رام الله | منذ سنوات خلت، وهناك دعوات ومطالبات بحل السلطة الفلسطينية. هذا المطلب بدأ بعد فشل الخيار التفاوضي مع الاحتلال لأكثر من عقدين، ولتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن إدارة حياة الفلسطينيين، طالما أنهم تحت الاحتلال، وأن سلطتهم لا تستطيع فعل شيء في مواجهة جيش إسرائيلي يقرر حينما يشاء استباحة «السيادة الفلسطينية»، التي من المفترض أن تكون مؤمنة تحت سقف السلطة.
حل السلطة عاد بقوة في الآونة الأخيرة، مع بوادر فشل خيار التوجه إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وطرحه الرئيس الفلسطيني على المجلس الثوري لحركة «فتح» قبل نقله إلى المستوى العربي خلال اجتماع لجنة المتابعة للمبادرة العربية، التي ألفت لجنة للبحث في «خيارات» ما بعد التوجه إلى الأمم المتحدة. ويشار إلى أن التلويح الأول بحل السلطة كان من على منبر المنظمة الدولية، حين قال أبو مازن إنه «لا لزوم لسلطة لا تمتلك السلطة الحقيقية على الأرض».
«الأخبار» تجولت في المدن الفلسطينية وجمعت بعض آراء المواطنين بشأن فكرة «حل السلطة». البداية كانت من سلفيت (شمال الضفة الغربية)، حيث كان اللقاء مع محمد أبو علان من سلفيت، الذي قال «نعم، أنا مع الفكرة، لكن ليس على نحو فوري، وفكرتي تقوم على أساس إعلان الرئيس الفلسطيني فترة زمنية لمدة ستة شهور، يدعو خلالها المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته تجاه الدولة الفلسطينية، وإن عجز المجتمع الدولي عن ذلك، وهذا ما سيكون، يصار إلى التوجه إلى هذا القرار، وأن يأتي حل السلطة بعد هذه المدة، على أن يرفق حلها بالتخلي عن كل الاتفاقيات التي وُقعت مع الاحتلال الإسرائيلي قبل إنشاء السلطة الفلسطينية وبعده».
لكن علي دراغمة من نابلس، رأى أن السلطة الفلسطينية رغم ضعفها، نجحت في تسجيل بعض الإنجازات، ولا يمكن لي أن أجيب بنعم أو لا، «أنا مع حل السلطة الفلسطينية اذا بقيت الأمور كما هي عليه الآن، لأنه لا يمكن قبول الوضع الحالي مطلقاً».
عميد دويكات من مدينة نابلس أيضاً، قال إن الفراغ الذي سيتركة «حل السلطة» ستكون آثاره كبيرة وعواقبه وخيمة، «حالة الفلتان التي سادت سابقاً في الأراضي الفلسطينية، يمكن أن تتكرر على نحو أكبر إذا حُلت السلطة، وبالتالي حل السلطة سيترك آثاراً كارثية من الناحية الأمنية، كما أننا نتحدث عن اقتصاد متخلخل وهش»، ويتساءل «كيف سيكون مصيره إذا حُلت السلطة؟».
أما أحمد البرغوثي من مدينة رام الله، فلم يتردد بالقول «أنا مع التعامل مع حل السلطة كخيار نهائي، وكرد نهائي في ظل التعنت الإسرائيلي والدعم الأميركي المطلق للاحتلال الإسرائيلي»، ويضيف أحمد، لكن أن يكون هذا الخيار موضوعاً على طاولة النقاش لاتفاق كل الفصائل على البديل، وإجراء استفتاء شعبي، قبل اتخاذ خطوة كهذه، على أن تتبعها مباشرة خطوة أخرى متمثلة في عصيان مدني شامل، وأن تكون هذه خطوة من خطوات التحرر «لا هروباً من المسؤولية».
الصحافة الإسرائيلية قالت إن هناك خطة مفصلة لدى القيادة الفلسطينية لحل السلطة، وهو ما نفته حركة فتح نفياً قاطعاً على لسان الناطق باسمها د. فايز أبو عيطة، الذي رأى أن هذه الشائعات الإعلامية بمثابة حرب نفسية، ومحاولة لإرباك الساحة الفلسطينية، وشغلها عن المعركة الأساسية المحتدمة في أروقة الأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. أبو عيطة يؤكد أن رؤية حركة «فتح» للسلطة الفلسطينية تتلخض في أنها إنجاز كفاحي ونضالي وطني، وثمرة لتضحيات الشعب الفلسطيني، وأن مؤسسات هذه السلطة هي نواة لمؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.
