رام الله | توقفت الدراسة أمس في مدارس الضفة الغربية بعد الحصة الثالثة، وعلّقت الجامعات أعمالها، وتعطل الدوام في المؤسسات الحكومية والخاصة، حيث خرج مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى شوارع الضفة الغربية في مسيرات حاشدة دعماً لطلب القيادة الفلسطينية الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وانتصاراً لهذا الحق المشروع لهم.نابلس شمالاً، والخليل جنوباً، شهدتا الحشد الأكبر على الإطلاق من بين المدن الفلسطينية، حيث شارك أكثر من 60 ألفاً في نابلس، من مسلمين، مسيحيين، سامريين ويهود، في المسيرة التي شهدت مشاركة أكثر من 30 عضواً من منظمة ناطوري كارتا اليهودية، دعماً منهم لنيل فلسطين اعترافها في الأمم المتحدة، حتى إن أحد كبار قياديي الحركة قال «نحن اليهود الأصليون، وليس من يحكمون إسرائيل اليوم، ونحن مع الاعتراف بدولة فلسطين».
وفي الخليل المحتلة جنوباً، اندلعت مواجهات بين مئات الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، بعدما تدخلت الأخيرة لتفريق مسيرة مؤيّدة للتوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة. وقالت مصادر محلية إن المواجهات اندلعت بالقرب من مدرسة طارق بن زياد جنوب مدينة الخليل، لافتة إلى أن القوات الإسرائيلية استخدمت القنابل المسيلة للدموع والأعيرة المطاطية لتفريق المتظاهرين.
مدينة رام الله، زُيّن فيها ميدان الشهيد ياسر عرفات وسط المدينة بعلم فلسطيني ضخم، حيث انطلق الآلاف في مسيرة من أمام ضريح الزعيم الفلسطيني، وصولاً إلى الميدان، وحمل المشاركون الأعلام الفلسطينية واللافتات الداعية إلى حق شعب فلسطين في أن تكون له دولة.
محافظة بيت لحم سارت فيها مسيرات طلابية كبيرة في بلدتي تقوع والعبيدية وبيت ساحور شرقاً، وبيت جالا ومحيطها غرباً، حيث خرج المئات من الطلبة في مسيرات كبيرة من مختلف مدارس تقوع والعبيدية وجابوا الشوارع والأحياء وهم يرفعون الأعلام الفلسطينية واللافتات التي كتب عليها عبارات التأييد لقرار التوجه إلى الأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مردّدين الهتافات الوطنية. ساحة المهد وسط بيت لحم كانت ملتقى الحشود الجماهيرية القادمة عبر مسيرات من مختلف مناطق المحافظة، والتي انتهت بمهرجان جماهيري دعماً لتوجه القيادة إلى الأمم المتحدة.
في مدينة ومخيم جنين، كادت الأمور تخرج عن السيطرة حين انطلقت المسيرات الداعمة للحق الفلسطيني بنيل الاعتراف بالدولة، بينما كان عدد كبير من المستوطنين المتطرفين يحاولون اقتحام قرية عرابة القريبة من المدينة، وجرى تفريقهم سريعاً ومنعهم من الوصول إلى القرية ومحيطها، وبالتالي إلى داخل المدينة. كذلك خرج آلاف المواطنين في محافظتي طولكرم وقلقيلية إلى الشوارع للتظاهر ودعم المسعى الفلسطيني.
أما في مدينة القدس المحتلة وضواحيها، فقد حصلت مواجهات عنيفة بين المواطنين الفلسطينيين وقوات الاحتلال التي أطلقت الرصاص الحي والمطاطي باتجاه المواطنين في محاولة لتفريقهم، وفضّ التظاهرات. وأعلن قائد لواء «بنيامين» الإسرائيلي أن قوات في الجيش الإسرائيلي فرّقت المتظاهرين عند حاجز قلنديا العسكري بين رام الله والقدس باستخدام جهاز يصدر أمواجاً صوتية لا تتحملها أذن الإنسان. وقال العقيد ساعر تسور إن عشرات الشبان الفلسطينيين ألقوا الحجارة تجاه الجنود الإسرائيليين على حاجز قلنديا، موضحاً أنه هذه المرة هي الأولى التي تُستخدم فيها الموجات الصوتية ضد المتظاهرين الفلسطينيين خارج قرية بلعين. واللافت في التظاهرات كان الانتشار الأمني المكثّف للقوات الفلسطينية، إذ أعلن المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدنان الضمير أن «كافة أفراد الشرطة البالغ عددهم ثمانية آلاف شخص عملوا حرصاً على سلمية المسيرات وحماية المشاركين، وحفاظاً على الممتلكات العامة».
التصريحات الأبرز خلال المهرجانات والمسيرات جاءت على لسان عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» محمود العالول، في كلمة وجّهها إلى المحتشدين في نابلس، حيث قال «بات لا يوجد في هذا العصر من يقول لا لأميركا سوى الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية». وأكد «أننا لا نريد اشتباكاً مع الولايات المتحدة، ولكن نقول لا مساومة على الحرية بالمال، ولن نستبدل الكرامة بالدعم المالي». وأضاف «نعم نريد تغيير قواعد اللعبة، لأننا أضعنا وقتاً طويلاً في المفاوضات، وبذلنا كل جهد ممكن من أجل تحقيق السلام العادل والمشرف، ولكن الحكومة الإسرائيلية ليست حكومة سلام بل حكومة مستوطنات ومستوطنين، ونحن نقول لهم إن أولوياتنا هي مصلحة الشعب الفلسطيني».
أما أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح، أمين مقبول، فقال إن «الشعب الفلسطيني أرسل عدة رسائل، أولاها إلى الأمم المتحدة ليقول للعالم من خلالها نحن نريد إنهاء الاحتلال في أرض فلسطين، ولسنا نطالب بالكثير، فنحن نريد دولة فلسطينية على أرض 67 وعاصمتها القدس الشريف مع حق عودة اللاجئين». الرسالة الثانية لأميركا وإدارتها «أن من المعيب والمخجل أن يهدد أوباما بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني واستخدام حق الفيتو، داعياً الولايات المتحدة إلى إعادة حساباتها. أما الرسالة الثالثة، بحسب مقبول، فموجّهة إلى إسرائيل «إنها الفرصة الأخيرة فلا تسقطوا غصن الزيتون من أيدينا لأنكم ستخسرون كثيراً، ولن يكون الخاسر الوحيد الشعب الفلسطيني».
إلى ذلك، اعتبرت الرئاسة الفلسطينية أن التظاهرات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية استفتاء شعبي. وقال الناطق باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، إن «التظاهرات الحاشدة المؤيدة لحركة الرئيس (محمود) عباس السياسية (...) استفتاء شعبي ووطني فلسطيني كامل وشامل تعبّر فيه الجماهير عن موقفها المؤيّد للرئيس عباس والقيادة الفلسطينية».