صنعاء | كانت الرسالة التي قدمتها قوات الحرس الجمهوري التابعة لنجل الرئيس علي عبد الله صالح في اليومين الماضيين واضحة: المسافة الواقعة بين الشارع الرئيسي الكبير الذي صار يقسّم صنعاء إلى قسمين، ومنزل قائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبد الله صالح هي خط أحمر لا يمكن التهاون في الدفاع عنه بأي وسيلة كانت. لعل هذا ما يفسر سقوط هذا العدد الكبير من القتلى، الذي وصل إلى خمسين ضحيّة خلال يومين، وذلك باستخدام أسلحة متنوعة، مع وجود العديد من الجثث في أماكن واقعة تحت بصر القناصة المنتشرين على سطوح المباني التي تطل على الجسر الرئيسي في المدينة. جسر نجح شباب الثورة بمعية مجموعات مسلّحة من الفرقة الأولى مدرَّع، التابعة للواء المنشق عن النظام، علي محسن الأحمر، في الاستيلاء عليه، وطرد القوات التابعة للحرس الجمهوري والأمن المركزي من محيطه، حيث تتمركز منذ الأيام الأولى لثورة الشباب، باعتباره أقرب شارع رئيسي يفصل بين المتظاهرين ومنزل نجل الرئيس صالح.لكنّ اللافت كان دخول الأفراد التابعين للفرقة الأولى مدرَّع على خط المواجهة، وعدم اكتفائهم بموقف المتفرج حيال ما يجري لشباب الثورة، إذ إنّ استيلاء الشباب على جسر الزبيري الرئيسي، والمباني الحكومية القريبة منه، التي كانت تستخدم لإيواء المسلحين بزي مدني، ونجاحهم في طردهم من هناك واعتقال عدد منهم، لم يكن ممكناً بغير تدخُّل من أولئك الأفراد التابعين للفرقة أولى مدّرع. وعند سؤال مصدر إعلامي مقرب من قيادة الفرقة عن سبب هذا التطور الميداني، كشف أنّ الأوامر الصادرة من القيادة العليا للفرقة تقضي بعدم التدخل مباشرة في المواجهات، والامتناع عن البدء بإطلاق الرصاص مهما كانت الظروف، وذلك منعاً لأي تصعيد محتمل من قبل الطرف الآخر، لأنه قد يؤدي إلى «حرب مفتوحة». ورجّح المصدر، في حديث مع «الأخبار» أن يكون «بعض الأفراد قد عجزوا عن السيطرة على أنفسهم أمام استخدام القوات التابعة لنجل الرئيس صالح أسلحة ثقيلة ومضادة للطيران في قتل المتظاهرين الشباب ما دفعهم إلى التدخل دون تردد». هو تدخُّل استغله الإعلام الرسمي ليقول إن النيران التي أصابت المتظاهرين قد أتت من الخلف، ولم تكن صادرة من القوات التابعة للحرس الجمهوري أو الأمن المركزي، وهو السبب نفسه الذي حوّل تلك المسيرة المليونية، التي دعت إليها اللجنة التنظيمية لشباب الثورة، إلى حرب شوارع حقيقية تدور تفاصيلها في عدد من المناطق القريبة من منزل نجل الرئيس من جهة، وفي المناطق المحيطة بـ «ساحة التغيير» من جهاتها المختلفة، إضافة إلى سماع دوي انفجارات عنيفة مصدرها مقر الفرقة أولى مدرَّع، تزامنت مع تحليق لطائرات تابعة لنجل الرئيس، وإطلاق مضادات طيران نيرانها في الهواء، ما رجّح فرضية وقوع غارات جوية على مقر الفرقة القريب من ساحة التغيير.
