بدت الهدنة التي أُعلنت بين فصائل المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، أمس، كمولود لقيط تهرّبت دولة الاحتلال من الاعتراف به، بعدما فجّرت تصعيداً أمنياً من خلال تصفية 5 كوادر من حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة يوم السبت، وهو ما قُوبل بردّ عسكري قوي من جانب عدد من الفصائل التي قصفت الدولة العبرية بصواريخ أدّت إلى مقتل شخص وإصابة آخرين، بينما رست حصيلة الشهداء الفلسطينيين على 9. ورغم إعلان فصائل فلسطينية تبلُّغها هدنة رُتِّبَت بوساطة مصرية، وكان يجب أن تبدأ عند الثالثة من فجر السبت ـــــ الأحد، شنّت المقاتلات الإسرائيلية 10 غارات جديدة فجر أمس، استهدفت أرجاءً متفرقة في قطاع غزة، ليرتفع عدد الضحايا الفلسطينيين إلى 9، هم من أعضاء «سرايا القدس»، الذراع المسلحة لحركة «الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الديموقراطية»، بينما قُتل إسرائيلي في عسقلان، وأصيب 8 آخرون جراء سقوط صواريخ فلسطينية على تجمعات إسرائيلية. وقال قيادي في «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين»، إنّ الغارات تواصلت «بالرغم من إبلاغ الاستخبارات المصرية الفصائل التوصل إلى اتفاق تهدئة كان يفترض أن يدخل حيز التنفيذ الساعة الثالثة فجراً». وحذّر القيادي نفسه من أن استمرار الغارات يجعل الفصائل الفلسطينية «في حلّ من هذا الالتزام». ولم تستتبّ الهدنة إلا نحو ثماني ساعات قبل أن تهاجم طائرة اسرائيلية صباحاً نشطاء فلسطينيين قال الجيش إنهم كانوا «على وشك إطلاق صواريخ» من جنوب غزة. وفي الجانب الإسرائيلي، أوضحت الإذاعة العامة لدولة الاحتلال أنّ شخصاً قُتل وأصيب 8 آخرون بجروح، و14 بحالة صدمة، جراء سقوط أكثر من 30 قذيفة صاروخية على مدن وتجمعات محاذية لقطاع غزة. وأعلنت كل من «سرايا القدس» (الجهاد الإسلامي)، و«كتائب شهداء الأقصى» (حركة فتح)، و«كتائب أبو علي مصطفى» (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين) و«كتائب المقاومة الوطنية» ومجموعات أخرى على نحو منفصل مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ. وكان لافتاً عرض «سرايا القدس» شريطاً مصوراً تظهر فيه راجمة صواريخ متعددة الفوهات محمولة على شاحنة، وهي تطلق عدة صورايخ من نوع «غراد» على نحو متتابع تجاه البلدات الإسرائيلية، وهي تستخدم لأول مرة في قطاع غزة. وكان موقف «الجهاد الإسلامي» من التهدئة مشروطاً، إذ أشار المتحدث باسم الحركة داود شهاب إلى أن تنظيمه تجاوب مع الجهود المصرية لتثبيت التهدئة «مع حقنا في الرد على أي تصعيد مستقبلي»، ومؤكداً أن «عودة الهدوء مرتبطة بسلوك الاحتلال ميدانياً».
في المقابل، نفى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأنباء التي تحدثت عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بوساطة مصرية. وقال، في افتتاح جلسة الحكومة الأسبوعية في مدينة صفد، «ليس هناك وقف لإطلاق النار والجانب الثاني سيدفع أثماناً أكثر قساوة مما دفعه حتى الآن». وحمّل «بيبي» حركة «حماس» مسؤولية الحفاظ على الهدوء ومنع إطلاق الصواريخ من القطاع حتى لو كان المنفذ هو «الجهاد الإسلامي». وواصل نتنياهو الحديث بلهجة تهديدية، مع تأكيده أنه «ليس معنياً بتدهور الأوضاع مع القطاع»، لكنه شدد في الوقت نفسه، على أن «إسرائيل ستدافع عن نفسها على أساسين واضحين: من يبادر إلى قتلكَ فسارع إلى قتله، وكل من يستعد لإطلاق صواريخ على إسرائيل سنستهدفه من أجل إحباط إطلاقها، ومن يمس بنا يحمل دمه على كفه». وتابع «أنصح بأن لا يجرب أحد اختبار تصميمنا على العمل وفقاً لهذين الأساسين، لأننا لا نلجأ الى تصريحات نارية ولسنا معنيين بالتصعيد، لكننا سندافع عن أنفسنا ». وبرر العدوان الذي أودى بحياة 5 كوادر من «الجهاد الإسلامي» بأنهم كانوا يعملون «على تحضيرات لإطلاق الصواريخ على اسرائيل».
وذكرت مصادر عسكرية إسرائيلية أن جيش الاحتلال لن يكون معنياً بتصعيد الموقف إذا ما جرت صيانة الهدوء في المنطقة الجنوبية، كما أشارت المصادر إلى أن الجيش سيعود إلى ممارسة سياسة «الإحباط المركَّز» لعناصر يعتقد بأنهم خطرون، بما يضمن عودة الهدوء الى المنطقة على المدى البعيد. وذكرت تقارير صحافية إسرائيلية أنه سبق للجيش أن تقدّم إلى حكومة نتنياهو بخطة هجومية تستهدف «الجهاد الإسلامي» في غزة، غير أن المستوى السياسي فضّل التريُّث وإعطاء فرصة لوقف إطلاق النار. وبناءً على ذلك، قررت قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الامتناع عن مبادرات هجومية، واكتفت بالعمل على إحباط عمليات إطلاق صواريخ مزمعة.
بدوره، طالب وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، يتسحاق اهارونوفيتش، بالرد بصرامة على الهجمات الصاروخية الفلسطينية، وبإصابة كل من يطلق الصواريخ على التجمعات السكنية الإسرائيلية. وتوقع اهارونوفيتش أن هذه الهجمات ستستمر خلال الساعات المقبلة وربما خلال أيام، وهو ما برّر للدولة العبرية إقفال مدارس المنطقة الجنوبية، والطلب من السكان لزوم منازلهم. وعلت النبرة التصعيدية من خلال تشديد نائب رئيس الوزراء، سيلفان شالوم، على أنه «في نهاية المطاف، سيكون ضرورياً شن عملية عسكرية في غزة»، وهو ما فعله الرئيس شمعون بيريز، الذي رأى أن إطلاق الصواريخ من غزة هو « إعلان الحرب»، وعلى «حماس أن تتحمل النتائج القاسية لأفعالها».
وكانت لافتة إشارة صحيفة «هآرتس» إلى أن «الجهاد الإسلامي» استخدمت حتى الآن صواريخ مداها 40 كيلومتراً، «لكن المؤسسة الأمنية تدرك أن لدى فصائل غزة، وبالذات سرايا القدس، صواريخ تستطيع ضرب تل أبيب وهرتسليا، مما يعني وضع معظم سكان الدولة في الملاجئ».
وسارعت كل من روسيا والاتحاد الأوروبي إلى محاولة احتواء الموقف؛ من جهة، حذرت وزارة الخارجية الروسية من التصعيد الأمني، داعيةً الطرفين إلى وقف العنف والالتزام باتفاق وقف اطلاق النار، ومن جهة ثانية، أعربت مفوضة السياسات الأمنية والخارجية للاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون، عن «قلقها» من عمليات تبادل اطلاق النار بين إسرائيل وقطاع غزة، وانتقدت الذين يستهدفون المدنيين.
(الأخبار، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)