استمر السجال والتخمين حول مصير المبادرة التي تقدّم بها وفد الجامعة العربية إلى دمشق لمعالجة الأزمة السورية. وبرغم اجتماعات الدوحة أول من أمس والمناخات الايجابية التي رافقتها، بدت الصورة اكثر تعقيداً بعدما تبين ان الرد السوري لم يصل الى مقر الجامعة بعد. وكان البارز اعلان وكالة الانباء السورية الرسمية «سانا»، في خبر عاجل، أنه تم «الاتفاق بين سوريا واللجنة الوزارية العربية على الورقة النهائية بشأن الاوضاع فى سوريا والإعلان الرسمي عن ذلك في مقر الجامعة العربية غداً (اليوم) في القاهرة»، من دون الكشف عن المزيد من التفاصيل. لكن مصادر في الجامعة العربية نفت علمها بذلك.
الرواية السورية

وحفلت ساعات ليل امس بتضارب في المعطيات حول بنود الاتفاق. اذ كشفت مصادر سورية رسمية لـ«الأخبار» أنها تتضمّن التعديلات التي طالبت دمشق بإدخالها على النص الأصلي للمبادرة العربية من جهة، علماً أن مصادر عربية في القاهرة شددت على أنّ العقدة الرئيسية «لا تزال تتمحور حول مكان انعقاد الحوار الذي يجدر بالرئيس السوري أن يديره، بين دمشق والقاهرة». وبحسب المصادر السورية، فإنّ الحديث يدور عن تفاهمات على: 1 ــ إقامة حوار وطني خلال أسبوعين في دمشق. 2 ــ إلغاء المظاهر المسلّحة. 3 ــ إطلاق سراح المعتقلين غير الأمنيين. 4 ــ اتخاذ إجراءات بدخول مندوبي الصحافة الأجنبية إلى سوريا. 5 ــ عدم ممانعة دمشق دخول مراقبين أجانب إلى سوريا خلال الانتخابات التشريعية المقررة في شباط المقبل. 6 ــ تهدئة إعلامية حول تغطية الأحداث السورية.
وعادت المصادر السورية لتشرح الصورة من وقت الاجتماع الذي عقد بين الرئيس السوري بشار الأسد واللجنة العربية الاربعاء الماضي، وقالت إنه جرى خلاله الاتفاق على: 1 - العمل على وقف العنف بكل أشكاله. 2 - إطلاق سراح المعتقلين على دفعات. 3 - إطلاق حوار بين السلطة والمعارضة.
وقالت المصادر «ان الاتفاق على النقطتين الاولى والثانية كان نهائياً، اما في الثالثة، فبقي الخلاف معلقاً على تحديد مكان الحوار. وقد طالب الوفد العربي بعقده في القاهرة، لكن الرئيس السوري أصر على عقده في دمشق، عارضاً ضمانته الشخصية لمشاركة جميع المعارضين الموجودين في الخارج، بمن فيهم الذين صدرت بحقهم احكام قضائية. ثم جرى الاتفاق بين الطرفين على استكمال الحوار في الدوحة».
واضافت انه في هذا الوقت، «أرسلت سوريا موفداً إلى العاصمة الروسية موسكو، حيث سمع شرحاً مسهباً لرؤية روسيا للأوضاع في سوريا وما يجري في المنطقة. وأن الجانب الروسي قال إن موسكو لم تستطع تفادي ما جرى في ليبيا بسبب الاجماع العربي الذي توجه إلى مجلس الامن الدولي. وأبدى الجانب الروسي خشيته من وجود نيات لدى بعض العرب والغربيين لتكرار السيناريو الليبي في سوريا. وبناءً على ما تقدم، نصح الروس سوريا بالتجاوب مع المبادرة العربية لسحب الذرائع ممن يريدون تحويل سوريا إلى ليبيا جديدة».
وقالت المصادر إن دمشق «قررت على الأثر المضي في التجاوب مع المبادرة العربية. وحمل الوفد السوري هذا التوجه إلى لقاء الدوحة، لكنه فوجئ بتراجع اللجنة العربية عن الاتفاق الذي جرى التوصل إليه مع الرئيس الأسد، إذ استُبدل البند الاول بآخر شبيه هو: وقف العنف بكل أشكاله، والبند الثاني تحول إلى: إطلاق سراح المعتقلين (دفعة واحدة لا على دفعات). كذلك أضيف بند السماح لوسائل الاعلام و للمنظمات الحقوقية الدولية بدخول سوريا والاطلاع على ما يجري فيها بحرية».
وكشفت المصادر انه عندما عرض الوفد السوري في الدوحة إضافة بند «رفض التدخل الأجنبي في الشؤون السورية»، اعترضت اللجنة العربية على كلمة «رفض»، عارضة الصيغة الآتية: «تجنب التدخل الخارجي».
ومع ذلك فقد بقي الخلاف على البند المتعلق بمكان انعقاد الحوار. وقالت المصادر السورية ان اللجنة العربية «أصرت على أن يكون في القاهرة، في مقابل إصرار الوفد السوري على إجراء الحوار في دمشق. فكانت النتيجة بقاء الامر معلقاً والاستعاضة عنها بعبارة تذكّر بالقرار الصادر عن اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم 16 تشرين الاول الماضي».

