جمع ولي عهد السعودية الأمير نايف بن عبد العزيز مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في الرياض، أول من أمس، قد هيّأ الأجواء لاجتماع اليوم وللّقاء التحضيري الذي عُقد مساء أمس. وبحسب المصادر، فإنّ ولي العهد السعودي وضيفه القطري عرضا «الجهود العربية المبذولة لوقف العنف في سوريا والقتل ضد المدنيين والخطوات التي ستتخذها الجامعة خلال الاجتماع المقبل لوزراء الخارجية» اليوم.
ويتوقع أن يتقرّر اليوم الرد العربي حيال الخطوات التالية الواجب اتخاذها، بعد رفض الجامعة العربية التعديلات التي طلبت سوريا إدخالها على مشروع البروتوكول المتعلق بمركز ومهمات المراقبين الذين تنوي الجامعة إرسالهم إلى سوريا. وقد أكدت الجامعة العربية أن الاجتماع المقرر أن يعقده مجلس الجامعة، بشأن سوريا في القاهرة اليوم، سيكون في أحد فنادق القاهرة وليس في مقر الجامعة، بسبب أحداث ميدان التحرير القريب منه.
وقد تفاوتت نوعية المواقف التي استبقت موعد اليوم بين استعداد أوروبي لتبنّي رزمة عقوبات جديدة ضد دمشق، وتفاوت في المواقف الروسية نفسها. وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي، المبعوث الرئاسي ميخائيل مارغيلوف، إن روسيا «استنفدت كل الوسائل التي تسمح للرئيس بشار الأسد بالمحافظة على وضعه القانوني في المحافل الدولية»، مشيراً إلى أن على القيادة السورية «القيام فوراً بالإصلاحات ووقف العنف وإجراء انتخابات حرة». ونقلت وكالة الأنباء الروسية (إيتار تاس) عن مارغيلوف قوله إن «الفيتو الأخير على قرار مجلس الأمن كان الوسيلة الأخيرة التي تسمح للأسد بالمحافظة على وضعه القانوني في المحافل الدولية. لقد كانت إشارة جدية للأسد من جانب روسيا، وبهذا الفيتو استنفدنا كافة الوسائل». وتابع مارغيلوف أن «على الرئيس الأسد أن يفهم أن هذا الموقف ذو مدلول واحد، وهو تنفيذ الإصلاحات ووقف أعمال العنف وإجراء انتخابات حرة، وأن هذا ما يجب على القيادة السورية عمله فوراً». غير أن وزير الخارجية سيرغي لافروف أدلى بتصريحات مختلفة، أشار فيها إلى أن تصرفات الدول الغربية تجاه سوريا «تكمن وراءها رغبة هذه الدول في استخدام الاستفزاز لاستعادة مواقعها السياسية والاقتصادية التي تخسرها على الساحة الدولية». وقد انضمّ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى المحذّرين من حصول حرب أهلية في سوريا، معتبراً أن ذلك «أمر محتمل فعلاً».
على صعيد آخر، كشف دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي أن حكومات الاتحاد تعتزم تبنّي عقوبات مالية واسعة جديدة ضد سوريا، الأسبوع المقبل، «تستهدف قدرة الأسد على الوصول إلى السيولة من خلال القطاع المصرفي». ومن المتوقع أن تتضمن العقوبات الجديدة حظر الاستثمار الأوروبي في البنوك السورية، ومنع فتح فروع للمصارف الأوروبية في سوريا، وحظر التعامل على سندات الحكومة السورية، فضلاً عن حظر تقديم خدمات التأمين للهيئات الحكومية.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)