استمر لقاء الرئيس السوري بشار الأسد وجمعية مسيحيي الشرق نحو ساعة ونصف ساعة، قدم الأسد في خلاله مراجعة سريعة للمرحلة السابقة اشتملت على نقد ذاتي للمرحلة السابقة. وركز خصوصاً على الأحادية الحزبية التي غيبت المنافسة الحقيقية، سواء بين الأحزاب المتعددة أو حتى في الحزب الواحد، و«أفقد ذلك حزب البعث القدرة على التفاعل مع نبض المواطنين ومواكبة تطلعاتهم». وقد أدى ذلك، بحسب الأسد، إلى ترهل حزب البعث العربي الاشتراكي الذي بات يحتاج إلى «نفضة» جدية كاملة تشمل البنية التنظيمية كلها وتحديد ماهية العروبة وكيفية التفاعل معها ومواكبة شعوبها. وجدد التزامه التنوع الحزبي والسياسي في سوريا، مشيراً إلى أن أهم بنود الإصلاح الذي سيتبلور في المرحلة المقبلة هو «حرية العمل السياسي على قاعدة وطنية، لا دينية». وأكد تمسكه برفض قيام أية أحزاب على أساس طائفي أو مذهبي أو على قاعدة دينية. وتحدث الرئيس السوري أمام ضيوفه بإسهاب عن الهوية العربية الحضارية النهضوية التي تستوعب كل المكونات وترعى تفاعلهم لتنتصر بهم. وأشار إلى علاقة الشعب السوري الوطيدة بالعروبة الحقيقية وتفاعل هذا الشعب الاستثنائي مع القضايا العربية التي يجب أن تعود إلى واجهة الاهتمام بالنسبة إلى النظام. وفهم بعض الحاضرين من الأسد أنه يرفض أن تحل «العثمنة» محل العروبة، وأن تصبح أنقرة مركز قرار العالم العربي، أو أن تترك الساحة للأحزاب الدينية فيسيطر الأخوان المسلمون ومركزهم الرئيسي في أنقرة على المنطقة. واعترف الأسد بوجود خلل كبير في التعامل سابقاً مع الأكراد، وتأخر غير مبرر في إعطائهم حقوقهم، سواء في الهوية أو بحماية لغتهم، منبهاً من جهة أخرى إلى مبدأ تحالف الأقليات في المنطقة، مشدداً على «عدم وجود أقلية في بلادنا» وأن «لا أحد يسبح في بحر أحد». وأشار إلى مفردات شائعة يجب التوقف عن استعمالها كالتعايش والتسامح، لأن الطوائف التي تعيش كجسم واحد لا توصف بالمتعايشة معاً، والتسامح يوحي بوجود مجموعة أهم من مجموعة أخرى. وشدد الرئيس السوري أمام الوفد المسيحي على وجوب أن يكون المسيحيون مشرقيين بامتياز، متجذرين في أرضهم من دون عقد من أحد وأن تكون قضاياهم قضايا المنطقة.
وسئل الأسد عن موعد الانتقال من الكلام إلى الأفعال، فاعترف بوجود «تأخير وتقصير في مكان ما». وأقر بأن النظام أخطأ حين فقد القدرة على الفصل بين المتظاهرين لأسباب اقتصادية محقة والعابثين بالأمن، مشيراً إلى أن «المؤامرة خلطت الحابل بالنابل». وبوضوح قال الأسد إن «التحدي الأمني لم يعد كبيراً، لعل التحدي الاقتصادي أكبر منه»، مشيراً إلى أن «المشكلة الأمنية باتت واضحة، وهي لا تمثّل أي تهديد مباشر على الوطن».
تجدر الإشارة إلى أن لقاء مسيحيي الشرق يضم مجموعة من العلمانيين ورجال الدين الذين بدأوا العمل منذ نحو عام ونصف عام بغطاء كامل من البطريركيتين المارونية والأرثوذكسية. وتمثل في اللقاء الذي تقدم بالعلم والخبر إلى وزارة الداخلية في لبنان قبل أسابيع معظم الطوائف المسيحية المشرقية. وفي سياق إعداد اللقاء لمؤتمر مسيحي جامع، بدأ التواصل مع المسؤولين في دول المنطقة، بدءاً من الرئيس ميشال سليمان. وبعد لقائهم الأسد الاثنين الماضي وفق موعد حدد قبل نحو عشرين يوماً، سيتوجهون في الأيام القليلة المقبلة إلى العراق للقاء المسؤولين هناك.