الكويت | مع انتقال الصدام بين الحكومة الكويتية والمعارضة إلى الشارع واقتحام المتظاهرين المطالبين باستقالة رئيس الحكومة ناصر المحمد الصباح، مقرّ مجلس الأمة مساء أول من أمس، تتجه الامارة الخليجية إلى مزيد من التأزيم، بعد إعلان مجلس الوزراء برئاسة الأمير صباح الأحمد الصباح، في أعقاب اجتماع استثنائي أمس، بدء ملاحقة النواب والمتظاهرين الذين اقتحموا المجلس، لكن ذلك لم يُثن من عزيمة النواب الذين قادوا التظاهرات، اذ أكّدوا مضيهم في معركة إسقاط رئيس الحكومة وحلّ البرلمان.وكلّف مجلس الوزراء، الذي ترأسه الأمير وحضره ولي العهد نواف الأحمد الصباح ورئيس البرلمان جاسم محمد الخرافي، وزارة الداخلية والجهات الأخرى المعنية بـ«مباشرة الإجراءات القانونية المناسبة إزاء جميع الممارسات المخالفة للقانون» في أحداث الليلة، التي سقط خلالها عدد من الجرحى بين صفوف رجال الأمن والمتظاهرين.
وقال الأمير إن «اعتماد النهج الفوضوي وتعريض أمن البلاد للخطر وكذلك استهداف بيت الأمة على هذا النحو غير المسؤول وانتهاك حرمته، هو مساس بالثوابت الكويتية وخطوة غير مسبوقة على طريق الفوضى والانفلات تمثّل تهديداً للأمن والاستقرار وللنظام العام في البلاد، ولا مجال للقبول به أو التراخي إزاءه بأي حال من الأحوال».
في المقابل، أصرّ نواب المعارضة على المضي في تحركهم، إذ هدد النائب مسَلّم البراك بالتصعيد قائلاً «بالأمس كانت خطوة وغداً خطوات، وننتظر حلّ المجلس وإقالة الحكومة»، فيما حذّر النائب الإسلامي وليد الطبطبائي مما سماه «النفخ بالنار»، مشيراً إلى أن «المطلوب استقالة الحكومة أو صعود الرئيس المنصة»، في إشارة إلى استجواب كان مقدّماً لرئيس الحكومة، وهو ابن أخ الأمير الحالي.
وكان الاستجواب الذي تمحور حول خطة التنمية وتعويضات بيئية وشركة «زين» للاتصالات ومخالفات بناء، قد أُسقط بعد إصدار المحكمة الدستورية حكماً اختلفت على تفسيره الحكومة والمعارضة، ثم جرى التصويت في البرلمان على طلب لسحبه، فنال 38 صوتاً، بعدما امتنع 26 نائباً عن التصويت لاعتبار الأمر «عبثاً بالدستور»، علماً أن الوزراء الـ16 يُدّعون أعضاء في مجلس الأمة ويحق لهم التصويت إلى جانب النواب الـ50.
وكان مئات الكويتيين قد تجمّعوا في «ساحة الإرادة» وسط الكويت العاصمة، تحت شعار «أربعاء الشرعية الدستورية»، احتجاجاً على إسقاط استجواب المعارضة في البرلمان، ثم تحرّكوا في مشهد غير مألوف في البلاد، إلى منزل رئيس الوزراء الموجود في السلطة منذ العام 2006، والذي طاولته العديد من فضائح الفساد كان آخرها كشف موضوع دفع مئات ملايين الدولارات، إلى بعض النواب، في ما عُرف إعلامياً بقضية «القبيضة».
وبعدما اعترضتهم القوات الخاصة وضربتهم بالهراوات، تصاعدت الدعوات بين المتظاهرين إلى التوجه إلى مقرّ البرلمان، حيث اقتحموه بالقوة، ودخلوا «قاعة عبدالله السالم» الرئيسية وعبثوا بمحتوياتها، مطلقين هتافات تطالب باستقالة رئيسي الحكومة والبرلمان، قبل أن يعودوا مجدداً إلى «ساحة الإرادة»، حيث بقوا حتى حوالي الساعة الثانية صباحاً.
