بنغازي | الخلافات بين محمود جبريل، الرقم الأقوى في معادلة الثورة الليبية، والإسلاميين، بدأت تطل على السطح وتقسم أنصار الثورة في الداخل والخارج إلى قسمين، ليهمل الطرفان الاهتمام ببدء العملية الديموقراطية، وما يصاحبها من مصالحة وطنية وبناء مؤسسات وترميم ما خرب من البنية التحتية.الصراع بين جبريل والإسلاميين تحوّل إلى تراشق عبر وسائل الإعلام العالمية، وبدأ ينعكس على مؤيدي الثورة الليبية، ولا سيما أن كلاً من القطبين يعزز مواقعه، الإسلاميون على الأرض وجبهات القتال، بقيادة قطبهم البارز علي الصلابي، وجبريل عبر مؤسسات الدولة والعلاقات الدولية التي يجيد نسجها بدهاء. وكرر الزعيم الإسلامي الذي يحظى بتأييد قطر والذي اضطلع بدور مهم في تمويل المقاتلين المعارضين لمعمر القذافي وتسليحهم، في تصريحات قبل حوالى أسبوعين أنه «بدأت ملامح دولة استبدادية قادمة تلوح في الأفق يقودها جبريل تعتمد أسلوب تكميم الأفواه بالمال والسلطة». وذهب الشيخ الصلابي الى حد اتهام جبريل بـ«سرقة الثورة». ويقول مسؤول رفيع المستوى في المجلس الانتقالي، رفض الكشف عن اسمه، إن «المشكلة هي ليست بين العلمانيين والإسلاميين، لكن جبريل يريد أن يقدم الأمور على هذا النحو للعالم». ويوضح أن «الليبيين مسلمون معتدلون، وليس لدينا متطرفون إلا بعض الأفراد». ويتابع إن المعركة هي بين الوطنيين وغير الوطنيين (...) فالوطنيون هم الذين لا يملكون أجندة خاصة، بل إنهم شاركوا في التحرير من أجل العزة والكرامة والحرية، فيما غير الوطنيين قاموا بذلك من أجل مكاسب شخصية، وجبريل في الموقع الثاني من دون شك».
الخلاف بات حديث الشارع، الذي صار محتاراً بين متابعة الجبهات العسكرية التي لا تزال ملتهبة، أو الجبهات السياسية، التي تنذر باشتعال أكبر فور هدوء المعارك العسكرية. الرؤية للخلاف تختلف بين شخص وآخر، إذ من الممكن الخروج بمجموعة من التفسيرات، لكنها كلها لا تلغي حقيقة واحدة هي أن التعارض السياسي والإيديولوجي قائم بين الطرفين.
الناشط السياسي الحقوقي، رشيد الكيخيا، لا يرى أي خلاف جوهري في المرحلة الحالية بين الإسلاميين والليبراليين. ويعتبر أن «الخلافات بين جبريل والإسلاميين شخصية بحتة، والصراع بينهما بدأ في أول أيام الثورة، حيث تنافسا على من يكون ابن قطر المدلل». ويضيف «للأسف، هؤلاء ليسوا سياسيين، بل هواة سياسة». ويتوقع أن لا يكون لهم دور في مستقبل ليبيا، إذ إن ممثلي الفريقين «الصلابي وإبراهيم صهد ومحمود جبريل ومحمود شمام أحرقوا أنفسهم».
الفنان التشكيلي، مرعي التليسي، متحمس لمحمود جبريل، حتى إنه أدرج في صفحته على «الفيس بوك» مؤهلات جبريل العلمية، ويرى أن تخصصه «من الأندر بين التخصصات في العالم وهو دكتوراه في إدارة الأزمات». ويعزو الخلاف مع الإسلاميين إلى «الغيرة». ويقول: «أعتقد أن الإسلاميين يغارون من الشعبية الكبيرة والهائلة التي بات يحصدها محمود جبريل بفضل شخصيته الكاريزمية وأفكاره المدنية، وما أنجزه من النجاحات في الظروف الاستثنائية التي مرت».
