انتهت أمس مرحلة حبس الأنفاس والتسريبات بشأن الموقف السوري من المبادرة العربية لحل الأزمة في بلاد الشام، بإعلان دمشق موافقتها «بلا تحفظات» على ما قدمته الجامعة، لكن من دون أن تُحسم وجهة الأمور، ولا سيما في ما يخص الحوار الذي بقي موقف سوريا من مكان انعقاده مبهماً، فيما يرفضه المجلس الوطني للمعارضةساعتان فقط من الاجتماع للوزراء العرب في مقر الجامعة العربية كانتا كفيلتين بإخراج بوادر انفراجة، ولو مؤقتة، في ملف الأزمة السورية، الذي عاش خلال الأيام الماضية على وقع الموقف المرتقب لدمشق من المبادرة العربية لحل الأزمة في سوريا. بوادر انفراج ظهرت بإعلان بيان الجامعة العربية الموافقة السورية «بلا تحفظات» على المبادرة العربية، لكن من دون أن تحسم وجهة الأمور في المرحلة المقبلة، وخصوصاً لجهة تطبيق ما اتُّفق عليه من بنود، إضافة إلى وضع الطرفين، الحكم والمعارضة، على طاولة حوار لا يزال مكان انعقادها غير معلوم، فيما لم تبتّ المعارضة الخارجية، الممثلة بالمجلس الوطني، الموقف منه.
ساعتان مرتا بسلاسة في مقر الجامعة العربية، حيث لم تدر مناقشات ساخنة أو حادة كما توقع الصحافيون، بل إن مصادر مشاركة في الاجتماع أكدت الأجواء الإيجابية، التي انعكست في كلمات الوزراء وممثلي الدول العربية خلال الجلسة المغلقة، التي خرج بعدها رئيس الوزراء القطري، وزير الخارجية، حمد بن جاسم آل ثاني، الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للجامعة، ليعلن التوصل إلى اتفاق مع سوريا على بنود مبادرة الجامعة.
وأكد بن جاسم، في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام للجامعة نبيل العربي في ختام اجتماع وزراء الخارجية العرب، موافقة دمشق على الخطة العربية لإنهاء الازمة. وتلا القرار الذي اعتمده الوزراء العرب والذي نص على أن «الحكومة السورية وافقت» على الخطة العربية لوقف العنف وإجراء مؤتمر حوار وطني مع كافة أطياف المعارضة.
وقال بن جاسم للصحافيين في تصريح مقتضب إن «الاتفاق واضح، ونحن سعداء بالوصول إليه وسنكون أسعد بالتنفيذ». وأضاف: «المهم التزام الجانب السوري بتنفيذ هذا الاتفاق، نأمل ونتمنى أن يكون هناك التنفيذ الجدي سواء بالنسبة إلى (وقف) العنف والقتل أو (الإفراج عن) المعتقلين أو إخلاء المدن من أي مظاهر مسلحة فيها». وشدد على أنه «إذا لم تلتزم سوريا، فإن الجامعة ستجتمع مجدداً وتتخذ القرارات المناسبة في حينه».
من جهته، قال الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، إن «الهدف الحقيقي والرئيسي هو تقديم حل عربي ينقل رسالة واضحة ولها صدقية إلى الشعب السوري بأن هناك نقلة نوعية تؤدي إلى وقف كافة أنواع العنف وفتح المجال» أمام منظمات الجامعة العربية ووسائل الإعلام لرصد ما يحدث في سوريا وإجراء حوار وطني.
ووفقاً لنص القرار، تقضي الخطة العربية أولاً بمجموعة إجراءات على الأرض هي: «1ـــــ وقف كافة أعمال العنف من أي مصدر كان حماية للمواطنين السوريين. 2ـــــ الإفراج عن المعتقلين بسبب الأحداث الراهنة. 3ـــــ إخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة. 4ـــــ فتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سوريا للاطلاع على حقيقة الأوضاع ورصد ما يدور فيها من أحداث».
