الخرطوم | لتلافي أي مواجهات مع المواطنين، ولا سيما بعد نجاح حملة «الغالي متروك»، أقر مجلس الوزراء السوداني خطة حكومية عاجلة تضمن خفض الرسوم الجمركية إلى 5 في المئة، إضافة إلى إنشاء محفظة لتمويل إنتاج السلع الأساسية، وخصوصاً الغذائية. وصدّقت الحكومة على خطة لتنظيم الأسواق وتفعيل قانون تحريم الاحتكار ومنع التهريب، في محاولة إضافية لوضع حد لتلاعب التجار وتجاوزاتهم في الأسعار. وفي موازاة ذلك، تسعى الحكومة إلى ضبط شراء السلع غير الضرورية وتقليل الإنفاق الحكومي، إضافة إلى تحريك القطاعات الزراعية والصناعية والحيوانية والمعدنية وزيادة الإنتاج في القطاعات الاقتصادية المختلفة، في ظل تصاعد شكوى المواطن السوداني الذي يئن تحت وطأة الارتفاع المستمر في أسعار السلع الغذائية.
ومنذ انفصال الجنوب في تموز 2011، أدرك معظم السودانيين أن الأثر الأبرز للانفصال سيكون على الاقتصاد، غير أن أكثر المتشائمين لم يكن يتوقع أن تصل موجة الغلاء التي تجتاح كل السلع، ولا سيما الاستهلاكية إلى الحد الذي بلغته خلال شهر أيلول الحالي.
فقد أضحى المواطن البسيط يئن تحت ضغط ارتفاع الأسعار التي مسته في قوته اليومي، ما جعله يلبي دعوة المقاطعة التي نادت بها جمعية حماية المستهلك تحت شعار «الغالي متروك». والغالي الذي شرع سكان العاصمة الخرطوم في تفعيل ثقافة مقاطعته ليس سوى اللحوم، بعد أن شهدت هذه السلعة ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار. وآتت الحملة أكلها سريعاً؛ فبعد مرور يوم واحد من الأجل الزمني الذي حدده المنظمون، وهو ثلاثة أيام، اضطر التجار إلى خفض سعر الكيلو الواحد إلى 9 دولارات، بعدما وصل سعره إلى 12 دولاراً، ما أدى إلى ارتفاع أصوات في ولايات السودان المختلفة بتضمين قوائم أخرى من السلع ضمن المقاطعة.
غير أن بعض المراقبين ذهبوا في اتجاه أن جمعية حماية المستهلك، وهي إذ تنظم تلك الحملة، تريد قطع الطريق أمام أي تحرك آخر، كالخروج إلى الشارع، لا خدمةً للمستهلك، وخصوصاً أن أكثر ما تخشاه الحكومة أن تؤدي التململات بسبب الغلاء إلى تحريك الشارع والخروج في تظاهرات قد تؤدي إلى إسقاط النظام في الخرطوم؛ إذ لطالما سقطت حكومات بسبب كسرة خبز.
ووفقاً للقيادي في حزب المؤتمر الشعبي المعارض، كمال عمر، يتقاطع الجانب الاقتصادي دائماً مع الجانب السياسي، ولذلك ذهبت المعارضة في اتجاه تأييد قرار المقاطعة والمطالبة، ويشمل الاحتجاج كل السياسات الحكومية حتى تتوج بالخروج إلى الشارع. وأكد لـ«الاخبار» أن «المواطن الآن لديه عزيمة قوية، ونحن كأحزاب معارضة نلتقط تلك الإشارة في سعينا نحو التغيير». وأضاف: «إن الشارع يحركه الاقتصاد أكثر من السياسة، وحملة مقاطعة اللحوم أيدها المواطنون من غير منسوبي الحكومة».
من جهته، رأى الرشيد محمد، وهو مواطن أربعيني، في حديث مع «الأخبار»، أن مقاطعة اللحوم لم تكن بحاجة إلى دعوة، مضيفاً: «نحن في حالة مقاطعة طبيعية للحوم التي لا نتناولها إلا في وجبة واحدة إن وجدت». من جهةٍ ثانية، استبعد خطوة النزول إلى الشارع، ووصفها بأنها لا تزال بعيدة في ظل غياب القائد والبديل. وأوضح أن «السودان لا تتوافر فيه شروط إزالة الحكومة بالنزول إلى الشارع»، مبرراً تشاؤمه بأن «المعارضة غير قادرة على ذلك». وأضاف: «المواطن في السودان أضحى مدجناً، لن يخرج إلى الشارع لأنه لم يستطع شراء كيلو من اللحم، فهو لم يتحرك وقد قطعت عنه إمدادات المياه مدة أربعة أشهر». أما في حال نجاح أي احتجاج علني، فيبدو الرشيد أكثر تفاؤلاً في إمكانية إسقاط النظام، مشيراً إلى أن المدافعين عن النظام غير مؤدلجين، بل ساعون وراء لقمة العيش وكسب القوت.
