انتظر اللاجئون، الجمعة الماضي، خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس على منبر الأمم المتحدة. فرح البعض بما سمعوا، بينما وصف آخرون الخطاب بالعادي. واختلفت آراء المؤيدين والمعارضين لخطوة أبي مازن بحسب التوجهات السياسية؛ فقد انتظر أبناء حركة فتح على مدى أسابيع قبل تقديم الطلب الفلسطيني الحدث الفلسطيني واستعدوا له، على خلفية أنّهم «أم الصبي». تحدثوا عن ذلك في مجالسهم الخاصة، مبدين تخوفهم من «رضوخ الرئيس للضغوط الأميركية»، بحسب أحد الحزبيين الذي رفض الكشف عن اسمه. لكن الشك تبدد لحظة تقديم أبو مازن الطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. «أخيراً فعلها»، يقول. هكذا، بعد تقديم الطلب والاستماع إلى كلمة عباس، شُغل الفلسطينيون على مدى اليومين الماضيين بتقويم الخطوة. حللوها، ناقشوها، وحاولوا الاستفسار عنها، وخصوصاً أنّهم معنيون بصورة كبيرة بالموضوع، فإما أن يعودوا إلى ديارهم، أو لا. الحديث في المخيمات يدور بأنه عند قيام الدولة لن يعود اللاجئون إلى ديارهم. فهم، إن عادوا، سيعودون إلى دولة فلسطين، لا إلى القرى التي خرج آباؤهم وأجدادهم منها. في مخيم برج البراجنة، جمعت جلسة أراكيل مجموعة شبان فلسطينيين، منتمين إلى تحالف القوى الفلسطينية ومنظمة التحرير. «الكوكتيل» الفصائلي انعكس على مقاربة هؤلاء للقضية الأهم بالنسبة اليهم، أي حق العودة إلى الديار أي إلى أراضي 1948.
«مش راجع إلّا على ترشيحا»، يقول عادل الأحمد لصديقه. تأكيد الشاب عودته إلى القرية التي هجر منها أجداده جاء رداً على كلام محمود مصطفى، المناصر لحركة حماس، حين قال: «كل مين مع الدولة على حدود 1967 يعني مع عدم عودة اللاجئين ومع الاعتراف بإسرائيل». النقاش يحتدم بمجرد ذكر الاعتراف بإسرائيل. ينتفض الأحمد قائلاً: «عدم الاعتراف بإيش؟ تتحدثون وكأنكم لا تعترفون بوجود إسرائيل وأنتم انفسكم ضمنياً معترفين بوجودها لكنكم ترفضون قول ذلك علناً؛ إذ كيف تتفقون على هدنة مع أطراف لا تعترفون بوجودها».
هنا لا بد من الأخذ والرد، وخصوصاً أنّ الأحمد بدأ بالتشكيك بعقيدة مصطفى. «يا حبيبي إحنا عم نقاتل إسرائيل مش عمَال نركض وراها كرمال نعمل سلام معاها وهي مش قبلانة» يقول الأخير.
ارتفاع أصوات الشابّين يقطعه صراخ أبو أحمد، الرجل الستيني، من محله المجاور. يتدخل في النقاش محمد العلي الذي كما يصف نفسه «مش محسوب على حدا». يسأل الشاب: «إيش خسرانين إذا صار عنا دولة؟». ينظر الأحمد إلى مصطفى، قائلاً: «اتفضل جاوبه شو الخسارة يا أستاذ؟». يعدل مصطفى جلسته، يضع «نبريش» الأركيلة على حضنه. يضحك الحضور «الظاهر في إيشي خطير إسا ح ينقال». يجيب: «الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967 يعني الاعتراف بإسرائيل، وعدم العودة كلاجئي أراضي 1948».
يضيف الشاب: «من سيضمن لنا العودة إلى قرانا، لا إلى الضفة أو غزة؟». يتدخل العلي قائلاً: «شفتوا الصدف، يعني ممكن نصير الدولة رقم 194 بالأمم المتحدة، متل رقم حق العودة 194». يكمل مصطفى تساؤلاته: «إذا صار في دولتين إحنا منعتبر لاجئين من وين؟ فلسطين أو إسرائيل؟». التساؤلات لم يجب عنها أحد. انتصر مصطفى على الأحمد، من دون أن يقنعه بما فيه الكفاية في عدم تأييد خطوة أبي مازن.
أما في مخيم شاتيلا، فالحال هو نفسه. في أحد أزقة المخيم الضيقة، يجلس أبو إبراهيم عثمان. تسأله عن رأيه بخطاب أبي مازن وفكرة إقامة الدولة على حدود 1967. يبتسم الرجل قائلاً: «تابعت خطاب أبو مازن كما تابعت خطاب أبو عمار عام 1974، بس أبو مازن مش أبو عمار». يعلّق الرجل على خطاب الرئيس الفلسطيني: «لم يقل شيئاً جديداً أعاد التذكير بما كنا نعرفه ونعيشه يومياً. لم يذكر أي شيء عن المقاومة كما فعل أبو عمار حين قال: لقد جئتكم بغصن الزيتون في يدي وببندقية الثائر في يدي، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي». امتعاض عثمان من خطاب عباس لم يلغ تأييد لخطوة الطلب بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين. فبالنسبة إلى الرجل «أنا مع أي خطوة قد تكون بمثابة إزعاج لإسرائيل وللولايات المتحدة الأميركية». يضيف عثمان: «كم كنت أتمنى لو أن حماس لم ترفض مثل هذه الخطوة. لنفترض أننا أصبحنا نملك دولة، حينها عندما نحرر باقي الأراضي الفلسطينية فإننا سنضمها إلى هذه الدولة القائمة».
«جنوب السودان صار دولة، وهؤلاء لا يملكون مؤسسات أو أي مقومات دولة، بينما نحن نملك كل شيء»، يقول عثمان. ثم يضيف: «بس الأميركان بدهم دولة اسمها جنوب السودان فعملوها». تترك الرجل، تسير في المخيم ترى مجموعة شبابية تتابع على شاشات التلفزة عودة أبو مازن إلى الضفة الغربية. هؤلاء لا يعرفون شيئاً عن الدولة، ولا يعرفون كيف سينعكس قيامها عليهم. لكن ما هو الأهم بالنسبة إليهم أنها لن تكون «في مصلحة إسرائيل؛ إذ إن إسرائيل عدّتها أخطر من الانتفاضة الثانية»، كما يقول أحدهم. يعلّق آخر: «لن ينفع كل هذا الكلام، دولة أو لا دولة. الأهم أن تقوم انتفاضة ثالثة، ومنرجع ساعتها منحكي بالدولة».



يجتمع مجلس الأمن اليوم للتشاور في الطلب الذي قدمته السلطة الفلسطينية للحصول على كامل العضوية لدولة فلسطين في الأمم المتحدة. بالنسبة إلى أعضاء مجلس الأمن، يملك هؤلاء 35 يوماً للتصويت على الطلب الذي سترفضه الولايات المتحدة الأميركية من خلال استعمالها حق النقض «الفيتو». أما السؤال غير المعروف جوابه حتى الآن، فهو: ماذا سيحصل إن رفض الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن؟ هل سيُحوَّل إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة للتصويت عليه هناك؟ وما هي الخطوات التي ستتخذها السلطة الفلسطينية: العودة إلى المفاوضات أم حلّ نفسها؟