صنعاء | للمرة الأولى منذ عودته الى اليمن، أطل الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، أمس بخطاب متلفز، خلا من أي جديد إلا حرصه على مخاطبة الود الغربي والحد من الانتقادات التي صاحبت عودته إلى اليمن من خلال تأكيد التزامه بمنح نائبه عبد ربه منصور هادي تفويضه للاتفاق مع المعارضة على آلية لتنفيذ المبادرة الخليجية، وسط إصراره على عدم تسليم السلطة إلا بالحوار ومن خلال صناديق الاقتراع.
وتعمُّد صالح التأكيد أكثر مرة في خطابه أن نائبه لا تزال له صلاحية إجراء حوار مع المعارضة للخروج «بالوطن من المأزق الخطير»، لم يمنعه من استعادة لغة الاتهامات بحق معارضيه، بقوله «يا من تركضون وراء السلطة، تعالوا الى صناديق الاقتراع ونحن ضد الانقلابات»، مشدداً على أن هناك «جهات ترتكب جرائم بهدف الاستيلاء على السلطة»، لتبرز مسألة عدم الثقة بينه وبين معارضيه، والتي تعمل على تقويض أي اتفاق يجري التوصل إليه، الأمر الذي يضع البلاد في كل لحظة أمام الوقوع في فخ الحرب، التي يرجّح أن تكون القوات الموالية لصالح ونجله أحمد والقوات التابعة للواء المنشق علي محسن الأحمر، وقودها.
فحتى وقت قريب، وعلى وجه الخصوص قبل اندلاع المواجهات المسلحة داخل العاصمة صنعاء بين هذه القوات، كان هناك من يعتقد أن مسألة إعلان اللواء علي محسن الأحمر انشقاقه عن الجيش ما هي إلا لعبة ذكية، كان الهدف منها التخفيف على صالح من ضغط «الثورة» المتسارع وفتح منافذ تمكّنه من الخروج من هذه الأزمة. لكن يبدو أن ما حدث أخيراً من مواجهات بين الطرفين قد أعطى إجابات قاطعة بأن المسألة جدية وأن احتمالات الحرب المفتوحة بينهما لا تزال قائمة على نحو أكيد ما لم تتم السيطرة عليها قبل فوات الأوان.
وفي الوقت الذي اعتقد فيه الجميع بأن عودة صالح قد جاءت لتلافي تبعات الزيارة الأخيرة الفاشلة التي قام بها الأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني إلى اليمن، وعدم تمكنه من وضع حد لتفاقم الوضع والتمهيد لتوقيع المبادرة الخليجية، حصل تصعيد غير مسبوق تمثل بالهجوم على «ساحة التغيير» بمختلف الأسلحة المتوسطة والثقيلة. وبعد وقت قصير من إعلان الرئيس صالح أنه جاء من الرياض يحمل «حمامة سلام وغصن زيتون»، مشدداً على ضرورة فرض الهدنة بين كل الأطراف من أجل الخروج بتسوية من الوضع القائم.
هذا الهجوم الذي وقع مساء الجمعة دفع قيادة الجيش المنشقّ الموالي للثورة إلى إصدار بيان خاطبت فيه مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية، والاتحاد الأوروبي، والمجتمع الدولي بالضغط على الرئيس علي عبد الله صالح، والحيلولة دون اندلاع حرب شاملة في اليمن، أكدت أن تداعياتها ستطال المنطقة بأكملها، وستهدد السلم العالمي برمته. وقدّم البيان، الذي صيغ بلهجة حادة غير مسبوقة، تحذيراً لما سماه «العصابة المتسلطة على رقاب أبناء الشعب اليمني»، مؤكداً أن الجيش الموالي للثورة «قادر على المواجهة وحسم الأمور واستعادة السلطة المغتصبة من قبل هذه العصابة»، لكنه برر عدم إقدامه على الخطوة بـ«حرص قيادة الجيش الموالي للثورة على عدم إزهاق المزيد من أرواح اليمنيين».
