ربما صحّ وصف المتحدث باسم قوات المجلس الوطني الانتقالي الليبي بأن اعتقال سيف الإسلام القذافي، النجل الثاني للزعيم الراحل معمر القذافي، هو «نهاية الفصل الأخير في الدراما الليبية». لقد أصبح الرجل الإصلاحي الذي تحول الى إحدى أدوات القمع الرئيسية للمعارضة لحكم والده، أسيراً الآن على متن طائرة نقل عتيقة تابعة للقوات الجوية الليبية قرب أوباري في عمق الصحراء، على حد وصف مراسلة وكالة «رويترز» ماري لويز جاماكيان.
«الفصل الأخير من الدراما الليبية» ظهر في ظلام ليل الصحراء، عندما اعترضت وحدة صغيرة من المقاتلين من بلدة الزنتان (وهي أحد معاقل المعارضين للقذافي في الجبال الغربية)، بناءً على معلومات سرية، سيف الإسلام وأربعة من رفاقه المسلحين أثناء انطلاقهم في سيارتي دفع رباعي في أحد دروب الصحراء.
وانتهى الأمر بعد رحلة جوية طولها 300 ميل شمالاً في طائرة شحن «أنتونوف»، باحتجاز سيف الإسلام، البالغ من العمر 39 عاماً في منزل آمن في الزنتان، حيث تعهد سكان البلدة بعدم إيذائه حتى محاكمته في العاصمة طرابلس.
أما الصحافية جاماكيان، التي رافقت سيف الإسلام في رحلة الاعتقال في الطائرة، فقد وصفت المشاهد الأولى لنجل الزعيم الليبي، الذي طالما توعّد الثوار وحلف شمالي الأطلسي بالقتال حتى النهاية، قائلة: «لم يكن يرتدي السترة السوداء الأنيقة وسروال الجينز، ولا ملابس القتال ذات اللون الكاكي التي كان يرتديها في آخر ظهور تلفزيوني له في طرابلس، فيما تحولت اللحية القصيرة الى لحية سوداء كثيفة عقب فراره على مدى أشهر. وكان يرتدي زياً شبيهاً بأزياء الطوارق».
أحمد عمار، هو واحد من 15 مقاتلاً تابعين لكتيبة خالد بن الوليد من الزنتان ألقوا القبض على سيف الإسلام، قال إن وحدته تجوب الصحراء منذ أسابيع بعدما وصلتها معلومة سرية بأن مجموعة صغيرة من الموالين للقذافي، ستتجه على طريق معين نحو أوباري في سيارتين، قال «أطلقنا النيران في الهواء وعلى الأرض أمامهم. أوقفوا السيارتين ربما ليظهروا أنهم ليسوا خائفين».
تقدم قائد المقاتلين عادل علي أحمد، نحو الرجل الذي بدا أنه الراكب الرئيسي ضمن المجموعة وسأله «من أنت»، فجاءت الإجابة «عبد السلام». لكن أحمد بدأ يتعرف إلى الرجل فانفرد بعمار، وهمس له قائلاً «أعتقد أنه سيف». فعادا الى السيارة وقال عمار «أعرف من تكون. أعرفك». أضاف عمار «لم يقل أي شيء. كان خائفاً جداً، ثم سأل في نهاية المطاف الى أين ننتمي، فقلنا له كلنا ليبيون».
لكن عمار عاد ليقول إنه «لا بد من الاعتراف بأن سيف الإسلام فاجأنا بهدوئه وشجاعته»، مؤكداً أنه لم يكن في حوزته ورجاله سوى أسلحة خفيفة «كلاشنيكوف وبنادق رشاشة خفيفة وبعض القنابل اليدوية».
أما قائد فوج الزنتان العجمي العتيري، فقد أعلن أن «سيف الإسلام اعتقل في الساعة 1,30 ليل الجمعة السبت» في منطقة وادي الآجال (جنوب غرب ليبيا)، مضيفاً «طلب منا أن نطلق عليه رصاصة في الرأس وأن ننقله الى الزنتان» (170 كيلومتراً جنوبي غربي طرابلس). ونقلت «قناة الزنتان» عن مصادر «موثوقة» أن سيف الإسلام عرض مبلغ ملياري دولار على العتيري كرشوة لإطلاقه.
