القاهرة | يبدو أن «جمعة المطلب الواحد» لم تكن كذلك تماماً في القاهرة، وفي عدد من المدن المصرية الأخرى أمس؛ فقد تقاطعت المطالب، لكنّ الإسلاميين بطوائفهم المختلفة كان هدفهم واضحاً: إلغاء «وثيقة السلّمي» التي يتبناها المجلس العسكري الحاكم، والتي تصادر حق مجلسي الشعب والشورى في إنشاء جمعية تأسيسية تضع الدستور الجديد للبلاد، وتتيح للمجلس حصانة من رقابة البرلمان على ميزانية الجيش. أما الليبراليون واليساريون، فكان هدفهم أوسع: تسليم العسكر للسلطة. تتقاطع المطالب عند رفض الوثيقة، لكنها تنتهي بالنسبة إلى الإسلاميين عند الوثيقة، وهذا ما جعلهم يغادرون ميدان التحرير بعد لحظات من مسند خبر منسوب إلى رئيس الوزراء عصام شرف يقرر فيه تأجيل النظر في «وثيقة السلمي» إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية. خبر آخر تسرب، لكن بدون إسناد إلى مصدر رسمي، أو جهة في إدارة الدولة، بل جاء على لسان «مصدر مطلع»، يؤكد أن المجلس العسكري سيسلم السلطة للمدنيين في عام ٢٠١٢. غير أن مصدراً عسكرياً مصرياً نفى في وقت لاحق أن يكون المجلس العسكري سيسلّم السلطة لإدارة مدنية مع نهاية عام 2012. ونقل الموقع الإلكتروني لصحيفة «الأهرام» المصرية عن المصدر، الذي لم تفصح عن اسمه، قوله «إن المجلس ملتزم بتنفيذ ما جاء في الإعلان الدستوري من خطوات تنفيذية لتدعيم السلطة التنفيذية في البلاد، ممثلة في انتخابات مجلسي الشعب والشورى، ثم إجراء استفتاء على دستور جديد للبلاد، ومن بعده الانتخابات الرئاسية بانتخاب رئيس مدني تسلم إليه سلطة إدارة البلاد».
أما الحكومة، فقد ردّت بتكذيب خبر إرجاء الوثيقة. ورداً على ما أوردته بعض وسائل الإعلام بشأن إرجاء وثيقة المبادئ والمعايير لما بعد الانتخابات البرلمانية، أكد السفير محمد حجازي، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، أن المشاورات بشأن الصيغة التوافقية التي نوقشت مع بعض الأحزاب والقوى السياسية مستمرة.
وأكد السفير حجازي أن اللجنة السياسية في مجلس الوزراء ستواصل، اعتباراً من الأسبوع المقبل، مشاوراتها مع باقي الأحزاب والقوى السياسية حتى يجري التوصل إلى صيغة نهائية تعكس التوافق الوطني على وثيقة المبادئ والمعايير. هل هي خدعة لإخلاء الميدان؟ أم ارتباك في أوساط المجلس العسكري والحكومة بشأن التعامل مع المليونية، التي عادت فيها حشود الإخوان المسلمين والسلفيين للمرة الأولى بعد «جمعة قندهار»، التي احتلت فيها الحشود السلفية الميدان، ولم تسمح إلا برفع شعاراتها؟
الإسلاميون غابوا عن «الجُمَع» التالية، التي كان معظمها موجهاً ضد سياسات المجلس العسكري، لكن هذه المرة أحزاب ليبرالية ويسارية هي التي غابت، ورفضت المشاركة في محاولات الإخوان المسلمين الضغط على المجلس لإلغاء المبادئ الدستورية المعطلة، لمحاولتهم السيطرة على الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور. الحشود الضخمة تحركت بألوانها المتعددة في الأعلام المميزة لكل تنظيم، لكن المستفز كان علم السعودية، الذي رفعته تيارات سلفية بجوار علم الغزوات الكبرى. وقد أصدرت أكثر من 38 حركة وحزباً بياناً مشتركاً وُزع على المتظاهرين في ميدان التحرير، طالبوا فيه بتسليم السلطة في البلاد لبرلمان ورئيس مدني منتخبين في موعد أقصاه أيار المقبل.
وأكد البيان رفض القوى المشاركة في فعاليات «جمعة تسليم السلطة»، لـ «وثيقة السلمي»، وعدّوها محاولة لـ «إعادة إنتاج النظام القديم»، و«انقلاباً على الثورة ومبادئ الديموقراطية». وحدد البيان الذي وقّعه كل من جماعة الإخوان المسلمين، والعديد من الأحزاب السلفية، إضافة إلى أحزاب العدل، والوسط، وحركة 6 أبريل، والعديد من ائتلافات الثورة، تاريخ أيار 2012 موعداً أقصى لتسليم البلاد لسلطة مدنية، كما دعي المتظاهرون إلى الاعتصام في الميدان بعد انتهاء فعاليات اليوم، وشوهدت بعض الخيام التي نصبت في وسط الميدان، بينما غادرت قوى سياسية، في مقدمتها الإخوان الملسملون والسلفيون و٦ أبريل الميدان قبل الثامنة مساء.
وقال خطيب الجمعة في ميدان التحرير مظهر شاهين «لن نغادر ميدان التحرير حتى تتحقق مطالب الثورة، وعلى رأسها تسليم السلطة لحكومة مدنية». وأضاف «هؤلاء الذين يحكموننا الآن واهمون ومخطئون لأنهم يعتقدون أننا نسينا ثورتنا وقضيتنا ودم الشهداء الذي سال على أرض مصر، ونرفض أن يفرض أحد وصايته على هذا الشعب... نرفض وثيقة (نائب رئيس الوزراء للتنمية السياسية والتحول الديموقراطي) الدكتور علي السلمي»، التي تتضمن المبادئ الدستورية المُقترحة على القوى السياسية.