ومن طرابلس، يرى رئيس تحرير «مجلة السؤال»، منصور الأحرش، المعروف بأسلوبه التهكمي الساخر واللاذع، أن «القميص واسع جداً على جسدي جبريل والإسلاميين، وستكون الغلبة في النهاية للشعب». ويقول «من وجهة نظري، إن القضية أكبر من جبريل والإسلاميين، فهي حتماً تخضع لحسابات خارجية وكلٌ له أجندته. فالإسلاميون، ومن ورائهم قطر، يمسكون بطرف، وجبريل، ومن ورائه فرنسا، يمسك بطرف، ولا ننسى الطرف الثالث الذي تتنافس عليه كل من تركيا وبريطانيا، والجميع تناسوا الطرف الرابع، وهو الشارع الليبي، والذي لا يختلف اثنان بأنه لا يريد الوصاية من أحد».
مسؤول الثقافة والمجتمع المدني في مدينة بنغازي، الحبيب لامين، يرى أن «المعركة بين جبريل والصلابي قد احتدمت على كل الأصعدة وفي العلن والسر، وكلاهما ألقى بكل ثقله وأسلحته». ويقول «إن ما يحدث ونتابعه من تصريحات مقتضبة ومسهبة ملغزة ومبطنة وبسياقات مختلفة للطرفين يؤكد وجود صراع استباقي للإرادات، بما يشبه الحملات الانتخابية المبكرة لساسة المرحلة».
الإعلامي المعروف عبد الله مليطان الأنطلوجي جاء رأيه معتدلاً، مهدئاً للتوتر القائم بين الطرفين، معاتباً الإسلاميين وجبريل أيضاً. وقال: «الليبيون كلهم مسلمون ولا وجود لأي اختلافات مذهبية في ليبيا، وهذا لا يعني أننا في ليبيا الجديدة نرفض أي اختلاف في الرؤى، لكننا لا نرى أن الوقت حالياً مهيأ لأي اختلاف، نريد أن نلتقي الآن على مائدة واحدة لنبني دولة ليبيا الجديدة الواحدة الموحدة، ومن ثم نسن القوانين التي تضمن لكل فرد حق الاختلاف، ولا أعتقد أن السيد محمود جبريل بوعيه الفكري يفكر أن يدخل في صراع مع الإسلاميين أو غيرهم حتى ترسو سفينتنا على الشاطئ الآمن، الذي أراه أن بعض الإسلاميين يريدون أن يقولوا نحن هنا خوفاً من تهميشهم مستقبلاً، لأنهم يعلمون جيداً أن ما تطرحه بعض قياداتهم من أفكار لن يتقبلها الليبيون حين تكتمل عملية رسم ملامح الدولة الجديدة».
أما الإعلامي الشاب، أحمد خليفة، المحسوب على التيار الإسلامي والمدافع عنه بحماسة، فيقول: «أعتقد أن الخلاف يتّخذ عدة مسارب وطرق، تتنوع بين الإيديولوجي وحب الوصول إلى كرسي الحكم والسيطرة عليه والاستفراد بالقرار. ومن خلال مشاهداتي لما يحدث، فإني أقول بثقة إن هناك بالفعل جدلاً وملاسنات كلامية بين الطرفين، قد ترقى إلى درجة الصراع السياسي الذي يتخذ شكلاً إعلامياً فطن له الشعب الليبي بقوة خلال الآونة الأخيرة، وهناك عدة أسباب أخرى، لعل أبرزها يتمحور حول قرب بعض شخصيات المجلس الوطني والمكتب التنفيذي المحسوبة على التيار العلماني من الحكومات الغربية التي يعتبرها البعض، دون الكل، صاحبة القرار الآن في ليبيا، في الوقت الذي تنفي فيه هذه القوى تلك المزاعم، وبالنسبة إلى دعم طرف دون طرف آخر، فإني أقول باطمئنان إن أكبر داعم للتيار الإسلامي هو عموم الشعب الليبي». ويضيف مشككاً في جدوى برامج العلمانيين: «أما التيار العلماني، فإنه إن كان هناك داعم له فهو مشاريعه لإصلاح البلاد التي سيقدمها في حملاته الانتخابية، وهي بالتأكيد مشاريع يفطن الليبيون تماماً إن كانت ذات جدوى لهم أو لا، إضافة إلى أن بعض شخصيات هذا التيار تسيطر على وسائل إعلام لها تأثيرها في الشارع الليبي، لكن يبقى الحكم أولاً وأخيراً للشارع».