لكن فتح ورغم النفي الأولي الذي صدر عن الحركة لمواجهة ما نشرته الصحافة الإسرائيلية، إلا أن الأكيد أن هناك بحثاً مستفيضاً لوضع السلطة الفلسطينية داخل أروقة الحركة، وحتى منظمة التحرير برمتها، فقد صدر قرار عن المجلس الثوري لحركة «فتح» بـ «تأليف لجنة من اللجنة المركزية والمجلس الثوري وأعضاء مختصين لوضع تصور وآليات المرحلة القادمة ومستقبل السلطة الوطنية في ضوء استمرار العدوان والاحتلال الإسرائيلي»، فيما ألفت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لجنة مشابهة، وهو ما يؤكد صحة ما نشر في الإعلام العبري.
المجلس الثوري قال في بيان رسمي صدر عنه، بعد اجتماعات استمرت عدة ايام في رام الله إنه «عرض بإسهاب واقع الحكومة الفلسطينية وواقع منظمة التحرير، وأوصى بضرورة إجراء مراجعة شاملة للمهمّات والأدوار وتفعيل المؤسسات بما يعزز استراتيجية المرحلة القادمة».
المحلل السياسي الفلسطيني د. عبد الستار قاسم، المرشح السابق للرئاسة الفلسطينية، تحدث لـ «الأخبار» عن الموضوع معتقداً بأنه لا الرئيس عباس ولا غيره من القيادة الفلسطينية يستطيع حل السلطة الفلسطينية، وذلك لأسباب داخلية وخارجية بالغة التعقيد. وأضاف «من الناحية الداخلية (تورطنا) بعشرات آلاف الموظفين، وقد يصل عددهم إلى 180 ألف موظف، وبالتالي فإن حُلت السلطة فكيف نتدبر أمورنا؟»، كما أن هناك الكثير من المؤسسات يقول قاسم، مثل مستشفيات، مدارس، وغيرها الكثير، والسؤال من سيديرها بعد حل السلطة؟
أما من الناحية الخارجية وعلى مر السنوات، فقد أصبح هناك العديد من الارتباطات بين السلطة الفلسطينية من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، وهي ارتباطات يصعب فكها بسهولة. وفي رأي قاسم فإن إسرائيل لا يمكنها إعادة الاحتلال كما في السابق «لأنه طوال سنوات الاحتلال كان يبحث عمن يدير حياة المواطنين الفلسطينيين بثمن رخيص بالنسبة إليه، وبالتالي فالأمور معقدة إلى حد بعيد في ما يتعلق بهذه الفكرة».




سري: الخيار جدّي


أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط روبرت سري أن على إسرائيل التعامل بجدية مع إمكان حل السلطة الفلسطينية واندلاع موجة عنف في الضفة الغربية، وطالب تل أبيب بالعودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين. وقال، في مقابلة مع صحيفة «هآرتس»، إن «على إسرائيل أن تأخذ بجدية تهديدات (الرئيس الفلسطيني) محمود عباس (الصورة) بالاستقالة وحل السلطة الفلسطينية، وإذا جرى ذلك فعلاً فإن المجتمع الدولي لن ينقذ إسرائيل». وأضاف سري إن حكومة بنيامين نتنياهو والجمهور الإسرائيلي «ليسا منصتين كفاية إلى الأصوات اليائسة التي تصل من رام الله، وإلى عواقبها الخطيرة». وشدد على أن «الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن الوضع جيد، لأنه لا يوجد عنف». وتابع «لكن من أجل أن تستمر السلطة الفلسطينية في التزامها بالتعاون الأمني مع إسرائيل فإنه يجب أن يكون هناك أفق
سياسي».
وقال سري إن «الوضع محزن ومتناقض، فمن جهة، تقدم الفلسطينيون كثيراً في بناء الدولة، لكن من الجهة الأخرى، وبسبب غياب المفاوضات بدأ الفلسطينيون يتساءلون ما إذا كان هذا هو التوجه الصحيح، وهذا التفكير يجب أن يقلق الحكومة والجمهور في إسرائيل، وإذا بقيت الحال هكذا فإن الوضع الأمني الجيد في الضفة لن يستمر على هذا النحو».
(يو بي آي)