لم تحمل لقاءات الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، سوى مزيد من الخيبة للسلطة الفلسطينية التي اصطدمت بموقف أميركي غير خاضع للنقاش، يصرّ على دعم إسرائيل ورفض الاعتراف بفلسطين دولةً مستقلةأنهى الرئيس الأميركي باراك أوباما، مشاركته في فعاليات الدورة الـ 66 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعدما أثار سخط الفلسطينيين من إدارته، ونال تهنئة إسرائيل على دعمه غير المحدود لها أمام الجمعية العامة في مواجهة الفلسطينيين الذين يسعون إلى نيل عضوية دولتهم، في وقت تستمر فيه جهود اللحظات الأخيرة، التي تقودها دول أوروبية، وبينها البرتغال، إلى جانب الولايات المتحدة، في محاولة لإيجاد تسوية تردع الفلسطينيين عن المضيّ في خطوتهم المقررة اليوم.
فبعد الخطاب الذي ألقاه أول من أمس أمام الجمعية العامة، وأكد فيه أنه لا مجال لـ«طريق مختصرة» لإنهاء النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أعاد الرئيس الأميركي التأكيد على مسامع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في اللقاء الذي جمع الرجلين أن المفاوضات وحدها هي الكفيلة بإيجاد تسوية للقضية الفلسطينية، قاطعاً الطريق على أي إمكانية للاعتراف بدولة فلسطين في مجلس الأمن الدولي، الذي تمتلك الولايات المتحدة حق النقض فيه.
خلاصات اللقاء الذي امتد لقرابة الساعة، ولم يتبعه أي تصريحات رسمية، كشف عنها المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، مشيراً إلى أن «الرئيس عباس عرض خلال لقائه مع الرئيس أوباما موقفه من الذهاب الى مجلس الأمن لطلب عضوية كاملة لدولة فلسطين»، فيما أكد أوباما لعباس التزامه بحل الدولتين وضرورة إقامة دولة فلسطينية، لكنه شدد على معارضته ذهاب الوفد الفلسطيني إلى مجلس الأمن، وطالبه بالعودة إلى المفاوضات المباشرة مع إسرائيل».
رفض أرفقه الرئيس الأميركي بتجنبه، خلال لقائه الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، التعليق على الاقتراح الذي قدّمه الأخير، وتضمن منح فلسطين وضع «دولة بصفة مراقب» في الأمم المتحدة كمرحلة انتقالية، على أن يسعى الإسرائيليون والفلسطينيون الى «تسويات» من أجل التوصل الى اتفاق سلام «نهائي» بحلول سنة. واكتفى بالقول «صباح الخير» و«لا تعليق»، فيما أعلن أحد مستشاري الأمن القومي لدى الإدارة الأميركية بن رودس، أن اقتراحات ساركوزي «مهمة وبناءة»، لكن الرئيسين لم يتفقا على دور الأمم المتحدة في الملف الفلسطيني.
كذلك قوبل المقترح الفرنسي بترحيب فاتر من إسرائيل وألمانيا، فقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه «أخذ علماً بالاقتراحات الفرنسية»، فيما أوضح وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي أن «بعض ما ورد في خطاب الرئيس ساركوزي يناقش في الأسرة الدولية، ونحن لم نفاجأ».
أما أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، ياسر عبد ربه، فقال «إننا نقدر الأفكار التي وردت في خطاب الرئيس الفرنسي ساركوزي، وسوف تدرسها القيادة الفلسطينية بعمق وإيجابية». ورأى أن «هوة واسعة» تفصل بين حديث الرئيس الأميركي في الأمم المتحدة عن حرية الشعوب العربية ودعوته الفلسطينيين الى مفاوضات مع إسرائيل، من دون تحديد أسس واضحة لها».
وجاءت تصريحات عبد ربه ضمن حملة انتقادات واسعة شنها الفلسطينيون على أوباما. وشبه وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية، المتوكل طه، الرئيس الأميركي، بـ«يهود الفلاشا». وقال «خطاب أوباما أشعرني بأنه من الفلاشا اليهود ويعيش في مستوطنة إسرائيلية أو غيتو هو الكونغرس الأميركي».
وأضاف طه «42 فيتو استخدمتها الولايات المتحدة الاميركية لمساندة إسرائيل، وهذا ما مكن إسرائيل من مواصلة عنصريتها ضد الشعب الفلسطيني»، مشيراً إلى أن «خطاب أوباما كشف عورة أميركا التي تدّعي أنها مع الثورات العربية»، وأن «هذا النوع من الخطاب سيعرّض المصالح الأميركية للخطر في المنطقة».
من جهته، رأى المتحدث باسم حركة «حماس»، سامي أبو زهري، أن خطاب أوباما في الأمم المتحدة «يعكس حالة الانحياز الأميركي الكامل لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي».
على المقلب الآخر، نال أوباما إشادة واسعة من القيادة السياسية في إسرائيل. ورحّب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي التقى الرئيس الأميركي قبل فترة وجيزة من لقاء الأخير بعباس، بحرارة، بمعارضة أوباما للطلب الفلسطيني، معتبراً أن هذا الموقف لأوباما «يشرفه».
كذلك، رحب وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بكلمة أوباما، وأعرب عن أمله أن تؤدي الى «إقناع» الفلسطينيين بالعودة الى مفاوضات السلام مع إسرائيل. و أكد أن «الخطاب أظهر للفلسطينيين أنه ليس هناك طريق مختصرة. آمل أن يقنعهم بالعودة الى الواقع وباستئناف مفاوضات السلام» مع إسرائيل.
في هذه الأثناء، كشف مسؤول إسرائيلي، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن المساعي التي تبذلها مجموعة من الدول لردم الفجوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم تحقق أي نجاح، في ظل عدم تضمن المحادثات أي حديث عن ضرورة تجميد البناء الاستيطاني، أو تقديم الفلسطينيين ما يشير إلى أنهم على استعداد لإسقاط شرطهم المطالب بضرورة وقف الاستيطان في حدود أراضي الـ 67 لفتح المجال أمام استئناف المفاوضات.
وفي ظل انعدام إمكانية التوصل إلى تسوية في الساعات القليلة المقبلة، يفترض أن يتوجه الفلسطينيون اليوم لتقديم طلب الاعتراف أمام مجلس الأمن الدولي. ويحتاج الفلسطينيون إلى تأييد تسعة من أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ 15 حتى يتم إقرار الاعتراف بعضوية دولة فلسطين، ومن غير المتوقع أن يتم التصويت قريباً على الطلب في حال تقديمه اليوم.
وحتى الآن، أعلنت خمس دول هي: البرازيل، الصين، لبنان، روسيا وجنوب أفريقيا عزمها التصويت لمصلحة انضمام فلسطين كدولة كاملة العضوية، فيما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستستخدم حق النقض «الفيتو»، وقررت كولومبيا الامتناع عن التصويت في حال إجرائه.
أما الدول الثماني الأخرى، وهي: البوسنة والهرسك، بريطانيا، فرنسا، الغابون، ألمانيا، الهند، نيجيريا والبرتغال فلم توضح قرارها بعد.
وفي السياق، دعا المقرر الخاص للأمم المتحدة بشأن وضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية ريتشارد فوك، أمس الدول الأعضاء في المنظمة الدولية الى الاعتراف بفلسطين وحض إسرائيل على «الإصغاء لإرادة الشعب الفلسطيني».
(أ ب، أ ف ب، يو بي آي، رويترز)