وقد انقسم الشعب الكويتي، كما الصحافة الكويتية، بين مؤيد ومعارض لاقتحام المتظاهرين لمجلس الأمة، وعدّه البعض مُبرّراً بسبب استفحال الفساد في أركان الدولة، بينما رأوه آخرون إهانة لبيت الشعب وتجاوزاً للخطوط الحمر، علماً أن بعض المراقبين يرجعون الأزمة التي تمرّ بها البلاد إلى خلافات داخل الأسرة الحاكمة.
وتجدر الاشارة الى أن الكويت شهدت توتراً متصاعداً في الفترة الأخيرة، بعد الكشف عن فضيحة حصول نحو 15 نائباً على رشى حُولت إلى حساباتهم من قبل رئيس الحكومة، وبلغت نحو 350 مليون دولار.
وتُهيمن الحكومة والبرلمان على المشهد السياسي في الكويت، مع عدم وجود أحزاب، واقتصار الحراك السياسي على قوى تدور بشكل أو بآخر في فلك بعض النواب أو تتبع رئيس الحكومة. كذلك ليس في البلاد فصل واضح بين الحكومة والمعارضة، إذ قد تتبدل التحالفات بحسب القضايا التي تمحورت في الفترة الأخيرة حول الفساد المالي والإداري، فضلاً عن طلبات زيادة الرواتب المتنقلة بين قطاعات الدولة التي يشكل النفط أكثر من 90 في المئة من إيراداتها، والتي أدت إلى تحذير حكومي من التدهور الوضع المالي للدولة.
وأدت الخلافات الدائمة بين بعض النواب والحكومة منذ تولي ناصر المحمد رئاستها في 2006، إلى حلّ البرلمان ثلاث مرات بينما استقالت الحكومة ست مرات، وأُعيد بعد كل مرة منها تكليف المحمد بتشكيلها. وحالت هذه الخلافات دون تنفيذ الكثير من مشاريع التنمية التي تحتاج إليها البلاد.



ناصر المحمد والاستجوابات

يتولى الشيخ ناصر المحمد الأحمد الجابر الصباح (71 عاماً) رئاسة الوزراء منذ 7 شباط 2006. وهو الابن الثاني لأول وزير دفاع في الكويت، الشيخ محمد الأحمد الجابر الصباح، شقيق أمير الكويت، من زوجته نسيمة النقيب من أشراف البصرة.
له مسيرة طويلة في السلك الدبلوماسي حيث تنقل بين منصب وآخر في غضون أشهر. وما بين 1975و 1979 كان عميداً للسلك الدبلوماسي في إيران. أما أولى المناصب الحكومية فكانت وزارة الإعلام ثم وزارات الشؤون الاجتماعية والعمل والشؤون الخارجية في 1990 إبان الغزو العراقي للكويت، وقد أشرف خلال أشهر الغزو على الإعلام الكويتي.
أما حكايته مع رئاسة الوزراء، فبدأت في 2006 . وبعد 3 أشهر من تكليفه، قدّم 3 نواب استجواباً، ليكون أول رئيس وزراء في الكويت يُقدّم إليه استجواب، لكن لم يناقش بسبب حل المجلس. وبعد الانتخابات أُعيد تعيينه، ثم أُعيد تكليفه في 2007، وبسبب الخلافات مع مجلس الأمة حُل المجلس وأجريت انتخابات. وبعدها أعيد تكليفة، ليقُدم بعدها استجواب للحكومة بسبب دخول رجل دين إيراني إلى الكويت، واسمه موجود على قوائم المنع، علماً أن ناصر متهم من المتطرّفين السُنة بمحاباة إيران، وقد أدى هذا الاستجواب إلى استقاله الحكومة، ثم أعيد تكليفه، لكن حكومته لم تعمر، اذ قُدّمت 3 استجوابات دفعة واحدة، ما دفع الأمير الى حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات.
وبعد الانتخابات، أُعيد تكليفه ليشكل سادس حكومة له. وفي تشرين الثاني 2009، تقدّم النائب فيصل المسلم بطلب لاستجوابه، وكان أول رئيس وزراء يُستجوب. وفي آذار الماضي، قدّمت حكومته السادسة استقالتها إثر تقديم استجوابات، قبل أن يُعاد تكليفه بتأليف الحكومة السابعة.