دمشق | حال الازدحام الذي حفلت به شوارع العاصمة السورية دمشق وساحاتها في يوم الأضحى، سبقتها حال مماثلة قبل أيام العيد، عندما غصت محطات انطلاق المسافرين بأعداد كبيرة من المغادرين إلى كافة المحافظات والمناطق السورية. غير أن مجمل محادثات السوريين ممن لم يتمكنوا من زيارة الأقارب في المناطق البعيدة، تحولت عبر وسائل الاتصال إلى أشبه بتقارير إخبارية عن أحداث العنف أو التظاهرات والمواجهات مع الأجهزة الأمنية، والى طمأنة متبادلة، جعلت التهانئ بالعيد في آخر قائمة المحادثة.
أما وسائل الإعلام والفضائيات، فبثت أخباراً عن خروج تظاهرات مختلفة في عدد من المدن والمحافظات السورية، مثل حمص وحماه ودرعا، وبعض المناطق في ريف دمشق وضواحي العاصمة، مع اختلاف واضح حول تفاصيلها ومجرياتها. كل محطة منها قدمت الأحداث على طريقتها الخاصة والمختلفة حسب سياستها وتعاملها مع الحدث السوري.
وتحوّلت الاتفاقية التي توصلت إليها جامعة الدول العربية مع النظام السوري، إلى الشغل الشاغل، وحديث الساعة لدى الشارع السوري في مختلف أطيافه وتوجهاته. روايات وقراءات مختلفة قدمها عدد من المواطنين السوريين من مختلف المناطق والمحافظات السورية لـ«الأخبار» للمبادرة العربية، ومدى تأثيرها على الأرض.
المواطنة السورية كوليت شخاشيرو، من سكان مدينة اللاذقية الساحلية، وصفت موافقة النظام السوري على المبادرة العربية بـ«الخطوة الإيجابية التي تحسب للنظام، المعروف عنه رفض التدخل في شؤونه الداخلية». وعن احتمال تكرار السيناريو الليبي في الأزمة السورية رأت أنه «من الصعب جداً إن لم يكن مستحيلاً، أن نشهد تكراراً للسيناريو الليبي في سوريا، بسبب عوامل كثيرة ومتعددة، أهمها موقع سوريا الاستراتيجي، ودورها السياسي الهام في استقرار المنطقة كلها». لكن أكثر ما انتقدته شخاشيرو في ممارسات الأنظمة العربية بعد الاتفاق والتوقيع على المبادرة العربية هو «التجييش الإعلامي الذي لا يزال يهيمن على مجمل الفضائيات الإخبارية العربية، ضد النظام والشعب السوري الذي يقف وراء حكومته في مسيرة الإصلاح».
وعن السبب الكامن وراء هذه التجييش الإعلامي، قالت «أعتقد أن مجمل هذه الفضائيات خرجت عن سيطرة الحكومات التي تنفق عليها ملايين الدولارات، أو أنها عاجزة تماماً عن التراجع عن مواقفها، أو السياسة التي انتهجتها في التعامل مع الأزمة السورية، حتى لا يكتشف مدى كذبها وفبركتها في تقديم الأحداث والمجريات».
لعل أكثر بنود الاتفاقية أهمية حسب وجهة نظر شخاشيرو، هو «سحب المظاهر العسكرية من مجمل المدن السورية، لأن ذلك يكسبني، مثل الكثيرين غيري، الثقة والقوة، بعكس تواجدها الذي يفتح باباً لأسئلة لا تنتهي».
لكن سارة الطالبة في جامعة دمشق، وجدت أن الاتفاقية وبنودها المختلفة بقيت بعيدة عن الشارع السوري المنتفض، قائلة: «بالقراءة السريعة لبنود الاتفاقية وحيثياتها، يمكن القول إنها تحاول التوفيق وحل الأزمة بين طرفين كلاهما بعيد تماماً عن حركة الاحتجاج في الشارع. النظام السوري الذي لم يستطع فهم مطالب الشارع المحتج حتى الآن، والمعارضة التي لم تنجح على الرغم من محاولاتها الكثيرة في التقرب من الشارع والمتظاهرين، لذلك بقيت المعارضة بمختلف أطيافها، لا تمثل إلا نسبة ضئيلة جداً من المتظاهرين على الأرض».
