صنعاء | يبدو أنه لم يعد للرئيس اليمني علي عبد الله صالح من يراسله أو يبعث له بتهنئة. لقد مرّت عليه الذكرى الـ49 لثورة سبتمبر اليمنية من غير أن يتسلّم برقية تهنئة واحدة من أي رئيس عربي أو أجنبي، وذلك بحسب التقليد المتعارف عليه في مثل هذه المناسبات. ولعل هذه الواقعة تبدو خطوة أولى في طريق فرض عزلة دولية عليه بسبب مماطلته المرة تلو الأخرى في التوقيع على المبادرة الخليجية التي قال إنه يتعهّد بالتوقيع عليها، لكنه في كل مرة يأتي بمبرر جديد. وفيما كان صالح يعاني في صنعاء من عزلته الداخلية التي دفعته أيضاً إلى الاعتذار عن عدم المشاركة في مهرجان الاحتفال الرسمي بأعياد الثورة الذي يشارك فيه سنوياً، مكتفياً بإيفاد نائبه عبد ربه منصور هادي للمشاركة، كان وزير خارجيته أبو بكر القربي يعاني من جهته في نيويورك، أثناء محاولته اللقاء بعدد كبير من وزراء الخارجية ليشرح لهم «أن الصراع في اليمن هو صراع مسلّح وليس ثورة سلمية». ولم يكن مفاجئاً والحال هذه رفض وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كيلنتون مقابلته. وبحسب صحيفة «أخبار اليوم» المحلية الصادرة أمس، قالت إن رفض كلينتون لقاء القربي يأتي «احتجاجاً على عدم توقيع الرئيس صالح على المبادرة الخليجية من جهة، وقتل المتظاهرين المدنيين على أيدي قوات النظام بطريقة وحشية».
واكتفى وزير الخارجية اليمني الذي يشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بلقاء وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، وبحث معهما الجهود المتواصلة «لوضع آلية تنفيذية للمبادرة الخليجية، بما يحقق الانتقال السلمي للسلطة عبر انتخابات رئاسية مبكرة»، قبل أن يؤكد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن المعارضة تتحمّل مسؤولية الأزمة الحالية نتيجة رفضها القبول بنتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2006. وبعدما أكد أن الحكومة اليمنية تلتزم بالديموقراطية والإصلاح، حذر من أن العنف الذي تشهده البلاد والاضطرابات يهددان بإشعال حرب أهلية، فيما أصدر مجلس الأمن بياناً بشأن اليمن دعا «كل الأطراف» في اليمن إلى تجنّب العنف، بما في ذلك الاعتداء على المتظاهرين السلميين وغير المسلحين، وحثّ الجميع على الالتزام بالقانون الدولي، فضلاً عن دعوته كل الأطراف إلى التحرك قدماً باتجاه عملية سياسية انتقالية شاملة ومنظمة على أساس مبادرة مجلس التعاون الخليجي، لتلبية تطلعات الشعب اليمني.
هذا في حين أكد مصدر دبلوماسي خليجي لصحيفة «أخبار اليوم» أن دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى أميركا وأوروبا، قد أصابها الإحباط بعد خطاب الرئيس علي عبد الله صالح مساء الأحد الماضي الذي ألقاه لمناسبة العيد الـ49 لثورة سبتمبر اليمنية. وقال المصدر إن ذلك الخطاب أغلق أمام الجهود الخليجية والأوروبية والأميركية جميع النوافذ، ولم يعد أمام دول الخليج وحلفائها، أوروبا وأميركا، سوى الدفع باتجاه استصدار قرار من مجلس الأمن يقرّ فيه تنفيذ المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية» تحت البند السابع.
لكن هذه لم تكن آخر الأخبار السيّئة التي وصلت إلى صالح، حيث بلغه خبر مقتل قائد اللواء 63 حرس جمهوري العميد أحمد عبد الله الكليبي في معسكره في منطقة نهم (شمال صنعاء) إضافة إلى أسر عدد من الجنود وتدمير عدد كبير من الآليات العسكرية الثقيلة، ونهب عدد آخر، وهو ما أدى إلى تدخل الطائرات الحربية الحكومية التي قصفت طوال ليل الاثنين وفجر الثلاثاء القرى المتاخمة للمعسكر بهدف محاصرة العناصر القبلية التي هاجمت المعسكر.
إلى هذا، كان على الرئيس علي عبد الله صالح أن يستمع إلى خبر تعرّض وزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد لمحاولة اغتيال في مدينة عدن بواسطة سيارة مفخخة من بين سيارت المرافقة في داخل أحد أنفاق المدينة، ما أدى إلى مقتل منفّذ العملية وإصابة عدد من جنود الحراسة المرافقين لوزير الدفاع، الذين كانوا يستقلون السيارة الأولى في موكبه الخاص، فيما كان يستقل هو السيارة الثانية برفقة مهدي مقولة قائد المنطقة الجنوبية والمقرّب من الرئيس علي عبد الله صالح. ولم يتّضح بعد هل محاولة الاغتيال هذه تأتي رداً من جهة غير معروفة على محاولة اغتيال وزير الدفاع الأسبق عبد الله علي عليوه يوم الخميس الماضي في صنعاء، والذي كان قد أعلن انشقاقه عن الجيش وانضمامه إلى الجيش الموالي للثورة بمعية اللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة أولى مدّرع، أم العميلة كانت تستهدف اللواء مهدي مقولة المعروف بممارسة قبضة حديدية على المنطقة الجنوبية وتورّطه في أكثر من ملف شائك في المحور الجنوبي نفسه، ولا سيما مع تنظيم القاعدة ومحاولته فتح الطريق له للسيطرة على محافظة أبين.
وعلى الصعيد الميداني الداخلي، شهدت العاصمة صنعاء هدوءاً حذراً خلال اليومين الماضيين في كافة المناطق، ولم تشهد أيّ اشتباكات، ما أدى إلى شعور المواطنين بقرب التوصل إلى حل سياسي بين الأطراف المتقاتلة. لكن الأخبار التي أتت من منطقة أرحب (شمال صنعاء) وأصوات الانفجارات التي كانت تسمع بصوت متقطع على حدود الجهة الشمالية للعاصمة صنعاء أكدت أن الهدوء المتحقق لم يكن إلا بسبب انشغال السلطة بتدارك تدهور وضع الحرس الجمهوري المحاصر هناك من قبل القبائل الموالية للثورة منذ نيسان الماضي، وهو يعرف جيداً معنى سقوط «جبل الصمع» الذي يسيطر عليه الحرس، ما يعني أن الحدود الشمالية للعاصمة صنعاء قد باتت متاحة لتلك القبائل، ولن يكون هناك شيء يمنع تقدمها.