ركّزت نقاشات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أمس، على الربيع العربي وعلى الشأن الفلسطيني، من دون خروج مواقف لافتة. وبعكس كل عام، لم يكن الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، نجم الجمعية العامة هذه السنة، فيما برّر رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، تمسكه بجفائه ومقاطعته لإسرائيل، رغم العشم الأميركي بعكس ذلك، بأنها دولة تضع نفسها فوق القانون وحكومتها الحالية تناصب الجميع العداء. لم تحل الانهيارات المالية الترليونية التي شهدتها بورصة نيويورك وسواها أمس دون مواصلة الاهتمام والجدل على مستوى القمة في الجمعية العامة بالأمور السياسية والنزاعات والكوارث بأنواعها، سواء تلك التي كانت من فعل الطبيعة أو من صنع الإنسان. لكن الأزمة المالية بقيت تشغل بال الجميع، وربما سببت نوعاً من غياب التحديات الكبرى التي شهدتها قاعات الجمعية العامة في مناسبات أخرى.
انتظر الجميع في اليوم الثاني من خطابات الزعماء كلمة إيران في هذه السنة، بينما منطقة الشرق الأوسط تمر بزلازل وتغيرات تاريخية. غير أن كلمة الرئيس الإيراني، باستثناء التطرق إلى مجاعات القرن الأفريقي وفيضانات باكستان، كادت تبدو صورة مطابقة لخطابه العام الماضي، لكن بقدر أقل من التحدي.
مع ذلك، حرصت الوفود الغربية على الخروج من القاعة حالما لفظ كلمات مثل الصهيونية و11 أيلول. وركز نجاد في خطابه على توجيه أصابع الاتهام، في الكوارث المالية وغير المالية وغياب العدالة والمساواة، الى الولايات المتحدة وحلفائها، مستخلصاً استحالة تحقيق العدالة في الحياة الدنيا.
وقال الرئيس الإيراني إن دخل الفرد لدى 3 مليارات نسمة لا يتعدى 2.5 دولار في اليوم، بينما يتحكم 10 في المئة من سكان الولايات المتحدة بـ 80 في المئة من ثرواتها.
وتساءل عن معنى قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وإلقاء جثته في البحر بدلاً من التحقيق معه ومحاكمته، قائلاً «هل هناك معلومات سرية حاولوا طمسها؟».
ولوحظ أنه تحاشى التطرق إلى الأوضاع والاستحقاقات الإقليمية، مثل الانسحاب الأميركي من العراق أو الوضع في سوريا والبحرين، والعلاقات مع دول الجوار العربية وغير العربية. وربما ترك تلك الأمور المثيرة للمؤتمر الصحافي الذي يعقده في نيويورك اليوم.
أما رئيس وزراء تركيا فأخذ على الأمم المتحدة عجزها وتقاعسها عن معالجة المأساة الإنسانية في الصومال، حيث شهد بنفسه كيف يموت آلاف الأطفال لفقدان لقمة خبز أو جرعة ماء. ورأى أن ما يجري هناك «امتحان لإنسانيتنا». وانتقد الإرث الاستعماري الذي عمل على إفقار أفريقيا، بينما تراقب أوروبا حالياً الصوماليين يموتون جوعاً، رافضاً التذرع بأسباب أمنية لعدم إيصال المساعدات. ودعا إلى إنهاء الحرب الأهلية المستمرة هناك منذ عشرين عاماً. وحمل أردوغان على إسرائيل التي تجاهلت عشرات القرارات الدولية، بينما بدت الأمم المتحدة عاجزة عن مساعدة الشعب الفلسطيني. وتساءل «عندما تطالب الأمم المتحدة بتطبيق عقوبات على دول أخرى مثل السودان، فلماذا لا تطبق قراراتها على إسرائيل؟».
وطالب رئيس الوزراء التركي بإعادة النظر بهذا الأسلوب. وأشار إلى استخدام إسرائيل الفوسفور الأبيض وامتلاك الأسلحة النووية، من دون أن يُتخَذ بحقها أي موقف، واتهمها باستخدام قوة غير متكافئة في غزة المحتلة. وذكّر الزعماء بأن إعلان حقوق الإنسان لا يسمح بمحاصرة شعب غزة «التي تمنع إسرائيل من إرسال صندوق طماطم إليها». وتوجّه إلى إسرائيل بالقول إن معادلة السلام مقابل الأمان ليست بديلاً من السلام، مناشداً العالم فرض ضغوط على إسرائيل وإفهامها بأنها ليست فوق القانون.
