يلعن أبو هاديك الايام


قاسم س. قاسم
هادي القصة من ايام ما تركنا كل اشي ورانا. يعني من يوم ما تركنا بيوتنا وقلنا انو ايش؟ احنا راجعين. كنا مفكرين يا خيّا أكم يوم ومنرجع. بس احنا ما عرفناش ايش مخططين هدول اليهود.

كنا قاعدين ببيوتنا، والولاد عمال يلعبوا برا. جوزي لسا ما رجعش من البيّارة. كان موسم قطاف الليمون، وبتعرف ليمونات بلادنا خيا. سمعنا صوت بعيد. ايش هاظ؟ ما عرفناش، وبتعرف خيا ايامنا ما كانت زي هادي الايام. واحنا فلاحين جماعة معتّرين ما عناش لا تلفزيون ولا اشي. اجا جوزي من الشغل عمال ينده عليي وعلى الولاد. كان عنا هادا الصغير مقصوف العمر، ما يهديلناش بال، ركض قال بدو يشوف ايش في.
وانا عمال احطلوا ليوكل، سمعنا صوت تاني، هادا كان اقرب لالنا. اجا جوزي اخد البارودة اللي كان مشتريها ليقتل الدياب. حط العقال، وركض هوي والرجال على نص ساحة الضيعة. احنا النسوان قعدنا نجمع الولاد وقعدنا بنص الدار. بتعرف خيا ايامنا هاديك غير ايامكو هادي. كانت بيوتنا كلها ارضي، وكانت الدار دار العيلة.
اسا لنرجع لقصتنا: يلعن أبو هاديك الايام بس يلا، كرمالك يا خيا عمّال اتذكر اشيا بتزعلني. اجا ابني الزغير مرعوب: «يما، يما، في ناس اول مرة بشوفهن، حاملين سلاح جديد بيلمع لمع، وايش يما؟ شعرهن اصفر وعيونهن خضر وبيحكوا لغة غريبة عجيبة». رديت عليه: «طيب تعال، اسا منشوف ابوك وعمامك وخوالك ايش رح يعملوا. اكيد صاروا راجعين يما».
فتنا ع بيتنا وصارت الدني ليل، وعلى ايامنا خيا كان في دياب. بس هاليلة ماكناش عمّال نسمع صوتهم. بس صوت ضرب، ورصاص، وصراخ. كنا نقول بينا وبين حالنا: ولله هدول رجالنا وحوش. ما كناش عارفين ايش عمال يصير. اجا الليل وراح الليل، وجوزي لسا ما رجعش.
طلع الضو علينا، واحنا ما نمناش. اخذت ابني وروّحت انا وياه ندور على ابوه واخوي كمان. ما لقيتش الا نسوان الضيعة كلها كمان ضاهرة متلي. ايش في؟ ما لقيناش الا جنود واقفين حد رجالنا الميتة على الارض! واحد منهم كان عمال يبحبش بجياب جوزي الميت. ماهنش على الصبي يشوف هاد الجندي عمال يعمل هيك بأبوه. ركض عليه وكان ما بيطلعش طول ركبة الجندي. قعد يدفش بالجندي، ويضربه. اجا هاد الجندي، ضرب الصبي بالبارودة على نافوخه، بجلوا ياه (شقه). ركضت عليه، وله يا ابن الحرام، قتلتلي جوزي واسا عمال تضربلي ابني! ما شفت خيا الا هدول الجنود دبوني على الارض وقعدوا يلبطوا فيني، وكان ابني تحتي. ويلي كان اقوم عن ابني ليشم شوية هوا، وويلي احميه من الضرب.
ما لقيتش الا هادا الصبي زمط من تحتي وما شفتوش الا اخد البارودة تاعيت ابوه وقعد يركض. قمت هربت من اليهود وركضت وراه ودمه عمال يشرّ (يسيل) من راسو. وصلت عالبيت، لقيته قاعد عابط بارودة ابوه، وعمال يبكي والدم خيا عمال ينزل على عينيه. ويلي اهدّيه وويلي امسحله دماتو، وويلي ابكي على جوزي، وويلي اندب اخوي. آآآخ يا خيا، يلعن ابو هديك الايام، بس لكملك: قام هادا الصبي مسح دماتو ودمعاتو، وقعد ينظف بارودة ابوه. وله؟ ايش عمال تساوي؟ قللي: «يما اسمعي هني كلمتين: انا بدي احارب». بس يا يما انتا زغير ما بتعرفش! انت يما شغلتك تلعب وتنبسط. قللي: يما اسمعي ايش عمال اقولك انا ما عدتش زغير، اسا ابوي مات و انا صرت رجال البيت، والبيت بدو مين يحميه يما. بيني وبينك خيا، لما قلي هالكلمات ما عرفتش ايش حسيت! يعني انبسطت ابني صار رجال عمرو 13 سنة، وتضايقت خيا. كنت عارفة انو رح يموت.
كل الليل كان الصبي غافي عابط بارودة ابوه. ما لحقت غفيت عيني شوي حتى فقت مرعوبة. دوّرت هيك ما لقيتش الصبي! ايه وله جهاد؟ وينك يما؟ جهاااد. وين البارودة؟ طلعت من البيت ندهت: يا ام احمد، يا ام احمد، شفتي جهاد؟ قالت: شفتو راكض الصبح هوي وابني. رحنا عند ام محمد. يا ام محمد وينوا محمد؟ ردت: والله ضهر من الصبح، كان حامل سكينة ابوه. فجأة لقينا حالنا هالنسوان عمال نركض. صرنا نصرخ: جهاااد، احمد، محمد. شوي ما منسمعش غير صوت رصاص وصراخ: هادي كرمال ابوي، هاد كرمال اخوي. ركضت، ما شفتش غير جهاد واقع على صدره. مسكته هزيته: ولا يما يا جهاد، قوم يمّا، قوم. ما كنش يرد عليي.
فجأة بشوف جندي! بركض عليه وبصرّخ: تفوو عليك يا ابن الحرام. تفوو عليكو. والله يا خيا، ماخلانيش اضل معاهن، قام ولبجني على ظهري. قمت روحت. رجعت على الضيعة، وكانوا اليهود صاروا واصلين، ما لحقتش احمل اشي بايدي، سكرت الباب، حطيت المفتاح بعبي. و طلعنا احنا النسوان وجينا لهين، على لبنان، ولساتني خيا ناطرة ارجع، لاشم ريحة تراب جهاد وابو جهاد.