الكاتب المسرحي المخضرم، علي الفلاح، يشدد على ضرورة أن يستمر الصراع سلمياً. ويقول: «الخلاف حسب تصوري فكري، لكنه لا يرقى إلى المستوى الإيديولجي بمعناه الدقيق. الخلاف يتعلق بمستقبل ليبيا. وتكوين مؤسسات السلطة فيها. وإن حاول البعض أن يقزّم الخلاف ويحشره في زاوية متطلبات الأزمة التي يتذرع بها كل ممسك بزمام سلطة».
ومن كندا، لا يرى الكاتب خالد الغول «أن الصراع إيديولوجي، لأن الإسلاميين دعموا جبريل أيام كان يعمل في منظومة سيف الإسلام والتفوا حوله. يبدو أن بعض الإسلاميين، وخاصة السلفيين، رأوا أن جبريل مدعوم من الغرب فلم يحسنوا لعب اللعبة مع الغرب، فأرادوا أن ينهوه كأسهل طريقة للعلاج أو أنه بدأ يستفرد بالقرارات فأرادوا تحجيمه أو رأوا فيه استبعاداً لهم وتقديم أصحاب الأموال أو القبيلة الولاء له، وربما جبريل رأى أن مستواهم في الفهم لا يرقى إلى مستواه أو ما يريده الغربيون منه».
ويتابع الغول «الشعب التف حول الثورة بروح صادقة وقبل بالجميع على أنهم وطنيون يريدون خدمة الشعب، حيث اتفق الجميع على أن ما حدث في عهد النظام السابق جريمة لا يجب أن تتكرر. ما حدث الآن جعل الشعب ينقسم حول الثورة وقد يؤثر على الدعم السياسي. والآن يبدو الشعب ملتفاً حول القيادة السياسية لوجود مصطفى عبدالجليل ووجود حرب دائرة في سرت، الذي أخشاه أن يصيب الشعب إحباط يصعب بعده إيقاظه من جديد، مع أني أسمع الشباب يقولون: لن نسمح لأحد بأن يسرق الثورة».
وعموماً، بعد 42 عاماً من الديكتاتورية في ليبيا، لا يزال الليبيون ينظرون إلى الاختلاف في الرأي بطريقة «أنت معي أو ضدي»، ولم يستوعبوا بعد أن الخلافات والحراك السياسي شيء إيجابي، وأن نجاح العملية السياسية يكمن في الاختلاف والنقد لكل السلبيات وطرح الأفكار الجديدة، بحيث لا يمكن أن تعود الديكتاتورية إلى البلاد بأي شكل من الأشكال.



عبد الجليل: لتعزيز سلطة «الانتقالي»

ذكرت قناة الجزيرة الفضائية القطرية أن «ثوار الزنتان» الليبيين سلّموا أول من أمس مطار طرابلس الدولي إلى المجلس الوطني الانتقالي، وذلك في سياق خطة لتعزيز سلطة المجلس، وإنهاء المظاهر المسلحة في العاصمة الليبية على وجه الخصوص. ونقلت القناة القطرية عن رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل، قوله إن كتائب أخرى من الثوار ستخطو قريباً خطوات مماثلة، وستسلم السلطات الانتقالية المنشآت المدنية الرئيسية التي تسيطر عليها منذ تحرير طرابلس أواخر آب الماضي.
وأضاف عبد الجليل إن الثوار تعهدوا بأن يسلموا كل أسبوع أحد المواقع التي يسيطرون عليها، وفقاً لتعليمات المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي التابع له والذي يقوده محمود جبريل، من أجل مصلحة ليبيا.
(الأخبار)