تلا رئيس لجنة تقصّي الحقائق في البحرين شريف بسيوني تقريره أمس، على مرأى ومسمع من الملك وأبنائه وبعض قادته، معلناً ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان خلال شهري شباط وآذار من قبل عناصر أمنية، «على خلاف التعليمات الحكومية»، ومبرّئاً إيران من أي علاقة في الأحداث التي جرت، وفي الوقت نفسه قوات «درع الجزيرة» التي قال إنها لم ترتكب أي انتهاك ضدّ المتظاهرين. لم يشر بسيوني إلى الاستهداف الطائفي ضدّ الشيعة كسياسة ممنهجة اعتمدتها الحكومة، بل رأى أن ما ارتكب في هذا الشأن كان من قبل أفراد لأغراض انتقامية، وكان لافتاً إشارته في ثلاث مرّات إلى ما قال إنه «استهداف للطائفة السنّية من قبل المتظاهرين».
وبعد قراءة التقرير، كان ردّ الملك المكتوب جاهزاً بدوره. أثنى على عمل اللجنة الدولية وشكرها، وأكّد أنّه سيؤلف فريقاً حكومياً لدراسة التوصيات والاستجابة لها، وسيلاحق مرتكبي الجرائم، واصفاً إصدار التقرير بأنه يوم تاريخي، وله مكانة عالية وقيمة عظيمة. لكنه لم يتفق مع اللجنة على تقويمها للدور الإيراني، مشيراً إلى أنه وإن كان «لا يمتلك أدلة على علاقة إيران بالأحداث، لكن القنوات الرسمية الإيرانية تحرّض أبناء وطننا على ارتكاب العنف». وأمل من القيادة الإيرانية أن تعيد النظر في سياساتها.
وإن كان تقرير بسيوني الذي يقع في 500 صفحة ويتضمن 12 فصلاً قد وثّق الانتهاكات وأكّد حصول شتى أنواع التعذيب التي تحدث عنها الضحايا، داخل المعتقلات، إلا أنه برّأ ساحة قادة الحملة الأمنية والسلطة السياسية من هذه الجرائم المرتكبة، ورأى أن الممارسات الممنهجة «لم تكن سياسة حكومية»، بل تنمّ عن تصرفات فردية لعناصر أمنيين يفتقرون إلى ثقافة حقوق الإنسان، لذلك أوصى بتدريبهم وتأهيلهم كي لا يعودوا إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم. وقال إن عدم محاسبة «المسؤولين داخل المنظومة الأمنية أدى إلى انتشار ثقافة عدم المساءلة داخل المنظومة الأمنية».
ورأى بسيوني أنّ الحملة الأمنية أدّت إلى موت مدنيين، وهو ما زاد من السخط الشعبي، وأنه جرت عمليات ضبط كثيرة عشوائية «من دون إبراز أوامر الضبط»، وفي حالات كثيرة «جرى استخدام القوة المفرطة وإتلاف غير ضروري على خلاف التعليمات الصادرة عن مجلس الوزراء». وأكّد حصول انتهاكات عديدة أمام محاكم السلامة الوطنية، لكنّه حمّل مسؤولية ذلك إلى الأمن، قائلاً «أسلوب الأمن في تفسير مرسوم السلامة الوطنية فتح الباب أمام انتهاكات القانون وحقوق الأفراد».
وكان لافتاً في تقرير بسيوني أيضاً أنّه لم يلحظ أي تحريض إعلامي من أي جهة كانت، قائلاً «لم نعثر على أي أدلة تشير إلى تحريض أو كراهية من قبل وسيلة إعلامية». ويمكن أي مراقب أن يلاحظ خلال الأحداث أن جزءاً كبيراً من حملات التحريض والتجييش الطائفي أسهمت فيه وسائل الإعلام التي لم تكن من طرف واحد، بل من «الأطراف المضادة» التي لم تتوقف عن سكب الزيت على النار في تقارير مشكوك في صدقيّتها.
ومن أجل المزيد من «التوازن» في تقريره، أكّد بسيوني أن اللجنة «لم تكتشف علاقة واضحة لإيران بالأحداث، كما لم تجد أي دليل على حصول انتهاكات من قبل درع الجزيرة». وتحدث التقرير عن حصول صدامات طائفية، وأشار أكثر من مرّة إلى هجمات على أهل السنّة، وأكّد أنه جرى «استهداف السنّة أيضاً بناءً على أسس طائفية وادّعاءاتهم المزعومة بالانتماء للأسرة المالكة. وتمّ تمييز بيوت السنّة للهجوم عليها من المحتجين، ولحقت الأضرار أيضاً بالملكيات الخاصة بهم». وأشار إلى أنه كان هناك «استهداف عنصري للوافدين، وبالتحديد من دول جنوب آسيا. هناك مئات من الأجانب الوافدين كانوا في خوف على حياتهم، وفقد 4 حياتهم»، قبل أن يعود ويؤكّد أن لدى اللجنة أدلة كافية تثبت أنه كان هناك استهداف للطائفة السنّية.
ولعلّ أبرز ما أقرّته لجنة التحقيق حصول التعذيب «المتعمّد» للمعتقلين، والذي كان يستهدف في بعض الحالات انتزاع الاعتراف، وفي بعض الحالات الانتقام، مفنّداً أساليب التعذيب القاسية التي مارسها المحققون، من تعصيب العينين وتكبيل اليدين والضرب المبرح بالأسلاك الحديدية والصعق الكهربائي والاعتداءات اللفظية والتهديد بالاغتصاب وإهانة الطائفة الدينية.
وعن دور العبادة، قال إن اللجنة سجلت تعرض 30 داراً للعبادة للهدم، وكانت 5 منها فقط مستوفية الشروط القانونية، وبالتالي، بحسبه، فإن هدمها كان قانونياً، لكنّه أضاف أن ذلك «لا يمنع من النظر بقلق إلى توقيت الهدم، وهذا سبّب أن ينظر إلى حالات الهدم كعقاب جماعي».
وعلى الأرجح، فإنّ التقرير لن يرضي شباب انتفاضة 14 فبراير أو المعارضة المتشدّدة، بحيث أكّد بعض رموزهم أنهم لن يقبلوا أن «يكون الجاني والقاضي واحداً، ولأن الدم هو أبلغ شهادة، ولا يحتاجون إلى تقرير من أحد». أما المعارضة الرسمية، فقد ترحب في بعض فصوله وتتحفظ على البعض الآخر، مع أنّ البوادر الأوّلية كانت ترحيباً، استناداً إلى ما صرّح به النائب المستقيل عن جمعية «الوفاق» عبد الجليل خليل لقناة «الجزيرة»، متفقاً مع الملك على أنه «يوم تاريخي أثبت بوضوح حصول انتهاكات جسيمة».
كذلك فإنّ التقرير لن يرضي الضحايا وذويهم، فهو لن يسهم في إطلاق سراح السجناء، بما أنّه أوصى بإلغاء الأحكام وإعادة المحاكمة لسجناء الرأي، ولا سيما أولئك الذين لم يُدانوا بالتحريض على العنف، وهي تقريباً التهمة المشتركة لدى جميع المعتقلين.
إضافة إلى ذلك، فإن فاعلية التقرير ترتبط إلى حدّ كبير بتنفيذ توصياته من قبل الملك الذي جعل من التقرير حكماً لا طرفاً في الأزمة، وألقى على عاتقه وضع حدّ للحملة الأمنية ومحاسبة المسؤولين، وإطلاق مصالحة وطنية وتخفيف الاحتقان. ولعل الأهم هو العمل على تسوية سياسية لوضع حلّ للأزمة المتجدّدة التي لا تخدم أحداً.

