تعز | قضى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، على كل ما هو جميل في الحياة، حتى أغصان الزيتون. ومنذ عاد كـ«متسلل» إلى اليمن، فجر الجمعة، بات الشارع اليمني ينظر إلى الزيتون، الذي قال الرئيس إنه عاد يحمل أغصانه، كشجره موت، لا رمز سلام. لم يحمل صالح أغصان الزيتون، بل دبابات ورشاشات تهز القلوب.ويقول شباب الثورة في ساحات الحرية والتغيير: «الأغصان شاهدناها، وخلفت عشرات القتلى والجرحى في يومين داميين بعدد من المحافظات»، مؤكدين أن «حمامة السلام، ما هي إلا طائراته الحربية التي لم تطر، إلّا في أرحب، وترسل صواريخها للشعب».
ويرى كثير من اليمنيين أن صالح عمد بخطاب السلام الذي وزع في اليوم الأول من عودته، إلى تشويش الرؤية عن جرائم بشعة سيقوم بها. فالرجل، حسب قولهم، طارد رئيسي للسلام في المكان الذي يوجد فيه، فضلاً عن كونه مضللاً، بعدما عمد النظام اليمني، خلال اليومين الفائتين، إلى تسريب أخبار عن وجود تسويات وطنية مع شباب الساحات، في وقت كان فيه الرصاص يمطر فوق رؤوس المتظاهرين بصنعاء وتعز، وهو ما نفاه المجلس الوطني، لقوى الثورة السلمية في اليمن، مؤكداً عدم وجود أي تواصل مع النظام في الوقت الراهن، مشدداً على أن التسريبات تلك، ليس لها أي أساس، فاليمنيون «فقدوا الثقة» بالرئيس.
وقالت الناطقة الرسمية للمجلس الوطني، حورية مشهور، لـ«الأخبار»: «كل المعطيات على الأرض تدل على تصعيد خطير جداً ضد الشعب». وتضيف: «شهدنا يومين مأساويين منذ عاد صالح حاملاً أغصان الزيتون، سقط شهداء وجرحى، الفرقة الأولى مدرع التي تحمي شباب الثورة تعرضت لقصف عنيف، والمظاهر المسلحة لا تزال موجودة، في كل الشوارع وسط العاصمة،الحياة معطلة بنحو كامل».
وتؤكد مشهور أن أي تسوية لا بد من أنها قائمة على المبادرة الخليجية، إلا أنها في الوقت نفسه تستبعد أن يسمح صالح لـ«نائبه» عبد ربه منصور هادي بتوقيعها، مشيرةً إلى أنه سيصر على المراوغة مجدداً من أجل إرهاق الثورة، التي لن تزداد إلا زخماً.
وقالت مشهور إنّ من المفترض أن يوقع صالح بنفسه المبادرة الخليجية، لا أن يوكَل توقيعها إلى هادي، فالتفويض جاء والرئيس في خارج البلد، وبما أنه قد عاد، يجب أن يوقعها بنفسه. وتشير إلى أنه إذا ما وقّع صالح المبادرة، فإنه سيجري المضي في خطوات تنفيذها بعد ذلك مع الأطراف التي وقعتها.
أما في حال عدم التوقيع، فشددت الناطقة الرسمية للمجلس الوطني، على أن عودة صالح «لا تُقدم ولا تؤخر» بالنسبة إلى القوى الثورية، وأن الثورة ستزداد وهجاً، مذكرةً بأن «الثورة انطلقت والنظام في عز قوته، وحالياً هو في أوهن حالاته».
وعن الأنباء التي تحدثت عن دعوة قريبة من صالح للبرلمان للانعقاد لمناقشة تعديلات دستورية مستقبلية، قالت مشهور إن «البرلمان خارج إطار الدستور. المعارضة غير موجودة فيه، وكتلة المؤتمر منقسمة، بعد انضمام جزء كبير منها إلى الثورة». وأضافت: «انتهى تمديد البرلمان، وكل ما يُدار في البلاد هو قوة عسكرية فقط. الدستور معلق ومعطل».
