من الآن حتى الموعد المعلن لعودة نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي من رحلته إلى الولايات المتحدة يوم الجمعة المقبل، وانتهاء وفد أحزاب اللقاء المشترك من جولته على عدد من العواصم الغربية والعربية، سيعيش اليمن أياماً حاسمة، إما ستحمل معها حلاً سياسياً شاملاً يخرج البلاد من أزمتها إذا وفى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بتعهده تفويض نائبه السلطة للبدء بتنفيذ آلية المبادرة الخليجية وملحقاتها، وإما سيغرق اليمن في أزمته السياسية أكثر، لينفتح مصير البلاد أمام مزيد من الدمار بسبب الحروب المتقطعة التي يشنها صالح، والمرشحة للتصاعد في حال تجدّد تعثر الحلول.وللمرة الأولى منذ أسابيع بدا حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، في الأيام القليلة الماضية، يسعى ولو نظرياً للترويج إلى أن أسهم الحل مرتفعة، حيث تخلى عن لغة التحدي وبدأ يتحدث عن موافقة صالح على نقل صلاحياته لنائبه في غضون أسبوعين كحد أقصى. وهي موافقة حرص الحزب الحاكم على إرفاقها بخطوات توحي بجديتها، فاستُدعي سفراء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وأُبلغوا قرار صالح، على أن يتولى السفراء أنفسهم نقل هذا الموقف إلى أحزاب المعارضة، لكي يصار لدى عودة هادي ووفد المعارضة للتوقيع عليه والانطلاق في تنفيذه.
وبالفعل، أكد قادة في المعارضة اليمنية لـ «الأخبار» أمس أن اللقاء عُقد مع سفراء الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكنهم لم يبدوا تفاؤلهم بإمكان ترجمة أقوال صالح إلى أفعال. بدورهم بدا السفراء الأجانب حذرين إزاء وعود صالح، ودعا رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي ميكيلي تشرفونه أمس إلى الإسراع في تحقيق تطلعات الشعب اليمني، مؤكداً أن زمن الوعود قد ولى.
ووفقاً للمعلومات، كان وفد المعارضة صريحاً خلال لقائه السفراء الأجانب من خلال مطالبتهم بأن يعمد صالح إلى التوقيع على المبادرة الخليجية أولاً، ثم تبدأ المعارضة التعاون والحوار مع نائب الرئيس. وشدد الوفد على أن ما دون التوقيع على المبادرة والحوار سيكون تكراراً للسيناريو القديم، الذي عايش اليمن فصوله طوال الأشهر الماضية، وجعل المعارضة تتيقن من غياب أي نية جدية لدى صالح للتنحي عن السلطة.
سبب إضافي يبرر حذر المعارضة، يتمثل في شيطان التفاصيل الكامنة في أي اتفاق يتحدث عنه صالح، بعدما شددت المتحدثة باسم المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية، حورية مشهور، أمس في حديث مع «الأخبار» على أن بنود الاتفاق التي يروج لها البعض بما في ذلك الاتفاق على نائب الرئيس رئيساً انتقالياً لمدة سنتين، والموافقة على بقاء صالح في منصبه حتى موعد اجراء الانتخابات هي محض خيال.
وتؤكد مشهور أن قرار مجلس الأمن «2014» الذي صدر في الواحد والعشرين من الشهر الماضي وما تضمنه من بنود إلى جانب بنود المبادرة الخليجية وما جرى التوافق عليه مع المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، جمال بن عمر، وحدها تمثل إطار أي اتفاق مع الحزب الحاكم، مشددةً على أن كل ما يشاع غير ذلك هو في غير محله، لأن الموافقة هي على أن تسلّم السلطة فوراً من صالح الى نائبه، على أن تليها دعوة الى انتخابات رئاسية وتأليف حكومة من المعارضة وإعادة هيكلة الجيش قبل الانتخابات لا بعدها.
كذلك أكدت مشهور على أن المعارضة غير معنية بأي اتفاق بخلاف ذلك، لأن المعارضة في نهاية المطاف هي لسان حال الشارع اليمني، ولا يمكن أن تقدم على انتحار سياسي بالموافقة على ما يرفضه المحتجون، مذكرةً بأن المعارضة اضطرت إلى قبول المبادرة الخليجية على الرغم من عدم تلبيتها سوى الحد الأدنى من مطالب الثورة، المتمثلة في تنحي الرئيس اليمني عن السلطة.
وعن الأسباب التي دفعت صالح إلى إعادة إحياء الحديث عن قرب التوصل إلى حل، انطلقت مشهور من قرار مجلس الأمن الدولي، المتوقع أن يعاود الاجتماع بعد قرابة الأسبوعين ليستمع إلى تقرير جديد عما تحقق من تطورات منذ صدوره. ودعت مشهور إلى النظر إليه بإيجابية، ولا سيما بنده الذي لا يعطي حصانة لانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في اليمن، وذلك بالتزامن مع توجيهها دعوة إلى الرئيس اليمني إلى تحكيم عقله، والاستفادة من الفرصة المتاحة له بالتنحي عن السلطة.
بدوره، تطرق المعارض اليمني، وعضو المجلس الوطني لقوى الثورة السليمة، نائف القانص في حديث مع «الأخبار» أمس إلى قرار مجلس الأمن الدولي، وعلى نحو خاص إلى الموقفين الروسي والصيني، اللذين سمحا بصدوره بالإجماع. وبعدما رأى القانص أن روسيا كانت واضحة منذ البداية أنها لن تكون مع طرف ضد آخر في اليمن، أوضح أن موافقة روسيا على قرار مجلس الأمن أعاد إليها شعبيتها في اليمن، وهي الحال نفسها مع الصين، التي أتت موافقتهما على القرار بمثابة رسالة واضحة إلى صالح، تفيد أن هاتين الدولتين غير مستعدتين لأن تذهبا في دعمه إلى ما لا نهاية. وهي الرسالة التي نُقلت إلى المعارضة اليمنية، التي يقوم أبرز أعضاؤها منذ مدة بجولة على عدد من عواصم القرار الغربية والعربية، في محاولة منه لتضييق الخناق الدبلوماسي على صالح.
كذلك أشار القانص إلى سبب إضافي من المرجح أن يكون قد دفع صالح إلى البدء بالتفكير في قليل من العقلانية، يتمثل في «النهاية الجريئة والبشعة التي أودت بحياة الزعيم الليبي معمر القذافي»، وخصوصاً بعدما تبين لصالح أن «القذافي الذي يعد أكثر منه قوة ومالاً ونفوذاً انتهت به الحال مقتولاً على أيدي شعبه»، ليكون سقوطه دليلاً إضافياً لصالح على أن تشبثه وأبناءه بالحكم سيحمل معه مخاطر من بينها الموت.