صنعاء | علّق أحد الصحافيين اليمنيين على قرار مجلس الأمن الرقم 2014 الخاص باليمن ساخراً: «إن الرئيس علي عبد الله صالح سيعتقد أن هذا القرار جاء لمصلحته على نحو كبير، قائلاً بتمديد فترته الرئاسية المُفترض نهايتها في عام 2013 إلى عام 2014». لكن يبدو هذا التعليق الساخر أقل من نيات صالح، التي قرر السير في تنفيذها على الأرض من خلال ذهابه في حسم الأمور لمصلحته ميدانياً من طريق الحرب التي يشنها على مناطق واسعة من العاصمة صنعاء منذ عودته من العاصمة السعودية الرياض، وأوقعت عشرات القتلى والجرحى في النصف الشمالي من العاصمة صنعاء الواقع تحت سيطرة قوات الفرقة أولى مدّرع وأنصار الشيخ صادق الأحمر القبلية. تصعيد عسكري لافت يتناقض تماماً مع الرسالة التي قال صالح إنه أبلغها إلى الإدارة الأميركية عبر سفيرها في صنعاء جيرالد فيرستاين بأنه «سيستقيل من منصبه قريباً». وجاء هذا إثر صدور قرار مجلس الأمن الخاص باليمن، ما دفع صالح على الفور إلى إعلان ترحيبه به، مؤكداً التزامه التنفيذ وإعلان تنحيه عن السلطة. لكنه باستمرار يقول هذا ولا جديد في الأمر. وفي محاولة لإظهار جديته، عقد صالح اجتماعاً بفيرستاين وأخبره، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية «سبأ»، أنه جاهز لتوقيع المبادرة الخليجية والتمهيد لنقل السلطة سلمياً. لكن ظهر لاحقاً أن ذلك اللقاء قد جرى بطلب من صالح، وأنه لم يجرِ التطرق مطلقاً لموضوع المبادرة، وذلك عبر تصريحات للسفير الأميركي الذي أكد في حوار له مع صحيفة «الصحوة» المحلية أنه لم يطلب لقاء صالح، وأن الإدارة الأميركية قد أوقفت تخاطبها مع صالح بعد عودته من الرياض، مكتفيةً بالتواصل مع نائبه عبد ربه منصور هادي. ما يعني أن صالح لا يزال مدمناً اللعب على ورقة الوقت وأنه لا يزال محتفظاً في جعبته بمزيد من الألاعيب والحيل التي ستمنحه فرصة البقاء حتى نهاية فترته الرئاسية أو البقاء حتى انتخاب رئيس جديد على أقل تقدير. وهو ما ظهر فعلاً نهاية الأسبوع الفائت عبر مسوّدة وثيقة قام وزير الخارجية اليمني، أبو بكر القربي، بتسليمها لسفراء دول مجلس التعاون الخليجي في صنعاء وممثل الاتحاد الأوروبي، تحتوي على بنود للآلية التنفيذية المُزمنة للمبادرة الخليجية تهدف إلى «التعامل الإيجابي» مع قرار مجلس الأمن. ومن أهم بنود تلك الوثيقة أن يوقّع النائب المبادرة بعد الحوار والتوافق على التعديلات عليها وإجراء انتخابات رئاسية في غضون تسعين يوماً بإدارة وإشراف اللجنة العليا للانتخابات الحالية المُؤلفة من صالح نفسه. وفي مرحلة تالية تسمي المعارضة مرشحها لرئيس الحكومة ويصدر قرار جمهوري بتكليفه، على أن تكون قرارات الحكومة توافقية وما تعذر الاتفاق عليه يُرفع إلى النائب للفصل فيه. ولم توضح الوثيقة مسألة استقالة صالح من عدمها، ما يعني نيته البقاء في سدة الحكم حتى انتخاب رئيس جديد. ولم تتطرق كذلك لمسألة إعادة هيكلة الجيش الذي يسيطر عليه نجل صالح وأقاربه. لكن يبقى البند الأكثر غرابة في الوثيقة، الذي جاء بقوله بضرورة منح الحصانة لصالح، على أن يصوّت نواب المعارضة معها أيضاً.
