طرابس | تسيطر على الليبيين حالة من الجدل إثر خطاب رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل، الذي كشف فيه عن اعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً للقانون في البلاد، ما أثار تساؤلات كبيرة عن أسباب ذلك وقدرة المجلس على قيادة دفة البلاد وسط التحديات الكبرى التي تواجه ليبيا. لكن رئيس المجلس، الإسلامي التوجه، شدد على وجهة نظره، مؤكداً أن إعلانه «لا يعني تعديل أي قانون أو إلغاءه».
ويرى المحامي بدر الجهمي أن خطاب عبد الجليل كان لا بد من أن يمر على نقاط هوية الدولة الإسلامية، ما سيجعل الإسلاميين في البلاد ينضوون تحت راية المجلس الانتقالي، وهم في الفترة الحالية القوة الأكثر نفوذاً في البلاد. ويتابع قائلاً إن «معظم الثوار الذين عملوا لتحرير البلاد كانوا من خلفيات إسلامية، وعلى رأسهم عبد الحكيم بلحاج، وما زال السلاح في أيديهم. وبالتالي إن إعلان حكم مدني أو علماني لليبيا سيعني انقلاب التيار الديني لمواجهة المجلس، ولن يجد الإسلاميون أي صعوبة في تلقي الدعم من جهات خارجية، ما سيرجح كفتهم». ويستخلص أنه «كان على عبد الجليل احتواء التيار الديني منذ اللحظة الأولى، وخصوصاً مع صراع يلوح داخل المجلس بين الشيخ (علي) الصلابي ذي الشعبية الواسعة والليبرالي (رئيس المجلس التنفيذي) محمود جبريل».
أما الأستاذ الجامعي في قسم التاريخ، محمد النايض، فيقول إنّ من الطبيعي أن يعلن الرجل الهوية الإسلامية وأن تكون الشريعة مصدر القوانين في بلد مثل ليبيا من دون أن يعني ذلك إقامة دولة دينية، مشيراً إلى تجربة الدولة الدينية المطلقة التي فشلت كما في حكم حسن الترابي في السودان.
لكن هناك من يستغرب إصرار الحديث عن الهوية الإسلامية في أول كلمة لرئيس المجلس بعد التحرير، حسبما يرى الناشط المدني إياد المصراتي «فالقذافي كان من دعاة تطبيق الإسلام. وأذكر أنه كان يطبّق عقوبة الجلد مثلاً على النساء في التسعينيات بتهمة الزنى، ما يعني أن عبد الجليل لم يأت بجديد عن التشريع الديني. وربما أراد بذلك كسب أكبر فئة من الليبيين إلى صفوفه، إضافة إلى إيصال رسالة باستلهام نموذج إسلامي معتدل لحكم البلاد. ولعله يقصد الأتراك».
ويرى المصراتي أن عبد الجليل «بذلك يقع في ورطة كبرى، ففي تركيا اعتمد حزب رجب طيب أردوغان مبدأ الدين لله والوطن للجميع وأعطى للجميع حقوقهم في ظل دولة مدنية دستورية قوانينها وضعية، وهو ما لا ينطبق على الحال الليبية». ويحذر من سوء التعاطي مع الفكر الإسلامي وإغراق البلاد بقوانين «متشددة»، مشيراً إلى أن عبد الجليل «إن اتكأ على الهوية الإسلامية من دون النظر بعمق فيها فسيجر البلاد إلى فشل ذريع».
من جهتها، تبدو هناء الخالدي، الطبيبة والناشطة في قضايا المرأة، مستاءة بشدة من خطاب عبد الجليل، وخاصة في ما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية وتعدد الزيجات الذي تراه ضربة قاسية للمرأة الليبية. وتتساءل: «لماذا يكافئ الرجل الليبي على حساب المرأة؟ ففيما تتسابق دول العالم العربي لتعديل قوانين الأحوال الشخصية يأتي من يفترض أنه رجل ليبيا الأول بعد التحرير لينسف كل الحديث عن دولة عصرية ويعيدنا قروناً إلى الوراء».
لكن رئيس المجلس الانتقالي دافع عن تصريحه خلال مؤتمر صحافي في بنغازي، مشدداً على أن كلامه أول من أمس «لا يعني تعديل أي قانون أو إلغاءه». وقال: «أُطمئن المجتمع الدولي إلى أننا نحن الليبيين مسلمون، ولكننا من المسلمين الوسطيين»، متسائلاً: «لماذا لم يركّزوا على قولي إن أموال البعض ودماءهم وأعراضهم محرّمة على الآخرين. هذه أساسيات الدين الإسلامي، وهذه سلوكيات المسلم، وإذا التزم المسلمون هذه المبادئ الثلاثة، فلن يكون هناك خطر على أي تيارات أخرى».
وعما ذكره عن السماح بتعدد الزيجات، أوضح عبد الجليل: «عندما ضربت مثلاً بقانون الزواج والطلاق، أردته مثلاً فقط لأن ذلك القانون (الحالي) لا يجيز تعدد الزوجات إلا بإجراءات إذا لم تتوافر لتعذّر ذلك الأمر. بينما بنص قرآني تجيز الشريعة التعدد». وشدد على أن القرآن الكريم هو «الدستور الأعلى لكل المسلمين»، قائلاً: «نحن لدينا التزام بالأصول الإسلامية؛ فالربا من الأمور المحرمة، وهذا نص لا خلاف عليه». ونبه إلى الدستور المؤقت الذي أعد للمرحلة الانتقالية والذي تنص إحدى مواده على أن «الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في ليبيا»، وقال: «إن هذا الدستور هو قانون أساسي أولي، وإذا كان هناك أي نص قانوني أو لائحة تتعارض معه فيطبق روح المادة الموجودة في القانون الأساسي».
وفي السياق نفسه، رد الاتحاد الأوروبي على إعلان عبد الجليل على لسان مايا كوسيانسيتش، المتحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون، بقولها: «ننتظر من ليبيا الجديدة أن تستند إلى احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديموقراطية».
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو: «سنكون متيقظين بشأن احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديموقراطية (في ليبيا)، وخصوصاً التنوع الثقافي والديني والمساواة بين الرجال والنساء التي تتمسك بها فرنسا بثبات».
أما وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني، فقد ذكر على هامش مؤتمر «المرأة في البحر المتوسط»، أن «الشيء المهم هو أن الشريعة تسمح بحرية الدين وحرية بناء كنائس مسيحية في مصر وتونس. يجب أن تكون موجودة في ليبيا».
إلاّ أن السفير الليبي لدى روما عبد الحافظ قدور، قال في المؤتمر نفسه والمنعقد في روما، إن بلده «دولة مسلمة وليست دولة للإسلاميين ولن تكون» كذلك.