أعادت صفقة الأسرى الأخيرة بين إسرائيل و«حماس»، جملة قضايا حساسة إلى دائرة الضوء في إسرائيل، كان أهمها اللغط الذي دار في إسرائيل حول كيفية تصرف جنود الجيش الإسرائيلي في حال تعرض أحد الجنود لعملية أسر من قبل فصائل المقاومة، والسؤال الذي اثاره البعض في إسرائيل حول أيهما الأفضل بالنسبة إلى إسرائيل: جندي أسير أم جندي قتيل. ورغم أن ثمة إجراءً في الجيش الإسرائيلي يحدد قواعد وسُبل التعامل مع حالات الأسر التي قد يتعرض لها جنود إسرائيليون، ويحمل اسم «هنيبعل»، فإن التباين في ترجمة هذا الإجراء إلى خطوات عملية، والذي ظهر جلياً من خلال التناقض الذي برز في التوجيهات والتعليمات التي أعطاها الضباط الإسرائيليون إلى جنودهم، أثار العديد من علامات الاستفهام، وحوّل «هنيبعل» إلى معضلة يواجهها الجنود والقادة العسكريون، بدل أن يكون حلاً وخريطة طريق تتيح لهم الخروج من مأزق الأسر، وبالتالي تجنيب المستويين السياسي والعسكري على حد سواء حرج هذه المعضلة، ولا سيما النقاش الجماهيري العاصف بشأن الثمن العالي الذي تُطالب اسرائيل بدفعه كي تعيد جندياً أسيراً.
ويبدو، بحسب تقارير إعلامية إسرائيلية، أنه بعد النقاش المغلق الذي أجراه رئيس الاركان بيني غانتس، والذي عقده قبل بضعة أسابيع حول هذه القضية، لا يزال هناك عدم وضوح بين القادة الكبار في الجيش الإسرائيلي حول السؤال الآتي: هل يجب منع وقوع جندي إسرائيلي في الأسر بكل ثمن، أم أن قتل الجندي مع خاطفيه هو خط أحمر محظور تخطيه؟
ونظراً لحساسية الموضوع، تشير صحيفة «معاريف» إلى أنه في الشهر الماضي أصبح التعاطي مع أسر جندي مسألة تثير اهتماماً شديداً في الجيش الاسرائيلي. وأضافت أن الموضوع يثير أسئلة لا تتوقف من جانب الجنود المشوشين، الذين يتساءلون كيف ينبغي العمل في «إجراء هنيبعل». وتتناول الاسئلة موضوعاً رئيساً واحداً: هل يجب منع الأسر بكل ثمن، لدرجة اطلاق النار على الجندي الذي يتعرض للأسر، أم ينبغي عدم اطلاق النار نحو الجندي وبالتالي زيادة الاحتمال بالاختطاف؟
بقاء هذا السؤال على طاولة البحث واصدار ضباط مختلفين أوامر متباينة للجنود يعني أنه رغم الايضاحات التي أعطاها غانتس، بقي الغموض حول الامر واضحاً أيضاً في المستويات العسكرية التي يفترض بها أن تصدر الاوامر في الميدان.
وفي هذا السياق، ذكرت «معاريف» أن ضابطاً كبيراً ومسؤولاً عن منطقة مهمة قال أخيراً إن الامر الذي أصدره لجنوده هو انه يجب منع الأسر بكل الاحوال، حتى بثمن المس بالجندي المخطوف. وحسب الضابط، على الجنود أن يعملوا على مستويات مختلفة في حالة اختطاف؛ أولاً، عليهم أن يطلقوا النار على غطاء محرك السيارة التي يوجد فيها الخاطفون والجندي المخطوف. اذا لم ينجح وقف السيارة، يجب اطلاق نار دبابات نحو مركز السيارة التي يجلس فيها الجندي والخاطفون، حتى لو كان المعنى هو أن يصاب الجندي فيقتل.
ويشرح الضابط المذكور كلامه بالقول «نحن لا نقول للجنود اقتلوا الجندي المخطوف بل اقتلوا المخربين». وأضاف «الامر هو منع الاختطاف بكل الاحوال. نقطة». ومع ذلك، واضح للضابط، بحسب «معاريف»، أن الجنود سيجدون صعوبة في أن يطلقوا قذيفة دبابة نحو مركز السيارة. ولهذا فهو يفترض بأنه اذا كان في الميدان ضباط، فهم بالفعل سينفذون الأمر بكامله بل وربما يُبكّرون المرحلة النهائية فيطلقون النار قبل ذلك على مركز السيارة.
على خلفية هذه الاقوال التي لا لبس فيها، يبرز موقف ضابط رفيع المستوى آخر، يدعي بأنه مع أن الجيش يأخذ بالحسبان أنه في اطار احباط الاختطاف، فإن جندياً كفيل بأن يصاب، لكن في اطار «إجراء هنيبعل» لا توجد تعليمات بمنع الاختطاف بكل ثمن. ويضيف «اذا لم تكن هناك امكانية لعملية اطلاق نار نحو الخاطفين، فلن ينفذ اطلاق نار على الاطلاق».
وتنقل «معاريف» عن الضابط أنه على خلفية صفقة شاليط والنقاش المتجدد في مسألة اختطاف الجنود، طرحت بالفعل أسئلة عديدة من جانب الجنود والقادة. وعلى حد قوله، في كل الاحوال من السليم النقاش بين الحين والآخر في الموضوع، حتى دون صلة بحدث معين، وذلك لتأكيد الانظمة وفحص مدى ملاءمة الاعمال المتوقعة من الجنود في القواطع المختلفة التي يعمل الجيش الاسرائيلي فيها. وحسب الضابط فإنه في هذه الايام يصار إلى تحديث النظام في القطاعات القتالية المختلفة ـــــ وفقاً لطبيعة المنطقة، نقاط الضعف والوسائل التكنولوجية القائمة في كل قاطع.