الكابوس
لننظر إلى الحياة بعين واقعيّة، ما الذي يحصل في حقيقة الأمر؟ الكثيرون ولدوا وعاشوا في المنفى، أحسّوا بمشاعر لا توجد عند الشعوب الأخرى. الحنين إلى الوطن، الصبر على البعد عن تراب الوطن الذي هو بالنسبة إليهم ، مقدّس ويستحقّ الموت لأجله. منهم من أُعطيَ جنسيات جديدة والبعض الآخر ملأ تلك الاستمارات بملء إرادته، وذلك في محاولة منه للحصول على عيشة كريمة وأفضل، أمام هذا العالم الظالم لكلّ ما يسمّى فلسطينياً.
سوف تقولون لي هذا كلام معروف للجميع، وليس بالأمر الجديد، لكن ما هذا إلّا مقدّمة للأسوأ. إنّ الوضع الحالي في حالة تأزّم بالرغم من الحديث عن نهاية الصهاينة الوشيكة. ها هو محمود عبّاس، الرئيس المنتهية ولايته، يطالب بما سيصبح لو تحقّق حلم الدولة أسوأ كابوس يمرّ على الفلسطينيّين منذ بداية الخلق، ألا وهو «فقدان أرض الوطن». إن الاعتراف بدولة فلسطينيّة على حدود الـ1967، هو جريمة بحد ذاتها تُقترف بحقّ الفلسطينيّين جميعاً، لا فلسطينيّي الـ48 فقط. فحق فلسطينيّي الشتات في العودة إلى أرضهم سوف يضيع، ولا يجوز أن ننسى أنّ معظمنا من تلك الأراضي، ولن نقبل العودة إلا إلى مدننا. فمن كان من يافا وحيفا أو حتّى من صفد كيف سيطيب له السكن في أراضي الضفّة أو غزّة؟ منطقيّاً؛ كيف لأراضي الـ1967 أن تتّسع لكلّ الأعداد الموجودة والقادمة من بلاد الشتات؟؟؟ هذا طبعاً، إذا سُمح للّاجئين بالعودة.
كما أنّني أضيف إلى ما سبق، إننا إن اعترفنا واعترف العالم بدولة فلسطين على حدود الـ1967، فإننا نكون على نحو تلقائي قد اعترفنا بدولة «إسرائيل» وبحقّها في الوجود على أراضي وطننا الحبيب فلسطين.
أنا متأكّدة من أنّ البعض سيهاجم كلامي هذا، بقوله إنّنا إن اعترفنا أو لم نعترف بدولة «إسرائيل» فهي موجودة. ببساطة لأنّني واجهت مثل هؤلاء! لكن اسمحوا لي بأن أخبركم أنّ هذا الكلام بالذات هو كلام المتخاذلين الجبناء، المستسلمين بالنسبة إلي. ونحن عندما نرفض الاعتراف بدولة محتلّة كهذه لأراضينا، فإنّ ذلك جزء لا يتجزّأ من محاربتنا لها. فعندما تقول لأحد ما، «أنت لا شيء ولست موجوداً»، فإنّك بالطبع ستؤثّر سلباً في نفسيّته، وتسبب له الإحباط مع الوقت. بالنسبة إلي هذه هي المعادلة التي أعتمدها ضد الصهاينة، لعدم الاعتراف بهم وبدولتهم التعيسة. ولهذا فرأيي أنّه يجب علينا جميعاً التنبه، والوقوف جنباً إلى جنب، لدرء ومنع هذه المهزلة الخطيرة الّتي هي على وشك الحصول، من أجل فلسطين. فلسطين التي نعرفها من البحر الى النهر.
تانيا نابلسي ـــــــ مخيّم البدّاوي

■ ■ ■

أوسلو 2


كان سيكون سهلاً علي أن أصدق قيام ميت من الموت، على أن أصدق قيام دولة فلسطينية «مستقلة» إلى جانب إسرائيل. أنا لا أحاول أن أجعل من الموضوع مهزلة (على الأقل ليس أكثر مما هو الآن). كما أنني لا أحاول استفزاز أولئك الذين يؤيدون «استحقاق أيلول»، أو يدعمون قيام دولتين جنباً إلى جنب، ليس لأني أقبل بعضًا من ادعاءاتهم، بل ببساطة لأن حرية الرأي والتعبير تنص على احترامي لحقهم في التعبير عن رأيهم رغم اختلافي معهم. لا يمكنني أن أقول إنني ضد فكرة «الدويلة» نهائياً. فهناك وجهة نظر ما في الموضوع، أنا لست ضد الفكرة كفكرة، ولا بد أن أُشدد على أن كلام أبو إياد في كتابه «فلسطيني بلا هوية» أقنعني. لكني بعدما عايشت اتفاقية أوسلو، وبعدما رأيت كيف جرى تطبيقها على أرض الواقع لا بد أن أقول ما هو معروف أصلاً لمن يذكر أوسلو: أوسلو التي وضعت القضية على خارطة العمل في مجلس الأمم المتحدة، وأعطت شرعية للنضال الفلسطيني من داخل المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 (كما يقول البعض)، هي ذاتها أوسلو التي حولت فلسطين من كامل التراب إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وقصرت النضال على من هو موجود ضمن حدود فلسطين جديدة الجغرافية.
هذا عدا أن إعلان الدولة لم يؤدّ إلى أي نتيجة فعلية حينذاك، فلم تستقل دولة ولم تقم، وظلّت هناك سُلطة فلسطينية لا حول لها ولا قوة أمام بطش «جيش الدفاع»، ترزح تحت وطأة «رحمته». هذا دون أن ننسى طبعاً أن «إسرائيل» لن ترضى بقيام دولة فلسطينية مُستقله ذات سيادة، لأنه حينها سيكون من حق تلك الدولة وجود جيش يحميها ويحمي «حدودها»، ولا أظن أن هناك جنرالاً إسرائيلياً سيرضى بهذا أو يفرح به، طبعاً عدا الحدود غير المتفق عليها التي لن يُتفق عليها، لأن عاقلاً لن يظن أن حكومة إسرائيل ستُخلي المستوطنات في الضفة الغربية بسهولة وتعيدها إلى الفلسطينيين بطيبة خاطر. سأحاول أن أقول إني أنظر إلى هذا الاستحقاق بعين حذرة، لكني (رغم أني لم أعتد التنبؤ) لا أرى فيه إلّا أوسلو جديدة، سيكون وقعها أشد قسوة على أرض الواقع، ولن تكون مُخلفاتها إلا أن تقزّم القضية الفلسطينية الى مستوى كرسي رئاسة، بعد أن يُهمش حق عودة اللاجئين، ويُنسى فلسطينيو الـ1948 تماماً بعد نسيان كامل التراب (وكم أتمنى أن أكون مخطئة، قصيرة النظر وعلى غير دراية بما أقول).
أنهار حجازي ــــ الجليل