■ للإطلاع على تقرير لجنة بسيوني ، انقر هنا




توتّر في القرى وسقوط قتيل

بينما كان رئيس لجنة تقصّي الحقائق شريف بسيوني يستعد لتلاوة تقريره، كانت القوات الأمنية تطارد شباناً في بلدة عالي، ما سبّب وقوع حادث أدى إلى سقوط قتيل جديد. وقال ناشطون إن عربات شرطة رباعية الدفع سارت مسرعة في شوارع بلدة عالي التي تقع خارج المنامة لملاحقة عشرات الشبان، قبل الإمساك بأحدهم وضربه بالهراوات، بينما حلقت طائرات هليكوبتر فوق المكان.
كذلك استخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع لتفريق عشرات الأشخاص الذين ساروا في شوارع وسط البلدة وهم يردّدون عبارة «يسقط حمد».
وأكد الناشطون أنه قبل ساعات من المطاردة، صدمت عربة تابعة لقوات الأمن سيارة عبد النبي كاظم عقيل، ما أدى إلى مقتله. وقالوا إن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع والطلقات المطاطية بعد الحادث. ولم يعرف إن كان عقيل قد شارك في الاحتجاجات. ووصفت وزارة الداخلية في موقعها على «تويتر» الحادث في عالي بأنه حادث مروري، وقالت إنها استكملت تحقيق الطب الشرعي، لكنها لم تذكر تفاصيل.
(رويترز)