وينص القرار كذلك على أنه «مع إحراز تقدم ملموس في تنفيذ الحكومة السورية لتعهداتها الواردة في البند السابق، تباشر اللجنة الوزارية العربية القيام بإجراء الاتصالات والمشاورات اللازمة مع الحكومة ومختلف أطراف المعارضة السورية من أجل الإعداد لانعقاد مؤتمر حوار وطني خلال فترة أسبوعين من تاريخه».
ولم يحدد القرار مكان الحوار، غير أن مصادر شاركت في الاجتماع أكدت لـ«الأخبار» الاتفاق من حيث المبدأ على أن يكون في القاهرة، من دون حسم في هذا الاتجاه. وأضافت أنّ من غير الضروري أن يترأس الرئيس السوري بشار الأسد الحوار، كما سبق أن أُعلن، مشيراً إلى أنّ من الممكن انتداب نائبه فاروق الشرع، الذي رأس الجلسة الحوارية الأولى التي عُقدت في دمشق.
وفي وصفها لأجواء الجلسة، قالت المصادر إن الاجتماع الحالي كان مختلفاً عن الجلسات السابقة، التي كانت الحكومة السورية تُحمَّل خلالها مسؤولية كل العنف، غير أن ما صدر بعد الاجتماع الحالي تضمن اعترافاً بوجود طرفين. وأشار إلى أنه كان واضحاً في بداية الاجتماع أن الوفد العربي كان بانتظار الرفض السوري، الذي جاء موافقة.
وفي شرحها للأسباب التي أدت إلى الصيغة الحالية، رأت المصادر أن «الخارج راهن على عامل الوقت لإضعاف النظام في سوريا، غير أن الوقت أظهر أن النظام مختلف عن مصر وتونس وليبيا، كذلك فإنه تكونت قناعة لدى أميركا وفرنسا والعرب بأن التوازنات الدولية لم تعد في مصلحة إسقاط النظام، ولا سيما مع الموقف الروسي، الذي ترجم في فيتو مجلس الأمن».
وكانت بعض التسريبات قد أشارت إلى أن مندوب سوريا الدائم لدى جامعة الدول العربية، ممثلها في الاجتماع، يوسف أحمد، أكد أن بلاده «قبلت الجهد العربي بإيجابية ومرونة وانفتاح، انطلاقاً من قناعتها بحتمية أن يكون الدور العربي مبنياً على الحرص على أمن سوريا واستقرارها ووحدة أرضها وتجنيبها أشكال التدخل الخارجي الذي تسعى بعض الأطراف العربية إليه بكل توحش واستغلال».
وأضاف أحمد، في مداخلته أمام الوزراء، أن «سوريا تجاوبت منذ اليوم الأول للأزمة مع المطالب الشعبية بسلسلة من الإجراءات تهدف إلى تحسين واقع الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية». وكشف أنه خلال الساعات المقبلة سيصدر قرار رئاسي بتأليف لجنة عليا لإدارة الحوار الوطني باعتباره «الخيار الوحيد الذي يضمن التوصل إلى حلول وخيارات سورية خالصة تؤدي إلى إعادة الأمن والاستقرار وتحقيق الإجماع السوري». وأوضح أن «باب الحوار الوطني الجاد مفتوح أمام الجميع بدون تحفظ أو استثناء للوصول إلى رؤية وطنية خالصة لمستقبل سورية». وطالب «الأشقاء العرب بتقديم كل أشكال الدعم لتنفيذ بنود المبادرة العربية مع وضع حد لجميع أشكال التحريض السياسي والإعلامي الخارجي وتشجيع جميع الأطراف داخل سوريا وخارجها على التعامل بإيجابية وجدية مع متطلبات هذه الورقة وبنودها والتصدي لمحاولات التدخل الخارجي في الشأن السورى أو رفض العقوبات الخارجية الأحادية الجانب المفروضة على سوريا وتداعياتها السلبية».
