غزة | غداً تحضن رايقة، التي أطفأت شمعتها المئة، ابنها الأسير سليم الكيالي (58 عاماً)، الذي حُرمت منه لأكثر من ثلاثة عقود. وضعت صورة كبيرة لسليم، الفتحاوي، على واجهة منزله كُتب عليها «أهلاً وسهلاً بالقائد البطل». وما إن نُشرت قائمة أسماء الأسرى المنوي الإفراج عنهم، حتى بدأت العجوز باستقبال المهنئين في بيت ابنها الذي تعيش فيه مع زوجته أم دعاء. شقيقه حسن يقول «أسعد لحظات الحياة عندما تعانق أمي شقيقي سليم. نحن لم نره منذ 1996 لأننا حرمنا زيارته في سجنه». ويضيف «أخيراً سيرى حبيبي سليم حفيدته من ابنته الوحيدة دعاء (29 عاماً)». وفي مخيم خان يونس ترتسم ابتسامة عريضة على وجه الحاج إبراهيم والد الأسير يحيى السنوار، الحمساوي، وهو يستقبل وفوداً فصائلية وأقاربه يقدمون التهنئة. ويراقب الرجل أحفاده وهم يقدمون الحلوى والقهوة العربية للضيوف، لكنه لا يخفي قلقه من «كذب اليهود وعدم التزامهم» بتنفيذ الصفقة.
جهاد، الذي كان يبلغ ستة أشهر حين حرموه من والده خميس عقل، يحتضن صورة لوالده ويقول «لحظات لا تصدق... لا أعرف ماذا يمكن أن أفعل. هذا أسعد يوم في حياتي».
ويعكف أهالي الأسرى ونشطاء من الفصائل المختلفة على تزيين الشوارع الرئيسة بالأعلام الفلسطينية وصور الأسرى وتوزيع الحلوى احتفالاً بتحرير الأبطال.
في هذه الأثناء، أسئلة كثيرة تدور في ذهن الغزاويين حول ما سيكون عليه المشهد المقبل. ويقول المواطن مهند عنتر إن إسرائيل ستعمل على فكّ جزئي للحصار مع إطلاق سراح شاليط، على اعتبار أن سبب تشديد الحصار الذي فرضته بعد سيطرة «حماس» على قطاع غزّة قد زال. ويرجّح أن يشهد القطاع إعادة فتح المعابر، وخاصة المنطار، ولو جزئياً، وإدخال بعض المواد التي كانت ممنوعة في السابق، كالسيارات ومواد البناء، والأغذية والآلات والمستحضرات الطبية، على نحو طبيعي، شرط ألا تدخل في تصنيع الصواريخ التي تستخدمها المقاومة.
ويشير عنتر إلى العلاقة المتوترة بين إسرائيل وسوريا، ويقول «إسرائيل تحاول خلق نوع من التوازن في الشرق الأوسط، فهي قلقة من الوضع السوري، ومن المعروف أن «حماس» داعمة ومؤيّدة للنظام، وهناك احتمال تغيير موازين القوى في سوريا واندلاع حرب معها، وإسرائيل لا تريد فتح أكثر من جبهة على نفسها، لذلك فإن أفضل طريقة لهذا التوازن هي تخفيف الحصار الذي بدوره سيخفف من الاحتقان المترسّخ بينها وبين القطاع».
لكن في المقابل، فإن وصف بعض الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية الصفقة بأنّها ليّ ذراع وانهزام أمام المقاومة، لأنّها فرضت شروطاً لم تكن مقبولة لديها من قبل، دفعت أكرم الشوا إلى إبداء تخوّفه من تشديد الحكومة الإسرائيلية الحصار على غزة بغية جرّ الفلسطينيين إلى المواجهة، كي تردّ اعتبارها أمام شعبها.
أما محمد البابا فيرى أنّه يمكن استثمار عملية التبادل في تعزيز المفاوضات الفلسطينية، من أجل تحقيق مكاسب سياسية ووطنية، وإعادة ترتيب الوضع الفلسطيني الداخلي، مشدداً على أن يكون الشغل الشاغل الآن هو كيفية رفع الحصار عن غزة من خلال الوحدة الوطنية.
ويبدو جلياً أنّ مصر كان لها الدور الأساسي في إنجاز عملية التبادل، في ظل وجود العلاقة الحساسة مع الإسرائيليين، وهو ما يجعل العديد من الناس يعتقدون بأن دورها لم ينته، وأنها ستعمل على استئناف المفاوضات غير المباشرة بين «حماس» وإسرائيل لرفع الحصار، وهو ما أكّده مصدر مصري مسؤول، موضحاً أن ملف المعابر يعتمد على «حماس» في أن تقبل بوجود مراقبين دوليين إضافة إلى ممثلين عن الرئاسة الفلسطينية.