من جهته، يرى ماجد علي، وهو شاب يعول أسرته الصغيرة، أن المقاطعة لم تكن ضرورية؛ إذ إن السلطات وحدها تتحمل مسؤولية الارتفاع الجنوني في الأسعار، مطالباً إياها بخفض الرسوم والضرائب التي تفرضها على السلع الضرورية. وقال لـ«الأخبار»: «أصبحت أُعطي التاجر ما يطلبه من مبلغ، من دون أن أسأل؛ لأني سئمت سرد قصص عن ارتفاع الدولار والضرائب المفروضة على السلع». وأضاف: «الحكومة هي من مكنت التجار من فرض سطوتهم على حركة السوق باتباعها سياسة التحرير الاقتصادي».
وبينما ينقسم المواطنون إزاء مسوؤلية التجار، ويذهب بعضهم إلى حد اتهام الحكومة بأنها تقف موقف المتفرج على جشع التجار، يرى التاجر إبراهيم، وهو تاجر تجزئة في ضاحية الخرطوم، أن التجار بدورهم ضحية للحكومة التي فرضت عليهم ضرائب ورسوماً كبيرة، وخاصة على السلع الاستهلاكية. وأكد أنه «بسبب السياسات الحكومية الخاطئة انخفضت نسبة المبيعات بنحو 20 في المئة من المعدل الطبيعي، والنسبة قابلة للزيادة، وخاصةً مع تمسك السلطات بفرض مزيد من الضرائب».
وناشد الحكومة أن يقتصر فرض الرسوم «على السلع الكمالية، لا الاستهلاكية»، وخصوصاً أن الضرر الذي لحق بالتجار نتيجة حملة المقاطعة جاء متزامناً مع اتخاذ السعودية قراراً بمقاطعة شراء الأضاحي من السودان هذا العام بسبب غلائها، لتصيب مصدّري الماشية السودانيين في مقتل.
وفي السياق، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الناير، أن الحكومة لن تستطيع الرجوع عن سياسة التحرير الاقتصادي التي اتبعتها منذ ما يقرب عقدين، رغم إقراره بفشل تلك السياسة، وخاصةً مع انعدام الرقابة على التجار والأسواق. واقترح أن تكون المعالجة بوضع ديباجات تحدد الأسعار من المصنع وحتى وصولها إلى تاجر التجزئة. وتطرق إلى موضع التضخم، مشيراً إلى أنه يجب على الحكومة وضع حد من التضخم في أسعار المواد الاستهلاكية وأن تسعى إلى إحلال سياسة الواردات. أما في ما يخص دور التجار، فشدد الناير على ضرورة استمرار نهج المقاطعة لبقية السلع الأخرى ولفترات زمنية أطول، لردع التجار عن تكرار سلوكهم.



معارك في جنوب كردفان ودارفور

تكثفت المعارك أمس بين الجيش السوداني والمسلحين التابعين للحركة الشعبية لتحرير السودان ـــــ قطاع الشمال في ولاية جنوب كردفان، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى، بينهم أحد العاملين في منظمة غير حكومية. وأوضح مصدر في الأمم المتحدة أن 12 جندياً سودانياً وموظفاً في منظمة غير حكومية قتلوا أول من أمس في هجوم شنه مقاتلو الحركة على حاجز للجيش في كرغل في الولاية، مشيراً إلى أن ثلاث آليات علقت في تبادل لإطلاق النار، هي حافلتان خاصتان وحافلة تعود إلى منظمة دولية غير حكومية قتل موظفها السوداني، فيما أُصيب سائقها بجروح بالغة.
أما في دارفور، التي عين الرئيس السوداني قبل أيام نابه الثاني الحاج آدم يوسف منها، فكشف المتحدث باسم حركة تحرير السودان، جناح عبد الواحد نور، إبراهيم الحلو، عن مقتل 7 أشخاص في قريتي كارلو ومارا في شمال الإقليم، نتيجة هجوم شنته القوات السودانية على المنطقتين. وجاءت المعارك في دارفور وجنوب كردفان بالتزامن مع مواجهة الحكومة السودانية بؤرة توتر جديدة في الشرق؛ إذ أثارت الشرطة غضب القبائل في مدينة القضارف القريبة من الحدود مع أريتريا بعدما قتلت اثنين من المواطنين المحليين
(أ ف ب، رويترز)