وإزاء هذا التصعيد في خطاب الجيش الموالي للثورة، جاء توجيه جديد من قبل الرئيس صالح هدف إلى تفعيل لجنة التهدئة التي كان نائبه قد ألّفها عندما كان صالح لا يزال في السعودية، بهدف إزالة كل المظاهر المسلحة في العاصمة صنعاء، مؤكداً في توجيهه المكتوب أن قرارات هذه اللجنة ملزمة، لكل الأطراف «التي يجب عليها الالتزام بالتنفيذ، وأن عليها الإعلان عن كل من لم يلتزم بتنفيذ ما تقرره اللجنة عبر وسائل الإعلام وإطلاع الشعب على من لم يلتزم بقراراتها».
وبحسب مصادر إعلامية مطلعة في الحزب الحاكم، علم أنه قد جرى التوقيع أمس على محضر اتفاق بين الرئيس صالح واللواء علي محسن يقضي بإخراج المعدات العسكرية والأسلحة الثقيلة من داخل العاصمة صنعاء، لكن موقع «المصدر أون لاين» الإخباري المحلي نقل عن مصدر مقرب من اللواء علي محسن نفيه تلك الأنباء. نفي قد يكون هو الأرجح، بسبب عدم توافر الثقة بين الطرفين ونكث الرئيس صالح باتفاقات سابقة كان قد توصل إليها مع محسن الأحمر.
من جهة ثانية، تبرز صعوبة تحقق هذا الاتفاق في ظل المناورات التي تقوم بها قيادة الجيش الموالي للثورة والفرقة أولى مدرع على وجه الخصوص عبر سعيها الى كسب مزيد من المواقع الاستراتيجية بداخل العاصمة صنعاء بما يمكنها من تضييق الخناق على المداخل المؤدية إلى قلب المنطقة التي يقيم فيها الرئيس علي عبد الله صالح ومعظم رجال الدولة، وكذلك المواقع العسكرية المتمثلة بمقر قيادة الأمن المركزي والحرس الجمهوري. هذا إضافة إلى استفادتها من حرب الاستنزاف الطويلة التي تخوضها قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التابعة لنجل الرئيس في منطقة أرحب منذ ما يزيد على أربعة أشهر، والتي اتضح أخيراً أنها لم تكن سوى معركة مفتوحة ليس بإمكان قوات الحرس الجمهوري أن تحقق فيها نصراً أكيداً، بقدر ما هي ثغرة يستنزف فيها أكبر قدر ممكن من القوة العسكرية التي تمتلكها.
كذلك ظهر أن هذه الثغرة أو الفخ كانت تحت إدارة اللواء علي محسن الأحمر، الذي يعلم جيداً أنه حال الحديث عن موازيين القوى بين الطرفين في حال اندلاع حرب شاملة بينهما فإن الكفة بلا شك ستكون مرجحة لقوات الحرس الجمهوري الذي يتلقى منذ سنوات دعما آلياً مباشراً من الولايات المتحدة الأميركية، فيما فرض الرئيس اليمني على قيادة الفرقة أولى مدرع وعلى مدى سنوات خصوصاً بعد عودة نجله أحمد إلى اليمن والبدء في مشروع التوريث، طوقاً على مسألة تسليح الفرقة أولى مدرع بالأسلحة الحديثة، كما عمد إلى تفريق القيادات العسكرية الموالية لعلي محسن الأحمر وتوزيعها على مختلف المحاور العسكرية في البلاد، وهو ما أدى إلى إضعاف قبضة السيطرة التي كان يمسك بها علي محسن على مفاصل هامة في اليمن.