في الزنتان، ظهر النجل الثاني للعقيد القذافي متكئاً على أريكة ويده اليمنى مضمدة. ونقلت محطة «ليبيا تي في» عن المقاتل عبد الله الزنتاني، أنه شهد شخصياً «قطع أصابع سيف الإسلام» بأيدي الثوار، رداً على تهديده لهم مراراً، مشيراً بإصبعه خلال خطاباته التي وجّهها للمعارضة بعد انتفاضة 17 شباط.
لكن سيف الإسلام تحدث لوكالة «رويترز»، قائلاً إن «القوات الجوية التابعة لحلف شمالي الأطلسي هي التي قطعت أصابعه أثناء فراره من بني وليد (160 كيلومتراً تقريباً جنوبي العاصمة).
الأصابع الغربية كانت واضحة في هذه العملية من خلال ما كشفته صحيفة «ديلي ستار صندي» بأن جواسيس من جهاز الأمن الخارجي البريطاني (إم آي 6)، بالاشتراك مع عملاء فرنسيين، ساعدوا باعتقاله في إطار عملية تنصت كلّفت 25 مليون جنيه استرليني.
كذلك اعتقلت السلطات الليبية رئيس جهاز استخبارات القذافي عبد الله السنوسي، أمس، «في منطقة القيرة في جنوب البلاد»، حسبما أعلن أحد أعضاء مجلس ثوار طرابلس، فيما اعتقلت نجله السبت أيضاً في منطقة أوباري في بيت مهجور برفقة مجموعة من أعوانه.
وفور اعتقال سيف الإسلام، توالت المواقف المحلية والدولية، حيث أعلن رئيس الحكومة الانتقالية الليبية عبد الرحيم الكيب، الذي توجه الى الزنتان السبت، أن نجل القذافي سيحظى بـ«محاكمة عادلة وبالحقوق التي يرعاها القانون، وهي الحقوق التي حرم منها شعبنا طيلة أربعة عقود»، مع الإشارة الى أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرات توقيف بحق العقيد القذافي وسيف الإسلام ورئيس الاستخبارات بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
إلا أنه في وقت لاحق أمس، أكد نائب رئيس المجلس الانتقالي، عبد الحفيظ غوقة، أنه قد «اتخذ قرار بمحاكمته أمام المحاكم الليبية، مشيراً الى أن «هذه مسألة سيادة وطنية»، وأن سيف الإسلام يحظى بـ«الحماية اللازمة».
وكان وزير العدل وحقوق الإنسان في المجلس الانتقالي، محمد العلاقي، قد أشار الى أن السلطات الليبية تريد محاكمته في ليبيا «لأن القضاء الليبي هو الأصيل، والقضاء الدولي هو الاستثناء».
من جانبه، قال المتحدث باسم المحكمة الجنائية الدولية، فادي العبد الله، إن «السلطات الليبية ملزمة بالتعاون مع المحكمة، بما في ذلك في ما يتعلق باعتقال وتسليم سيف الإسلام الى المحكمة»، لكنه لم يستبعد إمكان محاكمته في ليبيا.
من ناحيتها، ذكرت فلورانس أولارا، المتحدثة باسم مكتب مدعي المحكمة، لويس مورينو أوكامبو، أن الأخير «سيتوجه الى ليبيا الأسبوع المقبل في إطار جهود التعاون مع السلطات الليبية».
إلا أن سيف الإسلام القذافي تحدث الى عسكريين على متن الطائرة المتجهة إلى الزنتان، في حديث بثته «رويترز»، نفى فيه أن يكون قد أجرى اتصالات بالمحكمة الجنائية الدولية، التي كرر رفضه الاعتراف بها.
في هذه الأثناء، تتالت النداءات على الصعيد الدولي من كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعلى رأسه فرنسا وبريطانيا، الى تعاون السلطات الليبية مع المحكمة الجنائية الدولية وإلى «محاكمة عادلة».
من جهة ثانية، أدى اعتقال نجل القذافي الى تأخير إعلان الحكومة الليبية الجديدة، أمس، فيما توقعت المصادر السياسية أن يعلن الكيب تأليف الحكومة اليوم.
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، يو بي آي)