استحوذت المعركة الدبلوماسية والإعلامية التي شهدتها أروقة الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، على اهتمام الصحف العبرية، التي وصفت ما حصل بـ«حرب الخطابين»، وركزت في تعليقاتها على الرسائل التي أراد كل طرف إمرارها إلى جمهوره الداخلي وإلى الرأي العام الدولي، واستغلال كل منهما منصة الأمم المتحدة لإمرار روايته ودحض مزاعم الخصم. في هذا السياق، رأت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها، أن «نزال الخطابين الكبيرين» في الجمعية العمومية للأمم المتحدة كشف اليأس الذي لم يعد الطرفان يستمعان فيه أو يتوجه فيه الواحد إلى الآخر، بل ينثران في الهواء حججهما وشكاويهما، على أمل تحقيق «نقطة دعائية» أخرى ممن لم يملوا بعد من الانهماك بالنزاع. وقالت «هآرتس» إن خطوة عباس بالتوجه إلى الأمم المتحدة لتعترف بفلسطين دولةً، عرضت بحد ذاتها كفعل جاء إثر يأس من مجرد الحوار مع حكومة نتنياهو، ورئيس السلطة أرفقها بخطاب لاذع ومرير، يتناسب وهذه الروح. وأضافت أن تشاؤماً غير قليل أثارته ردود فعل رجال نتنياهو ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، ممن سارعوا إلى وصف الخطاب بأنه «التحريض الأكبر» وعرضه كتشكيك بمجرد وجود إسرائيل، وذلك في ظل تشويه بعض من أقوال عباس. ورأت «هآرتس» أنه انطلاقاً «من الروحية التي تحاول طمس مسألة المستوطنات المنغرسة كالشوكة في قلب النزاع»، ألقى أيضاً بنيامين نتنياهو خطابه، «خطاب حياة» آخر تطرق للاعتداءات على اليهود، لغيتو وارسو، لجلعاد شاليط ووصل حتى عهد حزقياهو؛ خطاب منذ البداية لم يوجه إلى آذان الفلسطينيين، وهؤلاء من جانبهم لم يكلفوا أنفسهم عناء بثه.
وانتقدت الصحيفة الهدف الذي نجم عن سماع الروايتين، مشيرة إلى أنه يبدو كأن النزاع الإسرائيلي ـــــ الفلسطيني عاد في آلة الزمن إلى بداية القرن الماضي، وعشرات سنوات الحوار شطبت وكأنها لم تكن، لفرحة المتطرفين في الجانبين.
وقرأ معلق الشؤون الحزبية في «هآرتس»، يوسي فيرتر، «رسالة يأس» في الخطابين. وتوقف فيرتر عند كلمة نتنياهو، فرأى أن خطبته كانت عملاً محسوباً في صياغتها ومبناها وصورة عرضها وأدائها. وأضاف أن كل وضعية وكل انحناءة نحو الجمهور، وكل قبض لراحة اليد، كل ذلك كان مخططاً له ومحسوباً. ولفت إلى أنه لا نظير لنتنياهو في وصف مخاوف الإسرائيلي العادي. ولا ثاني له في التجسيد الكلامي للتهديدات والأخطار الأمنية التي تواجهها إسرائيل.
من جهته، تحدث إسرائيل زيف، في «معاريف»، عن إنجاز جزئي للطرفين، فقال إن خطابي أبو مازن ونتنياهو كانا نموذجين حيين لعالمين وكأنهما يعيشان بالتوازي ولا يمكنهما أن يلتقيا. رئيس السلطة سار على الخط التقليدي بخطابات عرفات، التي شُدد فيها على رواية «الاحتلال البغيض» والشعب الفلسطيني كضحية للاحتلال ومظالمه. وأضاف أن الخطوة الإسرائيلية في الأمم المتحدة تتمتع بفرصتين أساسيتين: واحدة هي المؤشرات الإشكالية للتآكل في التأييد اليهودي لأوباما مع بدء الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة، ما جلب خطابه على «طبق من فضة» لوقف الإنجاز الفلسطيني في الأمم المتحدة منذ بداية الجمعية العمومية. والثانية هي الخطاب المؤثر لنتنياهو، الذي بكفاءاته وبإنكليزيته المقنعة وضع الرواية الإسرائيلية عن الحاجة الضرورية للأمن بصفتها السبب الأساسي لغياب الحل المتفق عليه الذي لا يمكن أن يأتي إلا من خلال المفاوضات المباشرة. وبحسب زيف، فإن نتائج مجلس الأمن معروفة مسبقاً. الفلسطينيون لن يحظوا بمكانة كاملة للعضوية في الأمم المتحدة، ولكن إلى جانب ذلك ستقر الجمعية العمومية، كما يبدو، رفع مستوى مكانتهم إلى مستوى دولة مراقبة وتحديدهم كدولة في الوعي الدولي. من هذه الناحية سيحظى أبو مازن بإنجاز جزئي. أما إنجازات إسرائيل، فتجد تعبيرها، من وجه نظر زيف، في أنها أعادت إلى الوعي الدولي قوة التحالف بينها وبين الأميركيين.
وفي «يديعوت أحرونوت»، أجمل المحلل السياسي ناحوم برنيع خطبتي نتنياهو وأبو مازن بالقول إنهما يعودان إلى شعبيهما وفي حقيبتيهما الكثير من الكلمات الكثيرة، المشحونة، الشديدة الوزن. كلمة واحدة لم يتمكنا من أن يجلباها: الأمل. وأضاف أن التعاطي مع النزاع لم يكن سهلاً في أي وقت من الأوقات. لكن في ظل غياب بارقة أمل، سيكون أصعب بكثير. وبحسب برنيع، فإن الخطابين، لأبو مازن ونتنياهو، جاءا قبل كل شيء إلى جمهورهما في الوطن. كانا خطابين قاسيين، مريرين، مفعمين بالخلاف وعديمي البشرى. ولم يأتيا لتقريب اتفاق، بل لتوجيه الاتهام.