«الإسلام هو دين عنف بطبيعته»، «كل أميركي مسلم هو قابل للتعاطف مع الإرهابيين»، «كلما ازدادت درجة الإيمان والتقوى عند المسلم كبرت نزعته إلى العنف»... كأن المسؤولين الأميركيين لم يتعلّموا شيئاً من تجاربهم بعد أحداث 11 أيلول. فالعبارات المذكورة أعلاه ليست إلا بعض ما جاء في دروس خاصة نظمها مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) لعملائه المتخصصين في «مكافحة الإرهاب» منذ أشهر. موقع Danger Room «دانجر روم» الإلكتروني سرّب أخيراً عدداً من الوثائق التي درّست لضباط الـ«إف بي آي» التابعين لوحدة مكافحة الإرهاب، خلال حلقات تدريب خضعوا لها في آذار الماضي. وثائق «إف بي آي» تلك تضمّنت رسوماً غرافيكية ومعلومات عن الشريعة، والقوانين الإسلامية، والقرآن، والحديث، والزكاة، والجهاد... والملاحظات المستخلصة من الدروس تصبّ في خانة تصنيف جميع المنتمين إلى الدين الإسلامي «أهدافاً» للعملاء الفدراليين بصفتهم «مشاريع إرهابيين».

وكالعادة لم تميّز مضامين الدروس بين الإيمان والتديّن والتطرّف، وبعض الرسوم التوضيحية كانت أشبه بكاريكاتور نفّذها هواة. أحد تلك الرسوم الغرافيكية يقيس مثلاً نسبة العنف بين الديانات الموحدة الثلاث. وخلاصة الرسم يظهر أن الديانتين اليهودية والمسيحية هما الأقلّ عنفاً لأنهما تطورتا عبر التاريخ لتبتعدا عن الممارسات العنفية لنشر رسالتيهما. أما الإسلام فبقي في أسفل سلّم المقاييس، أي الأعنف بينها.
الملاحظة الأبرز التي ترد في معظم الدروس هي أن المعتقدات والقيم الإسلامية الواردة، والتي يؤمن بها كل مسلم، ليست معتقدات «هامشية» بل هي «في صلب الديانة والإيمان»، أي إن كل مسلم لا بدّ أن يؤمن بالجهاد والزكاة لتمويل الحروب الإسلامية ضد الآخرين، تشرح الوثيقة. لذا فبعض النصائح للعملاء الفدراليين تركّز على مراقبة «التصرفات الدينية» للمواطنين الأميركيين المسلمين.
كاتب المقال على الموقع الإلكتروني، دايفد أكرمان، الذي حصل على نسخة من تلك الوثائق ونشرها، يقول إن معظم ما جاء في الوثائق هو من عمل المحلل في «إف بي آي» ويليام غوثروب. وهذا الأخير اشتهر بكتاباته السطحية والمضللة عن الدين الإسلامي. فهو أعلن سابقاً في مقابلة صحافية أن «عقيدة النبي محمد هي مصدر الإرهاب»، وهو من اقترح خطّة لمكافحة الإرهاب، وذلك «بضرب نقاط الضعف عند المسلمين وانتقاد دينهم لدرجة إقناعهم بالتخلي عنه». غوثروب الذي عمل في وزارة الدفاع سابقاً، انتقل أخيراً إلى مكتب التحقيقات الفدرالي كمحلل استخباري. وفيما رفض المحلل التعليق على ما جاء في الوثائق، حاول المتحدث باسم «إف بي آي» كريستوفر آلن الدفاع عن الوثائق والدورات والدروس التي درّبوا عملاءهم عليها. آلن شرح لأكرمان أنه «جرى وضع ملاحظة تفيد بأن محتوى تلك الوثائق يعبّر عن رأي كاتبها ولا يتوافق بالضرورة مع رؤية الحكومة الأميركية». لكن لماذا يدرّسونها لعملائهم إذاً؟ هذا ما لم يجب عنه مسؤول «إف بي آي».
لكن بعض المتخصصين في مكافحة الإرهاب حذروا ممّا يقوم به مكتب التحقيقات الفدرالي من تعميم فكرة أن «كل مسلم هو مشروع إرهابي». برأيهم ذلك «سيضعف عمل المحققين ويجعلهم ألعوبة بيد تنظيم القاعدة». هؤلاء يرون أن من الأجدى التركيز على مؤشرات العمل الإجرامي، كتكديس السلاح والحسابات المصرفية ومصادر التمويل وغيرها...
من جهته، احتجّ مجلس العلاقات الأميركية ــــ الإسلامية في واشنطن على تلك الوثائق، ووجّه رسالة إلى مدير «إف بي آي»، روبرت مولر، قال فيها إن «التدريب المنحاز سيؤدي إلى تحقيقات منحازة من دون شك». وطالب المجلس مولر بإصلاح نظام التدريب المعتمد.
يذكر أن صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية نشرت في آذار الماضي داتا تحقيقات «إف بي آي»، التي كشفت أنه بين شهر كانون الثاني 2008 وآذار 2009، أجرى المكتب 11667 «تقويماً» لأفراد ومجموعات بتهم الإرهاب. وهذا ما عدّه معظم المراقبين فضيحة بحق المكتب الذي يتّبع سياسات جديدة أرساها الرئيس السابق جورج والكر بوش واستكملها باراك أوباما. الفضيحة الأولى هي بشأن العدد المهول للأشخاص المصنّفين خلال أربعة أشهر فقط، والذي بات بالإمكان فتح تحقيق بشأنهم لمجرّد أن يشكّ العميل في أنهم متورطون في أعمال إرهابية من دون أن يحتاج حتى إلى دليل. الفضيحة الثانية هي أنه لم يعرف حتى الآن ما إذا أدّت تلك «التقويمات» إلى أي اتهامات. لكن الأكيد يقول مايكل جيرمان لـ«تايمز»، وهو عميل سابق في «إف بي آي»، إن «هؤلاء الأشخاص الأبرياء سيظلون محاصرين بملفات «إف بي آي» طوال حياتهم حتى لو لم تثبت عليهم أي تهمة».