... وتحفّظ في القاهرة

غير أنّ هذه الرواية لم تكن موضع إجماع مع باقي الأطراف المعنيّة، إذ شدّدت مصادر الجامعة العربية في القاهرة لـ«الأخبار»، على أنّه «لم يحصل اتفاق بعد بين الطرفين، وأن اللجنة العربية لا تزال بانتظار الرد السوري الذي لم يأتِ بعد على مبادرتها»، مؤكدة في الوقت نفسه «أنّ نقطة الخلاف المركزية لا تزال تتمحور حول مكان انعقاد الحوار المنتظر، بما أن الطرف العربي يصرّ على أن يحصل ذلك في القاهرة لا في دمشق»، مشيرة الى وجود انقسام بين الوزراء العرب الذين يجتمعون اليوم في القاهرة، إذ إنّ «الجزائر ولبنان راضيان عن الصيغة التي تفيد بأن يكون الحوار في دمشق، بينما الآخرون رافضون».
لكن المصادر ذاتها اوردت ما يندرج في باب «التحذير» بقولها إن «الجامعة العربية تتمنى على السلطة السورية الموافقة على أن يكون الحوار الوطني السوري في القاهرة، لأن ذلك هو الحل الوحيد لتجنُّب تدويل الأزمة السورية».
وكان نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي قد أبلغ قناة «العربية» أن الأمانة العامة للجامعة «لم تتسلم بعد الرد السوري» على الورقة التي أعدّتها اللجنة العربية. وأضاف: «بحسب معلوماتي، فإن الوفد السوري سيقدم الرد الرسمي غداً (اليوم) خلال الاجتماع الوزاري».
وفي السياق، كشف دبلوماسي عربي آخر لوكالة «فرانس برس»، قبل الاعلان السوري عن الاتفاق، أن الوزير المعلم «طلب الاحد تعديلات على المبادرة العربية، وتمت الموافقة على بعض التعديلات الطفيفة، لكن الوفد العربي طلب منه رداً نهائياً على المبادرة العربية في مجملها». ووفقاً للدبلوماسي العربي، فإن المبادرة العربية ترتكز أساساً على عنصرين هما «وقف العنف والسماح بدخول منظمات عربية ووسائل الاعلام العربية والدولية للتحقق من ذلك، ثم عند إحراز تقدم ملموس على الارض، بدء حوار وطني في مقر الجامعة العربية في القاهرة يشمل كل اطياف المعارضة السورية».

تعليقات عربية وغربية

وكانت تصريحات لمسؤولين عرب اوحت ببوادر ايجابية ، وذلك بعدما أعلن وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي أنه تم التوصل الى «اتفاق» مع السوريين خلال اجتماع لجنة المتابعة العربية في الدوحة. من جهته، اكد وزير الخارجية الاماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان أن الدول العربية لا تريد أبداً تدويل الازمة في سوريا «وعلى الاقل نحن العرب، لا نريد تدويل هذه القضية». وتحدث الشيخ عبد الله عن وجود «بوادر ايجابية» بالنسبة إلى الخطة العربية للأزمة السورية.
وقد تولّى المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني مهمة التعليق الأميركي على النبأ السوري الذي يفيد بالتوصل إلى اتفاق سوري ــ عربي، قائلاً «لقد اطّلعنا على المعلومات الواردة من دمشق بخصوص توصلها إلى اتفاق مع الجامعة العربية، لكن نحن غير قادرين على التحقق منها في الحال». وأضاف «نحن نرحب بكل جهد يبذله المجتمع الدولي لإقناع نظام الاسد بوقف اعمال العنف التي يرتكبها بحق شعبه، لكننا لا نزال نعتقد أن الأسد فقد شرعيته وعليه مغادرة السلطة».