وبعيداً عن أجواء المبادرة العربية وطريقة تعامل النظام السوري معها، أكدت سارة أنه «يمكن القول إن النظام السوري فقد نسبة كبيرة من مؤيديه، وإن لم يعلنوا ذلك صراحة، لكن الخوف من الممارسات القمعية والاعتقالات المستمرة، يمنع التصريح بذلك. ولو تبدلت الأحوال والتزم النظام السوري حرية التظاهر وحماية المتظاهرين، وهو احتمال شبه مستحيل، سنشهد بالتأكيد تظاهرات كبيرة الحجم ربما تفوق أعدادها المسيرات المؤيدة للنظام».
ويحاول النشطاء السياسيون في سوريا التعامل مع المبادرة العربية بإيجابية مفتعلة، على الرغم من معرفتهم مسبقاً باستحالة تطبيق النظام وأجهزته الأمنية، وقف العنف والسماح بالتظاهر. هذا ما اكده الناشط السياسي أحمد الزبير، الذي اعتقل مع بداية الأحداث. ويقول الزبير: «أعتقد أن هذه المبادرة تنطلق من فلسفة النظام باستمرار الحل الأمني إلى الأبد، والتي أراها مثل الكثيرين غيري، أحد أكبر أخطائه الدبلوماسية بالتعامل مع الثورة السورية، لأنها ستغلق باب الكذب والادعاء أمام الرأي العام العربي والعالمي، كما أنها ستغير من الموقف الروسي الصيني، الذي دعم سلسلة المبادرات العربية». وبالتالي لم يعد أمام الدول المناصرة للنظام سوى المضي وراء الجامعة العربية، التي يعتقد أنها ستكون الذراع المحركة للعقوبات، والإجراءات اللاحقة التي ستفرض على النظام لاحقاً.
وأضاف الزبير «ما حدث بعد إعلان المبادرة في سوريا من استمرار للعمليات الأمنية المكثفة على حمص وغيرها من المدن، هو ما يدعم وجهة النظر السابقة ـــــ حول الاستمرار في الحل الأمني ـــــ ويؤكد أن المبادرة برمتها تحولت إلى فرصة حقيقية منحت النظام السوري وأجهزته الأمنية مزيداً من الوقت للاستمرار بممارساته القمعية ليس أكثر».
بدوره، لم يبد الكاتب السوري الساخر خطيب بدلة، تفاؤلاً يذكر في تحقيق بنود الاتفاقية العربية، وقال لـ«الأخبار» إن «النظام السوري يمر في محنة قد تؤدي إلى انقسامه على نفسه خلال الأيام القليلة المقبلة. إن تركيبته البنيوية لا تسمح له بأن يعيش بغير الطريقة التي كان يعيش بها قبل 15 آذار 2011، واستمراره في الحكم بهذه الطريقة مرفوض، والخلاف الداخلي والخارجي يضيق عليه».
وتوقع الكاتب السوري أن المبادرة العربية سيفشلها النظام السوري نفسه، وستنفتح القضية على احتمالات أخرى، منها التدويل، ومنها تزايد العنف المسلح، ومنها الانقلاب العسكري، أو الانشقاقات العسكرية الكبرى.
الناشط السياسي السوري فراس الشاطر، لديه مواقف وقراءة تبدو متفردة للأحداث السورية، والمبادرة العربية على حد سواء. فبعد اعتقاله مرات عدة لمساهماته في تظاهرات تنسيقيات الثورة السورية وأنشطتها، تعرّض أخيراًً إلى اعتداء جسدي وصفه بـ«الهمجي» على أيدي مجموعة من «الثوار» السوريين، بعد اتهامه بـ«الخيانة والعمل لحساب أجهزة الأمن السورية». عن تجربته يقول: «التشكيك والتخوين بدآ يتفشيان بين صفوف المعارضين السوريين، وانتقلا إلى توجيه تهم الخيانة والعمالة مباشرة، من دون وجود وثائق أو أدلة ثابتة، إنما لمجرد تكهنات أو تصرفات غريبة قد يرتكبها أحدنا». تردد الشاطر كثيراً في الحديث عن تجربته ووجهة نظره، لكنه برر ما حدث معه قائلاً: «جميعنا نعيش حالة ولادة جديدة، لا يعلم أحدنا ماذا يجب عليه كي يتصرف بنحو صحيح». وعن قراءته للمبادرة وتداعياتها على الأرض، قال إن «المؤامرة في سوريا موجودة، لكن من قبل الدول العربية والعالمية لإبقاء النظام القاتل والفاقد للشرعية، وإعطائه مزيداً من الوقت، لتحقيق الحل الأمني والقمعي الذي لن يتراجع عنه». وعن قراءته لواقع المعارضة السورية في ظل المبادرة العربية، أشار الى انعدام الثقة بين صفوف المعارضة، سواء كانت من داخل أو خارج. وقال إن «المعارضة بحاجة إلى وسائل إعلام لها حضورها وتواجدها على الساحة، لا أن تبقى تعتمد على القنوات العربية مثل الجزيرة والعربية وغيرهما».