بدوره، رأى وزير الخارجية اللبناني، عدنان منصور، في مداخلته، أن الاتفاق «نجاح للعمل العربي المشترك»، مشيراً إلى أن المبادرة هي إشارة إلى الحرص على «إعادة الاستقرار إلى سوريا». ورأى أن الموقف السوري يمثل «تجسيداً للنيات الطيبة من دمشق للتجاوب مع الجهد العربي». ومع الموافقة السورية، بات الجميع بانتظار مواقف المعارضة، ولا سيما المجلس الوطني، الذي استبق الاجتماع العربي بإصدار بيان يعلن فيه رفض الحوار ويطالب بـ«تجميد عضوية» سوريا. وقال إن «تصاعد القمع الوحشي الذي يمارسه النظام السوري ضد شعبنا الصامد، والذي أسفر عن مئات الضحايا خلال بضعة أيام يشكل الرد العملي للنظام على المبادرة العربية». ورأى أن «دعاوى (النظام) بشأن الحوار والإصلاح زائفة ومخادعة». وأضاف المجلس أنه بناءً على ذلك، يعيد مطالبته بـ«تجميد عضوية النظام السوري في الجامعة العربية (...) وتوفير حماية دولية للمدنيين بغطاء عربي».
ودعا إلى «الاعتراف بالمجلس الوطني السوري ممثلاً للثورة السورية والشعب السوري».
وفيما لم يصدر موقف عن المجلس بعد الاجتماع، رأى عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني، عماد الدين رشيد، في مداخلة عبر قناة «الجزيرة»، أن الموافقة السورية على المبادرة «مناورة لالتهام الوقت». وأضاف أن «النظام أراد أن يبادر لإحراج المعارضة»، التي قال إنها لا تثق بالنظام، مشيراً إلى أن المعارضة «تريد ضمانات لوقف العنف». وجدد التمسك بموقف المجلس بإسقاط النظام، مشيراً إلى أن «المشكلة الأساسية في النظام الفاسد الذي لا يجب أن يبقى».
في المقابل، رحبت معارضة الداخل السورية بالاتفاق، وقال المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي، حسن عبد العظيم، إن «الهيئة ترحب بالاتفاق وتعتبره خطوة مفيدة للانتقال إلى الخطوة الثانية، وهي العملية السلمية». وأضاف: «سنعمل منذ الغد مع قوى المعارضة الوطنية في الداخل والخارج ومع قوى الحراك الشعبي لأجل أن يشارك الجميع في الحوار والعمل على ألا يستقصى أحد من هذا الحوار».
بدوره، توقع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام فشل الحوار بين النظام السورى والمعارضين، مشيراً إلى أن «هذه المبادرة تدعو إلى الحوار بين الأسد والمعارضة، لكن على غير أساس إنهاء النظام». وقال إن الشارع السوري وكل أطراف المعارضة رفضت التسوية». كذلك أعلن، في مقابلة لوكالة «رويترز»، أن «السوريين سيضطرون إلى حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم ما لم يتدخل العالم لحماية المدنيين الذين يتظاهرون».
وفي أول رد فعل على نجاح المبادرة العربية، قال المتحدث باسم البيت الأبيض، جاي كارنى للصحافيين في البيت الأبيض: «موقفنا ما زال هو أن الرئيس الأسد فقد شرعيته ويجب أن يتنحى... نؤيد كل الجهود الدولية التي تستهدف إقناع النظام بوقف مهاجمة شعبه».
(الأخبار)



سوريا تتهم وكالة الطاقة بالنفاق


نيويورك ــ نزار عبود
طعن مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري (الصورة)، بالمزاعم المتعلقة بضلوع بلاده في برنامج سري نووي، ووصفها بـ«التلفيق والنفاق وازدواجية المعايير». وقال، في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المخصصة لمناقشة تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن المدير العام للوكالة كيوتو أمانو، استند إلى معلومات تلقاها من دولة معادية (الولايات المتحدة) ذات أجندة سياسية معادية لمصالح بلادي.
وسأل الجعفري المدير العام: «لماذا رفضت الولايات المتحدة تزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بصور الأقمار الصناعية إذا كانت تلك الادعاءات صحيحة؟». ونبّه إلى التزام الدول الأعضاء النظام الأساسي للوكالة، القاضي بضرورة إبلاغ الولايات المتحدة الأميركية الوكالة بالمعلومات التي كانت بحوزتها «قبل تدمير المبنى، لا بعد ثمانية أشهر منه».