ومن الواضح هنا أن هذه الوثيقة المقترحة من النظام ليست سوى تحايل بيّن من صالح ورغبته في نسف أي إمكان للتوصل إلى اتفاق ينهي الحالة القائمة. وهي رغبة يعززها لديه بعض ما جاء في قرار مجلس الأمن بشأن اليمن. وهو حسب الكاتب خالد عبد الهادي يمنح صالح فرصة اللعب بهدوء والتحايل على نقل السلطة، مستفيداً من عامل الوقت. وأشار خالد في حديث مع «الأخبار» إلى أن البند الثاني عشر يمنح الأمين العام للأمم المتحدة ثلاثين يوماً لتقديم تقرير تقويمي إلى مجلس الأمن بشأن تنفيذ القرار، أمّا ما سيلي هذا التقرير من تقارير أخرى فمدة كل واحد منها 60 يوماً. ويضيف: «هذه مدة كافية تماماً لصالح كي يقلب الأوضاع ميدانياً لمصلحته، من غير أن يعلن الحرب الشاملة كي لا يلفت انتباه المجتمع الدولي، هادفاً إلى تضليله. فقد أعلن ترحيبه بقرار مجلس الأمن». ويشير عبد الهادي إلى أن صالح، الذي منح المعارضة ثلاثة أيام ابتداءً من يوم الجمعة للدخول في حوار مع حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم من أجل الاتفاق، قادر خلال ثلاثين يوماً فقط على سحق أي مقاومة أمامه ثم يخرج، داعياً الأطراف السياسية إلى الحوار بعد أن يكون قد أنهكها ميدانياً.
لكن صالح يشن بالفعل منذ عودته من الرياض حرباً متقطعة على مناطق مختلفة من العاصمة صنعاء وتلك الواقعة تحت سيطرة القوات الموالية للثورة وكذلك التابعة لأنصار الشيخ صادق الأحمر. لكن المحلل السياسي المستقل، علي الضبيبي، يرى أن صالح «يتصرف اليوم بطريقة الرجل المعزول أو المحاصر الذي استنفد كل أوراقه، محاولاً استنهاض ما بقي من حزبه وجيشه ليدفعوا عنه الأخطار، لكنه لن يستطيع تفجير حرب شاملة».
ويشير الضبيبي، في حديث لـ«الأخبار»، إلى أن رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام يدرك جيداً أن القبائل المحيطة بصنعاء لم تدخل على خط المواجهة بعد وأنها لا تزال في طور صد الأذى الواقع عليها منه. «كذلك لا يمكنه تحقيق انتصارات حاسمة على قبيلتي أرحب ونهم على وجه الخصوص. فعدد سكان أرحب وحدها يقارب 90 ألف نسمة، غالبيتهم مدربون على القتال، ولديها بنية اجتماعية متماسكة، وهي القبيلة الأكثر تهديداً لمطار صنعاء الدولي ولقاعدة الديلمي الجوية الملاصقة له. وهي قبيلة شرسة متمرسة على الحروب والثأر».
لذلك، تبدو فكرة إعلان الحرب المفتوحة على كل الجبهات فكرة مستبعدة في ضوء هذه المعطيات، وعلى وجه الخصوص بعد الإخفاقات المتكررة التي لقيتها قواته في منطقة الحصبة، حيث لا يزال العناصر التابعون للشيخ القبلي صادق الأحمر مسيطرين عليها، إضافة إلى بقاء معسكر الحرس الجمهوري المرابط في منطقة أرحب تحت الحصار منذ نحو أربعة أشهر ويتوقع سقوطه بين لحظة وأخرى. كذلك إن إعلان الحرب الشاملة وتفجير الأوضاع على مختلف المحاور في ظل احتمال كبير بظهور انشقاقات كبيرة في الجيش، الذي لا يزال في صف صالح وأقاربه، وذلك بالنظر إلى غياب الروح القتالية والمعنوية لجنود يدركون أنهم يخوضون حرباً عبثية لإنقاذ فرد وحكم عائلة، على العكس من دوافع حرب صيف عام 1994 التي كان هؤلاء الجنود يخوضونها تحت «راية الوحدة وحماية الوطن من أخطار الانفصال».
فلا يعود هنا أمام النظام غير الاعتماد على حروب ليلية تهدف إلى استنزاف قوات الفرقة أولى مدرع التابعة للواء المنشق علي محسن الأحمر وكذلك إنهاك العناصر المقاتلين في صفوف الشيخ صادق الأحمر. وخلال هذه الضربات المتقطعة يمكنه الذهاب إلى طاولة الحوار مجدداً. وهي الدعوة التي عاود أطلاقها يوم الجمعة لقادة أحزاب المعارضة تحت بند إيجاد آلية تنفيذية لقرار مجلس الأمن هذا من جهة، ومن جهة أخرى كي يبدو جاداً أمام مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر والأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني المتوقع وصولهما إلى صنعاء خلال يومين لمتابعة تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 2014. لكنها دعوة قوبلت بالرفض من أحزاب اللقاء المشترك، التي ورد على لسان الناطق الرسمي لها، قوله إن على علي صالح أن يعرف أنه لم يعد رئيساً لليمن.