وأكد الشاطر أن المبادرة العربية ولدت ميتة تماماً «لأن النظام غير قادر على تقديم تنازلات، لأنها تعني موته. وفي حال سحب الجيش من المدن والمناطق السورية، سيحاول إيجاد بديل أكثر بطشاً ودموية من سابقها».
أما الناشط السياسي محمد خليل، فقد وجد أن مبادرة العربية لا تملك رصيداً أو حضوراً فعلياً على الأرض، وأراها فاشلة سلفاً «لأنها قدمت اقتراحات كثيرة، لكنها لم تضع أي آليات وخطط زمنية واضحة، تضمن التنفيذ». وتوقع الناشط السوري دخول الأزمة والأحداث السورية في منطقة أكثر دموية وعنفاً في المرحلة القريبة المقبلة، وأن اللجنة الوزارية العربية التي ستعقد اجتماعاً بعد أيام قليلة، ستنفذ ما لمحت إليه في حال فشل المبادرة العربية «لكن من يتوقع أن المتظاهرين سيرتدعون وينهون مظاهر الاحتجاج، وأن النظام سيتوقف عن أسلوبه في حل الأزمة في سوريا فهو خاطئ». لذلك رأى خليل، مثل الكثيرين غيره، أن المبادرة العربية لا تتعدى مهلة إضافية منحتها جامعة الدول العربية للنظام السوري، «وسنشهد مجدداً تصعيداً عربياً وصولاً إلى ما هو أخطر. نخشى جميعاً تكرار السيناريو الليبي على الأراضي السورية».
أما الناشطة السياسية غنوة حسن، فأبدت استغرابها لصمت جامعة الدول العربية كل هذه المدة: «كيف نفسر صمت الدول العربية الذي طال اكثر من ستة شهور؟ وفجأة بدأ تحرك الجامعة، لكن ليس بهدف حماية المتظاهرين والشعب السوري، بل حتى لا يقال ان الجامعة العربية مصابة بحالة عجز وشلل».
ويشير الناشط السياسي احمد حسن إلى «أن الجامعة العربية لا تمتلك آليات للضغط وتنفيذ المبادرة سوى احالة الملف إلى الأمم المتحدة، ولنقف مجدداً أمام الفيتو الروسي أو الصيني».



أهالي المعتقلين والعيد


سيطر الحزن والترقّب إزاء قضية المعتقلين السياسيين على أجواء العيد، لا سيما بعدما تضمنت المبادرة العربية ضرورة الإفراج عن كل الذين اعتقلتهم السلطات خلال الأحداث الأخيرة، ووصل عددهم إلى نحو 15 ألف معتقل حسب آخر الإحصائيات التي قدمتها منظمات حقوق إنسان عالمية. لكن والدة أحد هؤلاء المعتقلين قالت لـ«الأخبار»: «اعتقل ابني قبل نحو ثلاثة أشهر، ولا أعرف عنه شيئاً حتى الساعة، لم تكن له أية نشاطات أو ارتباطات سياسية قبل بداية الأحداث السورية». عند إعلان المبادرة العربية، استبشرت والدة المعتقل خيراً، وتأملت أن تقضي أيام العيد مع ابنها. «انتهت أيام العيد ولم يفرج عن ابني حتى الآن. أكثر ما يقلقني هو حالة ابني الصحية، فهو يعاني من عارض صحي دائم في الظهر والركبة، يحتاج إلى متابعة طبية أسبوعية، لا أعلم إن كان سيتمكن من المشي بشكل طبيعي بعد خروجه من الاعتقال الذي انتظره بفارغ الصبر».