دمشق | بعدما عادت الحياة إلى مدارس سوريا، الأسبوع الماضي، وظهور تقارير تؤكد أن الطلاب، على صغر سنّهم، باتوا مشاركين فعّالين في الحركة الهادفة إلى إسقاط النظام، يشهد الأسبوع الجاري عودة شباب سوريا إلى الجامعات الحكومية والخاصة، وسط مناخ سياسي عاصف بين قمع أمني طال الطلبة من جهة، وانقسام في المعارضة من جهة أخرى. لا يبدو طلاب العلم في سوريا بعيدين عن الحراك الحاصل في البلاد، بل يمكن القول إن الدعامة الأساسية لما يحصل اليوم تأتي من هذه الشريحة التي غابت أو غُيِّبَت عن الحياة السياسية في سوريا.
انطلاقاً من ذلك، كيف ينظر طلبة الجامعات إلى تطورات بلادهم؟
يقول طلال، وهو طالب في جامعة خاصة، إنه قبل وصول رياح الثورات إلى الشام، كان شبه مقتنع بأن آخر نظام قد يتعرض للهجوم سيكون النظام السوري. ويعزو ذلك إلى القبضة الأمنية الشديدة التي تحكم البلاد، وإلى الشعبية التي كان يتمتع بها الرئيس بشار الأسد بين صفوف المواطنين، ما دفعه للوقوف إلى جانب النظام في المرحلة الأولى، قبل أن ينتقل إلى صفوف المتظاهرين إبان اعتقال الأجهزة الأمنية عدداً من زملائه في التظاهرات. ويرى طلال أن «من الوارد أن يكون هناك جماعات مسلحة في بعض المناطق، ولكن هذا لا يبرر بأي نحو كان اعتقال وضرب أشخاص يطالبون بحريتهم وحقهم في حياة كريمة»، مشدداً على أن كل ما رآه هو «تظاهرات سلمية الطابع». ويرفض الشاب الذي يدرس هندسة العمارة أي محاولة لصبغ الانتفاضة الشعبية بأي طابع، وخاصة الديني منه، مؤكداً أن ما تقوم به اليوم «تنسيقيات الثورة» ومن يسمّون أنفسهم بالثوار، يزيد من حالة البلبلة، إذ ليس من المنطقي مهاجمة معارض ما لكونه علمانياً مثلاً، وكذلك تخبُّطهم وادّعاؤهم تمثيل الناس على الأرض. في المقابل، يعرب طلال عن قلقه من وصول البلاد إلى دفة الحكم بصبغة إسلامية تتقاطع مع النموذج التركي، ويتخوّف من أن تشهد سوريا ما يحصل في مصر مع «الإخوان المسلمين» ونشاطهم الكبير هناك.
أما سليم، الطالب في كلية الطب، فله رأي مختلف تماماً، إذ يرى أن ما يحصل اليوم حالة من الفبركة الإعلامية والتآمر من الدول الكبرى «لتفتيت البلاد». ويعتقد أنّ هناك مشروعاً إقليمياً لتفتيت سوريا إلى دويلات قائمة على أسس طائفية، ويستدل على ذلك بأنه قد شاهد بأم عينيه وسمع «المسلحين في بانياس وجبلة وحمص وهم يقولون بالحرف الواحد إنهم سيقضون على العلويين، ويقولون إن بانياس أصبحت إمارة إسلامية»، إضافة إلى دعواتهم في المساجد إلى الجهاد. ويتساءل: الجهاد ضد من؟ ويرى الشاب الذي ينتظر نتيجة الامتحان النهائي للتخرّج أن من يدعو إلى الحرية والكرامة لا يمكن أن يطالب بالحماية الدولية، ولا أن يخرج للقول إننا نطالب بتدخّل عسكري، «وهذه جميعها أدلة على الدعم الخارجي اللامحدود للعراعرة»، على حدّ تعبيره.