لكنّ هذا التطور اللافت على صعيد المواجهات المسلحة في عدد من شوارع صنعاء الرئيسية والمناطق الحيوية فيها، يؤكد أنّ نجل الرئيس، الذي فتح على نفسه المواجهة على أكثر من جبهة، في منطقة أرحب (شمال صنعاء) وفي مدينة تعز والآن في صنعاء، قد قرر اللعب بآخر أوراقه المعتمدة على تفجير الوضع عسكرياً، وخلط الأوراق على الطاولة، ما يؤدي إلى تأجيل مسألة حسم وضع الأزمة اليمنية التي يبدو أن العالم الخارجي، وعلى وجه الخصوص الإدارة الاميركية والاتحاد الأوروبي، قد حسما قرارهما من ناحية ضرورة التوقيع على المبادرة الخليجية خلال أسبوع، ووضع حد للتدهور الحاصل في اليمن على مختلف المستويات.
وفي وقت متأخر من مساء أمس، كشف مصدر في المعارضة اليمنية لوكالة «رويترز» أن الجنود المعارضين للرئيس صالح توصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع القوات الحكومية. وقال المصدر: «لقد توصلوا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين قوات الرئيس وقوات اللواء علي محسن (الذي انشق عنه)».
ويبدو أن أحمد صالح لم ينتبه إلى أن مسألة حسم الأمر عسكرياً غير ممكنة عملياً، لأنه بحسب المحلل السياسي، فيصل علي الناشري، الذي تحدث لـ «الأخبار»، فإن مسألة الحسم عبر الدخول في حرب شوارع هي «أمر لا يمكن أن يكون في متناول اليد بسهولة، لأنّ التوازن الذي أحدثه دخول الفرقة أولى مدرَّع في صف الثورة جعل مسألة حسم الوضع عبر المواجهات المسلحة غاية في الصعوبة مع عدم تجاهل أن معظم الشباب الموجودين في ساحة التغيير ينتمون إلى قبائل كبيرة ومسلحة جيداً ولن يطول صمتها».
وإزاء هذا التطور المفاجئ، كان لا بد من حضور عاجل لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر، إضافة إلى الأمين العام لمجلس دول التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني إلى صنعاء لتدارك الوضع، لكن مصادر إعلامية مطلعة أكدت أنه لم يكن لهذه الزيارة علاقة بالوضع المتفجر حالياً في العاصمة، بدليل أنها كانت مبرمجة مسبقاً لمتابعة الخطوات النهائية السابقة للتوقيع النهائي على المبادرة الخليجية، وذلك بعد قرار الرئيس صالح تفويض نائبه عبد ربه منصور هادي الحوار مع المعارضة والتوقيع على المبادرة.
وفي سياق ظهور المزيد من المؤشرات إلى انتهاء الدور السياسي للرئيس صالح، سُجل أمس أول لقاء يجمعه بالملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، في الرياض. ورغم أنّ الاعلان الرسمي للقاء بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، اقتصر على التأكيد أن صالح «ثمّن وقوف السعودية إلى جانب إخوانهم في اليمن في ظل الأزمة الراهنة»، فإنّ التعليقات على اللقاء وضعته في إطار انضمام الرياض إلى فريق العاملين على إنهاء دور صالح بطريقة ما.



لا أشباح في الشوارع

على الرغم من كونها المرة الأولى التي يعيش فيها سكّان العاصمة صنعاء أجواء الحرب، لا تبدو الحركة في الشوارع متأثرة بما يدور في أماكن أخرى من المدينة، فحركة سير العربات طبيعية باستثناء المناطق التي تجري فيها الاشتباكات، ومعظم المحال التجارية لا تزال تفتح أبوابها للمواطنين، فيما لم تقرر المصارف ومتاجر الذهب وصرف العملات الأجنبية إغلاق
أبوابها.
أما أسواق بيع نبتة القات الشهيرة، فلا تزال مفتوحة بدورها، وتعرض بضاعتها للمعتادين تناولها، ما يساعدهم على السهر طويلاً أمام المحطات الإخبارية العربية لمتابعة أنباء بلادهم التي لا يجدونها في التلفزيون الحكومي. وباستثناء الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، الذي صار المواطن متأقلماً معه، تبدو الحياة طبيعية، وقد أصبح الناس متأقلمين مع أصوات الانفجارات وإطلاق النيران التي لا تتوقف معظم ساعات اليوم.