رفض الأسير الفلسطيني محمد علان، عرض النيابة العامة الإسرائيلية الإفراج عنه مطلع تشرين الثاني المقبل، مطالباً بالإفراج الفوري عنه، وأكد أنه لا يقبل أي عرض لا يتضمن تحريره فوراً. أتى هذا الموقف «الصلب» بعدما قدَّمت النيابة العامة عرضاً أوضحت فيه أنه «إن كان وضعه الصحي خطيراً للغاية، ما سيؤثر في عودته إلى الحياة الطبيعية وفي جسده مستقبلاً، فسيجري تحريره من الفور وإلغاء أمر اعتقاله الإداري».
وفي ختام جلسة عقدتها «المحكمة الإسرائيلية العليا»، يوم أمس، أعلن قضاة المحكمة أنهم سيرسلون قرارهم إلى محامي علان والنيابة العامة في وقت لاحق، وتبع ذلك الحديث عن أن القضاة قرروا إبقاء علان في المستشفى مع تجميد قرار الاعتقال الإداري، فيما قال مدير مستشفى «برزيلاي» في عسقلان، الدكتور حيزي ليفي، أن علان المضرب عن الطعام منذ 65 يوماً يعاني من ضرر في الدماغ. وأضاف ليفي أن الأسير «بدأ يفقد الاتصال الإدراكي مع محيطه، الأمر الذي يشير إلى وجود مشكلة في دماغه، لكن باقي أعضائه مستقرة تقريباً».
عموماً، وسط هذه المعطيات، يكشف الأداء الإسرائيلي مع المضربين عن الطعام بالإطار العام، ومع محمد علان خاصة، عن أن إسرائيل تحاول المناورة بين حدين: الأول ألّا تضطر إلى تحرير أحد تحت ضغط الإضراب، والثاني أن تحاول ألا يؤدي إضرابه إلى الموت. ويعود منشأ المناورة الإسرائيلية إلى إدراك المسؤولين في تل أبيب، أن لكلا السيناريوين تبعاته وتداعياته السلبية.

يدرس الإسرائيلي
كيف تؤدي حادثة صغيرة إلى التدهور

على هذه الخلفية، شُرِّع قانون الإطعام القسري للمضربين، في محاولة لقطع الطريق على كل من السيناريوين. وفي ضوء ذلك، حاولت المؤسسة الأمنية اجتراح ما اعتبرته «حلاً وسطاً» عبر تقديم اقتراح بتحريره، ولكن في تشرين الثاني المقبل، مع أن ذلك جاء بعد تدهور حالة علان الصحية وهو بات على حافة الموت، وأيضاً في أعقاب قرار «المحكمة العليا» التي طالبت النيابة العامة بالإجابة عن الأسئلة التي طرحها الدفاع عن المعتقل الإداري.
كذلك لم يتبلور هذا الاقتراح إلا بعد مشاورات أجرتها الأجهزة الأمنية، وفي مقدمتها «الشاباك» والجيش، مع أخذ رأي رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن موشيه يعلون، وهو ما يعكس الأبعاد السياسية والأمنية التي فرضها إضراب علان، ويكشف في السياق مدى القلق الذي يفرض نفسه على هذه الأجهزة من انفجار شعبي واسع في الضفة المحتلة، لذلك يكون علان قد تمكن من وضع إسرائيل، وأجهزتها الأمنية والقضائية، بين المطرقة والسندان، بعدما أثبت أنه مصمم على خيار من اثنين: إما الحرية، وإما الموت.
وبرغم سياسة القتل المتواصل التي اعتمدتها إسرائيل ولا تزال تواصلها بحق الفلسطينيين، وتحديداً في غزة، فإن للأسرى مكانة استثنائية في الوجدان الشعبي الفلسطيني، لهذا تتخوف الأجهزة الأمنية من أن يؤدي موت المضرب إلى نشوب انفجار شعبي في الضفة، وصولاً إلى إمكانية خروج الأمر عن سيطرة السلطة.
على الأقل، هذا ما تقوله بعض التقارير الإعلامية، وفي النتيجة أفادت التقارير نفسها بأنهم في قيادة المنطقة الوسطى و«الشاباك» أكثروا في المدة الأخيرة من التداول في سيناريوات كيف يمكن أن تؤدي حادثة صغيرة إلى التدهور، وصولاً إلى تصعيد شامل. ويعود ذلك إلى تقدير إسرائيلي بأنّ الوضع في الضفة «قابل جداً للانفجار»، وهو ما لا يمكن فصله عن تعثر العملية السياسية وتراكم المجازر التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل.
ومن أبرز المؤشرات على اتساع نطاق السخط الفلسطيني وبلوغه مرحلة تقلق صانع القرار الأمني في تل أبيب، تكاثر عمليات الطعن أخيراً، بعد موجات الطعن السابقة في الأشهرة الماضية. ضمن الإطار نفسه، يأتي ما أعلنه رئيس المعارضة، يتسحاق هرتسوغ، الذي قال إن هدف زيارته للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، هو العمل على منع اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن هرتسوغ القول إنه أدار حديثاً مع عباس حول عمليات طعن نفذها فلسطينيون ضد جنود الاحتلال أخيراً.
من جهة أخرى، يخشى الإسرائيلي من أن يؤدي استشهاد علان، بفعل الإضراب عن الطعام، إلى ترك أصداء دولية، خاصة أن القضية تدور حول معتقل إداري لا يوجد أي مبرر لاعتقاله. ويأتي ذلك في الوقت الذي تواجه فيه إسرائيل ظاهرة «نزع الشرعية» التي تعمل عليها جمعيات ومؤسسات دولية، كذلك ليس من مصلحة الإسرائيلي أن تأخذ هذه القضية أصداءً إعلامية وسياسية في الوسط الدولي والأوروبي، في الوقت الذي تحرص فيه المؤسسة السياسية على حصر الاهتمام في مواجهة الاتفاق النووي مع إيران.
في المقلب الآخر، يدرك الإسرائيلي أن تجاوبه مع مطلب تحرير علان، سيعزز دوافع الأسرى الآخرين لانتهاج المسار نفسه، خاصة أن هناك نحو 340 معتقلاً إدارياً ــ على الأقل ــ تحتجزهم إسرائيل دون محاكمة، وتجدد الأجهزة الأمنية احتجازهم في أعقاب مضي كل ستة أشهر. مع ذلك، ينبغي القول إن إسرائيل ثبَّتت سابقة بأنها لا تتجاوب مع الإضراب المفتوح لأيّ معتقل إداري، إلا بعد وصوله إلى حافة الموت الحقيقي، وأنها تحاول أن تستنفد كل الوسائل قبل الوصول إلى اتخاذ قرار حاسم.
في المقابل، استطاع أسير فلسطيني أن يخوض مع أجهزة العدو معركة إرادات، أسقط خلالها كل الرهانات على إمكانية تراجعه أو ضعفه، واستمد فيها قوته من عزمه النهائي على نيل أحد أمرين: الحرية أو الاستشهاد.