المعارضة

وجاءت مواقف أطراف المعارضة السورية متردّدة وإن لم تقفل الباب أمام التعامل بايجابية. وفي تعليقه على ما سرّبته المصادر السورية الرسمية، قال المعارض البارز ميشيل كيلو لـ«الأخبار» إنه إذا صحّت هذه المعلومات، فإنّ هذا سيكون تعبيراً عن «حلّ وسط بين النظام السوري وبين الجامعة العربية، وهو ما يعني أنّ النظام بات مدركاً أن الحل للأزمة الحالية هو سياسي لا أمني». وأعرب كيلو عن اعتقاده بأنّ «الحل كان نتيجة رسالتين ناريتين تبادلهما كل من وفد الجامعة العربية والرئيس بشار الأسد». وبحسب اعتقاده، فإن كلام الأسد قبل يومين عن احتمال حصول زلزال في المنطقة في حال التعرُّض لسوريا كان «نتيجة لتبليغ وفد الجامعة العربية للأسد بأن مبادرة الجامعة هي الفرصة الأخيرة، وإلا فإنّك ستدخل في مواجهة مع العالم بأسره». غير أنّ كيلو يعود ليحذّر من أنّ ما سُرِّب عن نقطتي «إلغاء المظاهر المسلحة» و«إطلاق سراح المعتقلين غير الأمنيين» يثير الريبة. ويشرح قلقه من «أن عبارة إلغاء المظاهر المسلحة بدل إنهاء الحل الأمني قد تعني من وجهة نظر النظام خطوات تهرُّب وشراء للوقت، كتحريك الدبابات المنتشرة في المدن مترين مثلاً، أو إدخال الموضوع في متاهة أخذ وردّ ومفاوضات لا تنتهي».
أمّا بالنسبة إلى مسألة «إطلاق سراح المعتقلين غير الأمنيين»، فيرفضه كيلو أيضاً انطلاقاً من إصراره على شرط «الافراج عن جميع المعتقلين على خلفية الأحداث الأخيرة، إلا إذا كان هناك قضاء نزيه فعلاً وليس كالقضاء السوري يحاكمهم». وما يثير قلق كيلو أيضاً حول هذه النقطة، أنّ لديه معلومات عن أن «هناك من أبلغ وفد الجامعة العربية بأنّ جميع المعتقلين هم مجرمون جنائيون».
وعن الخطوة المقبلة التي يتوقع حصولها في ضوء الاعلان السوري عن التوصل إلى اتفاق مع دمشق، يلفت كيلو إلى أنها ستكون «حلاً وسطاً بين النظام والمعارضة السورية بعد الحل الوسط الذي تحقق بين النظام والجامعة العربية»، لذلك، فهو يحذّر من أنه «من خلال تجربتي الطويلة مع هذا النظام، سيحاول النظام اللعب على تجزئة المعارضة وتقسيمها أكثر مثلما فبرك معارضة على المعايير الخاصة به». وينصح كيلو المعارضة السورية بكافة أطيافها «بأخذ كل وقتها في التفكير قبل الردّ على الاتفاق بين النظام السوري والجامعة العربية، ناصحاً بأن يتم الامر من «دون تسرُّع ولا مزايدات، وأن يدخلوا الحوار والمفاوضات بشكل موحَّد إذا ظهر أن النظام صادق هذه المرة، وهو ما يحتاج إلى يومين أو ثلاثة لكي يظهر».
وبناءً على قناعته بأنّ لا النظام قادر على سحق الحراك الشعبي، ولا هذا الحراك قادر على إسقاط النظام، يقترح كيلو أن «نصل كعقلاء» إلى «حل وسط في نظام انتقالي بدل شعار إسقاط النظام».
