القاهرة | منذ اليوم الذي بدأت فيه الدولة حربها ضد جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر، أصبحت كلمة الإرهاب أسهل حجّة في فم النظام، لتبرير إجراءات استثنائية، كفرض الطوارئ في سيناء، وتوسيع دائرة الاشتباه، والمحاكمات العسكرية.
نهاية ليل أول من أمس، وصلت القضية من اعتبارها مطارحة سياسية إلى شكل قانون، فقد أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قانوناً حمل اسم «مكافحة الإرهاب». وبرغم غرابة إصدار هذا القانون في ظل غياب البرلمان، فإن الأغرب هو أن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وحكوماته بدءاً من عام 2006 حتى 2010 كانوا يروجون لمثل هذا القانون باعتباره السبيل الوحيد لرفع حالة الطوارئ، لكنهم لم يجرؤوا على إصداره وعرضه على برلمان أغلبيته من أعضاء «الحزب الوطني»، حزب الرئيس، خشية من الاعتراضات الداخلية، ومن الانتقادات الدولية التي سيخلفها إصدار القانون.
حتى بعد قيام «ثورة 25 يناير»، ظلت فكرة وجود قانون مستقل للإرهاب قائمة في رئاسة المجلس العسكري، ومن بعده «الإخوان» مرورا بمرحلة المستشار عدلي منصور عقب «30 يونيو»، بل حتى خلال العام الأول لحكم عبد الفتاح السيسي، ولكن ظل كل ذلك في طور الإعداد والمقترحات وترجيح الاكتفاء بإدخال تعديلات تضمن تغليظ العقوبات واستحداث عقوبات للجرائم التي تصنف إرهابية في قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، كما أن حكومة إبراهيم محلب تحدثت في أكثر من مناسبة عن عدم وجود حاجة إلى إصدار قانون خاص لمكافحة الإرهاب يكرر ما جرى إدخاله بالفعل على قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية.
كل هذا ظل حبيس الجمر تحت الرماد، حتى جاء حادث اغتيال النائب العام هشام بركات في 29 حزيران الماضي، فكلف السيسي الحكومة إدخال تعديلات تشريعية على قانون الإجراءات الجنائية، مؤكدا أن «القوانين الحالية تغل يد العدالة». بناء على ذلك جمعت الحكومة كل التعديلات التي سبق أن أعدتها على القوانين في مسودة أطلقت عليها قانون مكافحة الإرهاب.
والملاحظ أن القانون تضمن استخدام مصطلحات فضفاضة لتعريف الجريمة الإرهابية وكل ما له علاقة بالإرهاب من دون معايير واضحة حتى لا يجري تطبيق تلك الإجراءات على الأشخاص العاديين. وأبرز مواد القانون هي المادة الرقم 8 التي تنص على «ألا يسأل جنائياً القائمون على تنفيذ القانون رجال الأمن إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال، وذلك كله متى كان استخدامهم هذا الحق ضروريا وبالقدر الكافي لدفع الخطر»، وهي المادة التي تطلق العنان لاستخدام رجال الشرطة ما يشاؤون في مواجهة كل من يعدونهم إرهابيين.
ومع أن الهدف المعلن من الرئيس وحكومته لإصدار القانون هو سرعة التقاضي فإن «قانون الإرهاب» خلا من النصوص التي تكفل ذلك بعدما اعترض مجلس القضاء الأعلى على مقترحات للحكومة، تجعل الحكم الصادر في أي من القضايا المتعلقة بالإرهاب حضورياً بحق المتهم إذا حضر وكيل عنه وأبدى دفاعه من دون الحاجة إلى إعادة النظر في القضية بعد القبض على المتهم.

خلا القانون من إجراءات تسرع التقاضي برغم تلميح السيسي إلى ذلك

كما جرى اعتراض آخر على بند يجعل الطعن في جميع الأحكام الصادرة في الجنايات والجنح المرتبطة بالإرهاب أمام محكمة النقض خلال 40 يوماً من تاريخ صدور الحكم بدلاً من 60 يوماً، إلى جانب إلزام محكمة النقض إصدار أحكام نهائية في القضايا التي تعرض عليها دون إعادتها مرتين إلى محكمة الجنايات، كما حدث في قضية مبارك التي جرى تعطيلها ثلاث سنوات بسبب هذا الإجراء، ومن ثم فإن «قانون الإرهاب» الحالي لن يلزم المحاكم أي إجراء يضمن سرعة إنجاز القضايا.
وبرغم أن القانون تضمن عقوبات كثيرة تبدأ من السجن المشدد وتنتهي بالإعدام فإن تلك العقوبات لا تختلف كثيراً عن العقوبات الموجودة في القوانين المصرية المعمول بها حاليا، فيما الأبرز في القانون هي المواد الخاصة بالصحافيين. وبينما استجابت الحكومة لاعتراضات الصحافيين على المسودة الأولى للقانون، التي حددت عقوبة الحبس سنتين لكل صحافي ينشر الأخبار المخالفة للبيانات الرسمية، ها هي تستبدل عقوبة الحبس، بأخرى، هي الغرامة التي قد تصل إلى 67 ألف دولار (500 ألف جنيه)، إلى جانب الحرمان من مزاولة المهنة لمدة تصل إلى 12 شهراً، وهو ما يتعارض مع قانون نقابة الصحافيين ويخلق شبهات عدم دستورية في القانون.
في الوقت نفسه، يشير القانون إلى أنه ستنشأ محاكم خاصة لمحاكمة من يقع تحت طائلة هذا القانون، كما يفصّل القانون الأحكام المتعلقة بجرائم الإرهاب المختلفة بما يراوح بين خمسة أعوام حتى عقوبة الإعدام، علما بأن تشكيل أو قيادة مجموعة تعد «كيانا إرهابيا» سيواجه المتهم فيه عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد بموجب القانون الجديد، كما يعاقب من ينتمي لمجموعة مثل هذه بالسجن لمدة عشر سنوات. أما تمويل «الجماعات الإرهابية»، فسيعاقب بالسجن المؤبد الذي يعادل في مصر 25 عاما، بينما سيعاقب التحريض على العنف بما في ذلك «نشر الأفكار التي تدعو للعنف» أو تأسيس واستخدام مواقع على الإنترنت لنشر مثل هذه الأفكار بالسجن لمدة تراوح بين خمسة وسبعة أعوام.