«جهاديّون» تابعون لـ«الحزب الإسلامي التركستاني» انخرطوا حديثاً في الميدان، أسلحةٌ من مختلف الأصناف وبكميّات هائلة تلقّتها «جبهة النصرة»، «قياديّون» متمرّسون في المعارك تابعون لـ«جند الأقصى» سوريّون ومن جنسيّات أخرى، اجتماعات متتالية، تحضيرات لوجستيّة. هذا جانبٌ من الأجواء الذي تعيشُها معسكرات المجموعات المسلّحة في ريف حلب الجنوبي الغربي تحضيراً لمعركة تبدو قادمة حتماً. الحصول على تقديرات دقيقة لأعداد المسلّحين المُستنفَرين لهذه الغاية يبدو صعباً في ظلّ حرص كبير على التكتّم. المؤكد أنّ التحشيدات تكاد تكون غير مسبوقة. المعلومات المتوافرة من المنطقة تُفيد بوفود مئات «الأويغوريين» المنضوين تحت راية «التركستاني» من غير المنخرطين في المعارك السابقة. «المنبع» بات معلوماً وهو الأراضي التركيّة. متوسط أعمار الوافدين لا يتجاوز العشرين، طُعّم هؤلاء بأقران لهم من أصحاب الخبرة «الجهاديّة» سبقَ لهم أن استوطنوا بعضَ قرى ريف إدلب. الخطوةُ الأولى إيجاد مواطئ أقدام صالحة لـ«التمترس» استعداداً للمعركة. إلى جانب هؤلاء استنفرَت «جبهة النصرة» و«جند الأقصى» خيرة «مجاهديهما». «حركة أحرار الشام» في الخطوط الخلفيّة هذه المرّة، وربّما كانت الغايةُ «توفير» قواها لمرحلة تالية. المعركة مصيرية لأسباب عدّة، «نغزوهم قبل أن يغزونا» يقولُ مصدرٌ مرتبط بـ«النصرة» لـ«الأخبار». بهذا المعنى، تكتسب المعركة القادمة من منظور «المجاهدين» أهدافاً ثنائيّة المنحى: هجوميّة تهدف إلى استعادة السيطرة تدريجيّاً على مناطق الريف الجنوبي والتمهيد لإطباق هجومٍ بغية «فتح حلب» لاحقاً، ودفاعيّة تستبقُ أيّ معركة مستقبلية قد يُدشّنها الجيش السوري وحلفاؤه نحو إدلب. المصدر ذاته لا ينكر حقيقة الحصول على دفعات جديدة من الأسلحة، بل يتفاخر بذلك «من يكن الله معه لا يعدم الوسيلة دائماً. نعم، لدينا المزيد من الأسلحة»، دون اعطاء أي تفاصيل.
استنفرَت
«جبهة النصرة»
و«جند الأقصى» خيرة
«مجاهديهما»

ويبدو مُستبعداً حصول مسلّحي هذه الجبهة على أنظمة مضادة للطيران، أقلّه في المرحلة الحاليّة (مع احتمال حيازتهم عدداً من الصواريخ الصينيّة المحدودة التأثير). وتؤكد معلوماتٌ متقاطعة واردة من المنطقة أنّ طيران الاستطلاع «لا يكاد يفارق الأجواء»، من دون أن يؤثّر ذلك على حركة الاستعدادات النشطة. اللافت أنّ الاستعدادات توحي بعزم المسلّحين على بدء معركة هجومية على نطاق واسع قبل أن يشنّ الجيش هجوماً يستعد له. وعلاوة على التشبّث بالسيطرة على قرية العيس التي تحظى بأهميّة خاصة لكلا الطرفين، يبدو أن خطط «الجهاديين» تأخذ في اعتبارها الانطلاق من الزربة وما حولها في شكل قوس مفتوح، شمالاً نحو خان طومان (10 كم جنوب غرب حلب) وجنوباً نحو مدينة الحاضر التي لا يمكن الركون إلى سيطرة مستقرّة في العيس من دون السيطرة عليها. ورغم أن جبل عزّان (أقل من 15 كم جنوب حلب) يُعد هدفاً صعب المنال، غير أنّه يبدو حاضراً في حسابات الخطط الهجوميّة لـ«الجهاديين» عبر محاولات السيطرة على قرى تضيق المسافة نحوه وتقطع الطريق بينه وبين عبطين الغربيّة (مثل زيتان والعمارة).

المدنيّون «حطب» المعركة


وكما فعلت المعارك في كثير من مناطق ريف حلب، يجد من تبقّى من سكان قرى الريف الجنوبي أنفسهم أمام حلّين: الانضمام إلى من سبقهم من موجات النازحين، أو البقاء في منطقة مرشّحة لتشهد معارك غير مسبوقة العنف مع ما يعنيه هذا من تحوّلهم إلى «حطب» إضافي. ورغم النزوح الكبير الذي شهدته المنطقة في تشرين الأول الماضي مع وصول عمليات الجيش إلى مناطقهم، غير أن قسماً من السكان سارع إلى العودة بمجرّد انتهاء المعارك. وخلال الشهر الأخير وجد سكّان بعض القرى أنفسهم في مواجهة المعادلة ذاتها، ولا سيّما أبناء القرى التي قرّر «الجهاديون» التمركز فيها. قرية البوابية واحدة من أسوأ تلك القرى حظّاً، إذ وقع الاختيار عليها لتكون مستقرّاً لـ«الجهاديين» التابعين لـ«الحزب الإسلامي التركستاني». يشرح أحد أبناء القرية لـ«الأخبار» أنّ «موقع البوابية يبدو استراتيجيّاً لهم في هذه المرحلة». ولا تبعد القرية أكثر من كيلومترين عن أوتوستراد حلب ــ دمشق الدولي، وتواجه كلّاً من تل حديا وإيكاردا. وسبق للمسلّحين أن استخدموها منطلقاً لعملياتهم في اتجاه العيس، قبل أن يبدأوا بتحويلها أخيراً إلى «معسكر مفتوح» للأويغور الصينيين الجدد. «احتلّوا البيوت الخالية من سكّانها» يقول المصدر، ويضيف «لم تنفع محاولات من تبقّى من السكان في منع ما حصل. قوبلوا أوّل الأمر بعبارات من طراز: قدمنا لحمايتكم، ورغم أن هذه العبارات لم تقابل بالترحاب لكنّهم واصلوا احتلال القرية». وفيما يحرص التركستان على عدم الاحتكاك بالسكان، يتولّى مقاتلو «جند الأقصى» هذه المهمّة. «لا طاقة لمن تبقّى من السكان على مواجهة هؤلاء وإن فكّروا في الأمر. النتيجة شبه المؤكدة هي تدمير ما تبقّى من القرية حين تندلع المعركة وتعود الطائرات إلى سمائنا»، يضيف.