من جهته، رأى عضو المجلس الوطني، جمال المترب، أن صالح «سيسعى إلى توريط المشترك في دوامة لا يقدم فيها أي تنازل (كعادته)»، مؤكداً أنه «حتى وإن التزم ووقع فسيفتعل احداثاً تبرر له التراجع». ومن وجهة نظره، «لا حل إلا بإجباره على الرحيل بأي ثمن، وإلا فإن الثورة والثوار والشعب كاملاً في خطر».
ويشدد عضو المجلس الوطني على «أن أي نوع من التسوية يبقيه، أو يبقي له نفوذاً أو سلطة في البلاد يعني تصفيات جسدية واسعة النطاق، وعودته إلى السلطة هو وأسرته»، مؤكداً في الوقت نفسه أن المبادرة الخليجية «لم يعد لها وجود»، وكانت «إسقاط واجب»، على استحياء من دول الخليج، باستثناء قطر، أمام اليمنيين والعالم، واستغلت لكسب الوقت إلى حين استجماع القوى واستيراد الأسلحة لا غير.
وتكهن المترب بحدوث عمل استثنائي وغير متوقع لمحاولة إخراجه من البلاد بالقوة أو «بتكرار محاولة اغتيال» صالح، وخصوصاً أن الغرب وجد في هادي بديلاً مقبولاً، وهو ما يفسر من وجهة نظره «بوادر التآمر عليه وتلفيق التهم وربما محاولة تصفيته واتهام القاعدة بذلك».
وبخصوص التسريبات التي تحدثت عن نية المؤتمر لـ«تأليف حكومة منفردة»، أو ما سموها «حكومة حرب»، قال الصحافي راجح بادي، مدير تحرير صحيفة «الصحوة» الحزبية، إن «المؤتمر الشعبي العام لن يجرؤ على تنفيذ هذه الخطوة، وخاصة مع تزايد المواقف الدولية والخليجية المطالبة صالح بالتنحي الفوري».
وفيما يؤكد كثيرون أن الحل العسكري بات هو الأقرب إلى الحالة اليمنية، يرى البادي أن المواجهات العنيفة التي شهدها اليمن خلال الأيام الفائتة، أكدت أن أي طرف كان يتوقع أنه سيحسمها عسكرياً «موهوم»، وأن الحل لا بد أن يكون «سياسياً». ولفت إلى أن عودة صالح إلى اليمن «جعلت مستوى القلق يكبر، ليس حول موضوعات معينة تتعلق بالمعيشة، ولكن حول الحياة، وبقاء الإنسان اليمني يعيش، مع العنف اللامتناهي»، وخصوصاً في تعز حيث شهدت المدينة منذ يومين قصفاً عنيفاً للأحياء السكنية بالدبابات والمدافع الثقيلة، بعدما سيطرت قوات الرحس الجمهوري على عدد من المواقع الاستراتيجية وسط المدينة.
وأدى قصف المنازل إلى نزوح سكان مناطق «المسبح»، و«حارة وادي القاضي»، بطلب من القيادات الأمنية التي دعتهم إلى مغادرة منازلهم، الأمر الذي وصفه رئيس المجلس الأهلي المنتخب من قوى الثورة، عبد الله الذيفاني، في حديث مع «الأخبار» أمس بأنه «عملية منظمة، القصد منها إذلال المحافظة وإعادتها إلى بيت الطاعة، باعتبارها مهد الثورة، وأبناؤها من طلائع العمل الثوري على مدى التاريخ». ويضيف: «السلطة تشعر بأن أبناء هذه المحافظة هزموها بعودتهم إلى الثورة حتى بعد إحراق ساحتهم، كانوا يعتقدون أن تعز لن تعود إلى الحياة».
وأكد أن ما يدور في المدينة عمل يدار من القصر الرئاسي في صنعاء، وليس هناك إدارة مدنية، فالنظام يريد تحويلها إلى مدينة مستباحة. وكشف لـ«الأخبار» عن تأليف لجان ثورية لحماية المرافق العامة والمنشآت للالتفاف على أي محاولة من النظام لتخريبها وإلصاق التهمة بأنصار للثورة.