في المقابل، ظهر أنّ حركة الاخوان المسلمين في سوريا على اطلاع على البنود الستة للاتفاق الذي أعلن التلفزيون السوري عن التوصل إليه مع الجامعة العربية. وقال أحد قادة «الاخوان»، أحمد الراغب، المقيم في باريس لـ«الأخبار»، إنّ التعديلين الأساسيين للطرف السوري على المبادرة العربية هما ما يتعلق بمكان انعقاد الحوار الوطني (في دمشق بدل القاهرة)، ووقف الحملات الاعلامية المقصود فيها قناتا «الجزيرة» و«العربية» تحديداً. وعن تعليق «الاخوان» على إعلان دمشق التوصل إلى اتفاق مع الجامعة العربية، يجيب الراغب بأنّ لا ردّ رسميا لحركته قبل الاعلان الرسمي عن الاتفاق، وقبل أن يخرج موقف عن المجلس الوطني السوري.
ونفى الراغب أن يكون «إخوان» سوريا قد فوّضوا أي طرف، أكان أمير قطر أم الجامعة العربية، التحدث باسمهم مع النظام السوري، حتى إنه جزم بأنّ «الاخوان» ليسوا على اتصال أصلاً مع الجامعة العربية، مع تركه الباب مفتوحاً لمناقشة الموافقة على الحوار مع النظام في دمشق أو رفضه «وفق ما يقرره المجلس الوطني ووفق الآليات التي سيحددها إذا وافق على المشاركة بهذا الحوار». غير أن القيادي «الاخواني» نفسه يرجّح بأن النظام «لا يزال حتى اللحظة يماطل ويحاول شراء الوقت، وربما يبحث الآن في طريقة لإفشال المبادرة العربية».
ونفى الراغب ان يكون «إخوان سوريا» مع تدخل عسكري في سوريا، حاصراً مطالب تنظيمه بـ«حماية المدنيين»، وموضحاً «أن الحديث عن أن عضو قيادة المجلس الوطني نجيب الغضبان، الذي يؤيّد التدخل العسكري، يمثّل وجهة نظر «إخوان» سوريا، هو كلام كاذب، لأن الغضبان ليس عضواً» في الحركة الإسلامية السورية».
من جهته، أوضح أحد قادة المعارضة السورية المنضوي في «هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديموقراطي»، لـ«الأخبار»، أنه «من الصعب أن يقبل النظام السوري بالمبادرة العربية، وسوف يقترح تعديلات كبيرة عليها، ومن الممكن أن يطلب إلغاء العديد من بنودها، على أن يكون قبول هذه المبادرة انتقائياً». أما في ما يتعلق بإيقاف العنف النظامي بحق المتظاهرين، وسحب الجيش من المدن وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، فيرى الوجه المعارض البارز أن «هذا من غير الممكن أن يقبل به النظام السوري».
(الأخبار)



لماذا اللف والدوران؟

لاحظ مشاركون في الاتصالات العربية – السورية ان الامين العام للجامعة العربية نبيل العربي «يظهر وكأنه شبه غائب عما يجري». وقال هؤلاء إن «العربي يبدو ضعيف الشخصية» في مواجهة باقي الحضور ولا سيما وزير خارجية قطر حمد بن جاسم الذي يظهر أنه يدير الدفة منفرداً.
وذكر المشاركون ان المسؤول القطري الذي كان يدير الحوار ضغط في اكثر من مرة على محاوره السوري مستيعناً بما سمّاه «الضغوط الكبيرة التي نتعرض لها من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا».
وذكر مصدر سوري أن المسؤول القطري «سعى خلال اجتماعات الدوحة إلى استفزاز الوفد السوري ومحاولة حشره بأسئلة تنحصر الأجوبة عنها بنعم أو لا»، بينما كان وزير الخارجية السورية وليد المعلم «يُظهر مرونة من خلال اجوبة تتسم بالايجابية، لكنه كان يقول دائماً إن حكومته مستعدة لدراسة كل النقاط المطروحة والتحاور حولها. وهو ما يفسر كلام رئيس الوزراء القطري بعد الاجتماعات عن اللف والدوران».