ودعم أردوغان مبدأ الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة. وأخذ على المنظمة عدم تطبيق قرارها بإقامة فلسطين رغم مرور 64 سنة على اتخاذه.
ولم تغب أزمة أسطول الحرية عن خطاب أردوغان، فقال بلهجة قوية، «على إسرائيل الاعتذار ودفع التعويضات لشهدائنا ورفع الحصار عن غزة».
وتوجه أردوغان إلى حكام الشرق الأوسط بالتأكيد على أن «السيادة والشرعية لا تستمدان إلا من الشعب». وحذّرهم بأن الزمن تبدّل وأن الاستبداد لن يدوم في هذه المنطقة. ورأى أن ما يجري في سوريا غير مقبول، وأن الإخوة والأصدقاء يجب أن يكونوا صادقين بعضهم مع بعض، معرباً عن الأسف لأن الحكومة «لا تصغي»، ومذكّراً بأن الحدود بين البلدين شاسعة وبأنه يتلقى معلوماته مباشرة عبرها.
من جهتهم، حرص الأوروبيون في مواقفهم على التركيز على الإصلاح في الشرق الأوسط ودور الربيع العربي في تغيير المعادلات وفرض استحقاقات.
وبشّر رئيس وزراء بريطانيا، دافيد كاميرون، بسلام وازدهار في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه قال إن الربيع العربي يمثّل تحديات لمنظمات وحكومات ترفض التطور، تحديات لـ«الاتحاد الأفريقي والإسرائيليين والفلسطينيين وإيران وسوريا من أجل التقدم نحو تلبية حاجات الشعوب وتحقيق السلام وإلغاء الفساد وتأمين الوظائف والحريات».
وقال كاميرون إن الرئيس الإيراني لم يتحدث عن الحريات والتعذيب في إيران «رغم أن لدى إيران نوعاً من الانتخابات». ورأى أن قوات الأطلسي منعت وقوع مذبحة «سربرينيتسا» أخرى في بنغازي، وأسهمت في انتصار الثوار. لكنه رفض تعميم تجربة ليبيا لأن «ما يجوز في ليبيا قد لا يجوز في دول أخرى بسبب تباين الظروف والأوضاع». ودعا إلى فتح السوق الأوروبية أمام الصادرات العربية، بما في ذلك المحاصيل الزراعية. وإلى تبني قرار صارم بحق الحكومة السورية في مجلس الأمن الدولي.
وعن مسؤولية العالم حيال فلسطين، رفض رئيس الوزراء البريطاني مبدأ إصدار قرار من مجلس الأمن بمنح مقعد لدولة فلسطين، قائلاً «ما من قرار وحده يؤمّن السلام». ودعا إلى وقف العنف الفلسطيني والاستيطان الإسرائيلي كسبيل للسلام. وأضاف إن غياب الإصلاح وتفشي الفساد يؤديان إلى التطرف والإرهاب الذي يهدد العالم.
أما رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فون رومبي، فتحدث عن آمال بتحرر الشعوب، ومخاوف من مجاعة الصومال وتفشي الحروب، والقلق على سلامة المنشآت النووية، ومن «الانتشار النووي وسلوك زعماء إيران وكوريا الشمالية» ومن سخونة الطبيعة. وحثّ العالم على فرض عقوبات على النظام السوري.
وتعليقاً على كلمة ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، التي أثنى فيها على الثورات العربية، من دون أن يتطرق إلى وضع بلاده، قال مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة هيومن رايتس ووتش، فيليبي بولوبيون، «يمكن أن تعتقد أن لا شيء حدث في البحرين عندما تسمع كلمة الملك حمد، ونظريته عن الحوار الوطني عجيبة حقاً. اعتقال الآلاف في مداهمات منتصف الليل ومحاكمة المئات أمام محاكم عسكرية، والحكم عليهم بأحكام سجن طويلة لأنهم طالبوا بالإصلاح».