بدوره، يبدو علاء، الطالب في السنة الثانية بكلية الحقوق، متشائماً إزاء الوضع اليوم في سوريا. فالنظام «جاد في عملية القتل الممنهج للشعب، والمعارضة في أسوأ حالاتها». ويشير إلى أنه بينما تتحدث معارضة الداخل بكامل العقلانية عن ضرورة البدء بمرحلة انتقالية تضمن التحول إلى دولة مدنية، تصرّ معارضة الخارج، ومعها التنسيقيات، على نسف كل الحلول والإصرار على شعار إسقاط النظام الذي سيمضي بالبلاد إلى دوامة من العنف وعدم الاستقرار «تتفوّق بألف مرة على الحرب اللبنانية والأزمة في العراق». وفي السياق، يرفض علاء الدعوات إلى التظاهر، على قاعدة أنها دعوات للموت بكل ما تحمله الكلمة من معنى، «ذلك أن التظاهرات باتت تخرج بأعداد قليلة، ومواجهة الأمن لها لا تزال شرسة، وبالتالي أفضّل الجلوس في البيت على أن أخرج لأُقتل في ظل هذه الانقسامات السياسة».
ويتشارك عبد الله مع علاء في دعوته لعدم الخروج إلى التظاهرات. عبد الله طالب دراسات عليا يشير إلى أن الحل اليوم هو لأحد ثلاثة اتجاهات: الأول أن يتمكن النظام من حسم المواجهة لمصلحته ويستعيد لاحقاً علاقاته السياسية مع الغرب مثلما فعل مراراً. والثاني أن تتمكن المعارضة من توحيد صفوفها والاتفاق على خطاب موضوعي عقلاني بعيد عن لغة التشنج. أما الاحتمال الثالث، وفق كلامه، فيبقى التدخل الدولي لإسقاط النظام بما أن التظاهرات «لن تتمكن من إسقاط النظام وحدها». وفي هذا الموضوع يتفق عبد الله مع حكام دمشق على جزمهم بأن سوريا ليست مصر أو تونس أو ليبيا، «لكن من المؤكد أن الشام بعد هذه الأزمة لن تكون قطعاً كما كانت من قبل، وأن أياً من الحلول الثلاثة سيؤدي بالبلاد إلى منعطفات صعبة».
ولكن ما دور الجامعات والهيئات الشبابية الطلابية في هذا الحراك؟ يجيب وائل، وهو ناشط في المجتمع المدني، بأن من يمثل الطلاب في سوريا، أي «الاتحاد الوطني لطلبة سوريا»، هو إطار جامد لا حيوية فيه، وهو نفسه قد اعترف مسبقاً بأن خطابه كان خارج العصر. وبحسب تعبيره، فإن «الاتحاد» انحاز تماماً إلى النظام، وذهب أبعد من ذلك عندما أدى دوراً في قمع التظاهرات التي انطلقت من الجامعات، وعمد إلى اقتراح فصل الطلاب المشاركين فيها قبل أن يتراجع عن ذلك لاحقاً. أما الجامعة كإدارة، فهي «تشترك في مسألة قمع الاحتجاجات»، ويستشهد باعتصام نفّذته مجموعة من طلاب جامعة خاصة للمطالبة بإرجاء دفع الأقساط الجامعية، فما كان من إدارتها إلا أن استدعت الطلاب وفصلتهم، لتعود وتتراجع في النهاية.
وطبقاً لما ترويه نادين، الطالبة في كلية الصيدلة، فإنّ الجامعة في حدّ ذاتها سبب رئيسي ليحتجّ الطلاب على «سياساتها التعليمية المتحجّرة»، بما أنّ أسس القبول والنظام التعليمي لا يزالان يعيشان في زمن السبعينيات من القرن الماضي، أضف أن «الفساد والبيروقراطية والإصرار على الطرق التقليدية يجعل منها مؤسسة متخلفة، والويل لمن يجرؤ على النقد». وخير مثال على تخلُّف النظام التعليمي الجامعي، ما فعلته إدارة الجامعة بالطالبة آراء الجرماني، بعدما ألّفت مسلسل «سوق الورق»، حيث استدعتها الإدارة ووبّختها ثم قررت فصلها. لكن الراسب في عامه الجامعي، مروان، ينفي ذلك، ويقول إن الجامعة هي صرح علمي يجب أن يُمنع فيه التداول في الشأن السياسي، «فالطلاب هنا لتلقّي العلم فقط، وليس من المعقول نسف العلم لمصلحة التداول في شؤون البلاد».