لكن عند السؤال عن إمكان ذهاب الوضع الحالي إلى مسافات الحرب الشاملة المفتوحة بين الطرفين، يمكن التقاط نقطة رئيسية تؤكد عزم الرئيس صالح على الذهاب إلى هذا الخيار، وذلك بداية من عودته المفاجئة التي سبقت بساعات قليلة موعداً مفترضاً كان سيتم فيه التوقيع على المبادرة الخليجية برعاية من نائبه عبد ربه منصور هادي الحاصل على تفويض معلن ومكتوب من الرئيس صالح يمنحه حق شرعية التفاوض مع أحزاب اللقاء المشترك والتوقيع على المبادرة. لكن عودة صالح المفاجئة، التي لم يعلم بها النائب، عملت على عرقلة هذا التوقيع، وهو الأمر الذي أدى إلى شعور النائب بإحراج بالغ، إضافةً إلى نشر جريدة «الحارس» الصادرة عن وزارة الداخلية اليمنية خبراً قال إن نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي كان يعتزم الانقلاب على الرئيس صالح، وهو السبب الذي دفعه إلى العودة السريعة إلى البلاد، الأمر الذي نفاه هادي ودفعه إلى الإعراب «عن أسفه أن تنجرّ مطبوعة صادرة عن وزارة الداخلية اليمنية الى ترديد مثل هذه الأكاذيب ونشرها»، مطالباً وزير الداخلية مطهر المصري بالتحقق من مصادر هذه المطبوعة وبصورة سريعة.
من هنا، يبدو جلياً أن التصعيد العسكري الأخير الذي قامت به القوات التابعة للرئيس صالح ونجله قد جاء في سياق تصعيد مفتوح على مواجهة لا يمكن التنبؤ بالمدى الذي ستنتهي إليه، وذلك بالنظر إلى مدى الاستخدام المفرط للقوة الذي تمارسه في حق الشباب والمدنين العزل، وهو ما يعمل على سد أي إمكان للتوصل إلى حل سلمي للمشكلة، ولا سيما بعد اللهجة الحادة التي حملها بيان الجيش الموالي للثورة وتلويحه بقرب نفاد صبر قيادته على ما تفعله قوات صالح.
لكن، ومن زاوية الثقل الدولي والإقليمي واحتمالات التدخل لمنع حدوث المواجهة العسكرية الشاملة والمفتوحة بين الطرفين، يمكن القول إن الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي يسعيان بوضوح إلى منع حدوث هذه المواجهة، نظراً لما سوف تسببه من اضطرابات في المنطقة، في الوقت الذي تريد فيه الإدارة الأميركية التفرغ لقضايا أخرى أكثر إلحاحاً بالنسبة إليها، ومنها الملفان السوري والإيراني. أما موقف السعودية فيبقى باتجاه منح الرئيس علي عبد الله صالح صلاحيات واسعة في إدارة الوضع، وخصوصاً بعدما سمحت له بالعودة، على الرغم من أنها أكثر من يعلم بأن عودته ستكون فاتحة على حرب أهلية، يعرف الجميع من أين ستكون بدايتها، لكن أحداً لن يعلم أين ستنتهي.
ولذلك، فإن تطرق الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، أمس، إلى الوضع في اليمن وتأكيده أن المبادرة الخليجية هي المخرج الوحيد لحل الأزمة اليمنية المستمرة، لا يعدو في نظر معارضي صالح سوى «ذرّ للرماد في العيون».



الحوثي يدعو إلى إنقاذ الثورة من الفرقة أولى

نقلت مواقع يمنية، عن شقيق القائد الميداني للحوثيين، يحيي بدر الدين الحوثي، توجيهه انتقادات، تعدّ الأقسى منذ اندلاع الاحتجاجات اليمنية، للفرقة أولى مدرع، بقيادة اللواء المنشقّ علي محسن الأحمر. ودعا الحوثي إلى «التحرك الفاعل لإنقاذ الثورة وتحريرها من أيدي الفرقة»، عبر تأليف مجلس قيادة يحمي الثورة ويتقدم بها نحو تحقيق الأهداف وبسرعة قبل فوات الأوان، مشبهاً الفرقة أولى مدرع بأنها «أشبه بالمجرم الذي يختطف شخصاً ليحتمي به من رجال الشرطة... يهددهم بقتله إن لم يتركوه يهرب».
وأكد الحوثي أنه «إذا كانت الفرقة بحاجة الى حماية لتمردها على صالح، فيمكن حمايتها على أن تبقى بعيداً عن سير الأحداث والتصريحات وجمع القوة والوقوف الى طرف سياسي معين»، مفسراً «ازدياد التوتر بين الفرقة أولى مدرع وقوات صالح بأنه محاولة من حزب الإصلاح للدفع بالشباب الى مسيرات للتخفيف على الفرقة».
(الأخبار)