تقاسم كل من نظام الرئيس بشار الأسد ومعارضيه، المشهد السوري العام في اليومين الماضيين؛ حكام دمشق كانت عينهم على استقبال وفد روسي يتوقع أن تشمل جولته فئات معارضة، من جهة، وعينهم الأخرى على الحراك المعارض النشط في منطقة حلبون بريف دمشق وباريس من جهة أخرى. وبين هذا وذاك، بدا المشهد الأمني هادئاً نسبياً بعد الجمعة التي سجّلت بحسب مصادر المعارضة أكثر من 50 قتيلاً ومئات المعتقلين والجرحى.وباشر الوفد النيابي الروسي، الذي يرأسه نائب رئيس المجلس الاتحادي الروسي الياس اوماخانوف، الذي وصل إلى عاصمة الأمويين يوم السبت، جولاته الدمشقية، أمس، بلقاء الأسد، الذي شكا من أنّ «كل خطوة إصلاحية أقرتها الحكومة السورية كانت تقابل بتصعيد وضغوط خارجية سياسية وإعلامية ومحاولات للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، فضلاً عن محاولات زعزعة الاستقرار فيها من خلال العمليات الإرهابية المسلحة التي استهدفت المدنيين والجيش ورجال الأمن والشرطة»، وفيما حذّر الرئيس السوري من أن التدخل الخارجي «يهدّد بتقسيم وتفتيت دول المنطقة ويزيد من خطر التطرف فيها»، ثمّن الموقف الروسي «المتوازن والبنّاء من تطورات الأحداث في سوريا، والحريص على الأمن والاستقرار فيها».
بدورهم، أعرب أعضاء الوفد عن دعم موسكو «للإصلاحات الجارية»، ورفضوا «التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للشعب السوري». وفي السياق، رأى أوماخانوف أنه «في ظل ظروف الضغوط والتدخل الخارجي، لا يمكن اجراء الإصلاحات في سوريا». وسبق لموسكو أن أعلنت أن جدول أعمال الوفد الروسي يتضمّن لقاءات متنوعة مع ممثلي مختلف الفعاليات السياسية والمستقلة والمعارضة «للاطلاع على توجهات هذه القوى السياسية»، في ظل تأكيد أوماخانوف على أنّ «روسيا لا تقف لا مبالية ازاء ما يحصل للشعب السوري، ونؤكد استعدادنا للمشاركة والتعاون لدفع الحوار الوطني في سوريا في مناخ طبيعي دون عنف».
في هذا الوقت، أعلنت «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي» المعارضة في سوريا، التي نظمت لقاءً موسعاً لأركانها يوم السبت في ريف دمشق، لجنتها المركزية وتضم 80 عضواً موزعة بنسب 40 في المئة عن 15 حزباً، و30 في المئة لتنسيقيات الحراك الشعبي، و30 في المئة لشخصيات وطنية ذات طابع عام وموزعة على المحافظات، على أن تجتمع اللجنة المركزية خلال أيام لانتخاب المكتب التنفيذي الذي سيكون موزعاً بنسبة 60 في المئة للأحزاب و40 في المئة من الآخرين، وسيختار المكتب التنفيذي المنسق العام. وأصدرت هيئة التنسيق بياناً أوضحت فيه أنها «جزء من الثورة الشعبية وليست وصية عليها ولا تدعي قيادتها بل تعمل لتجسيد طموحاتها في مشروع سياسي وطني». ورأت أن «العامل الحاسم في حصول التغيير الوطني الديموقراطي بما يعنيه من إسقاط للنظام الاستبدادي الأمني الفاسد هو استمرار الثورة السلمية للشعب السوري»، داعية جميع القوى والفعاليات إلى «المشاركة والانخراط فيها وتقديم كل أشكال الدعم لها». وشدد البيان على «سلمية الحراك الشعبي وعدم الانجرار وراء دعوات التسلح من أي جهة جاءت».
ودعا المؤتمر، الذي شارك فيه نحو 300 شخصية سورية، بينهم عدد من شباب «التنسيقيات»، إلى ضرورة العمل على توحيد المعارضة، وأوصى بضرورة إنجاز رؤية مشتركة وثوابت وطنية وآلية تنفيذية يتفق عليها وذلك خلال أسبوعين. ورأت هيئة التنسيق أن تحقيق ما ورد في بيانها هو «بمثابة شروط لا تنازل عنها لقبول أي حوار مع السلطة». وثبّت البيان «اللاءات الثلاث» التي ترجمت برفض للتدخل الأجنبي والطائفية والعنف. ومن أبرز الشخصيات التي تؤلّف اللجنة المركزية حسن عبد العظيم، عبد العزيز الخير، رجا ناصر، ميشال كيلو، حازم النهار، حسين العودات، محمد سيد رصاص، محمد منجونة، محمد قداح، محمود أوسي، محمود مرعي، مروى الغميان، مصطفى الشماط، منذر خدام، منصور الأتاسي، نقولا غنوم.
وقد رفض عبد العظيم العقوبات الاقتصادية التي تضر بمصلحة الشعب السوري، بينما لوّح العودات بأن يصل «تصعيد النضال السياسي إلى حالة العصيان المدني»، كما كشف المعارض المقيم في باريس، عضو اللجنة المركزية لهيئة التنسيق، سمير العيطة، أن اجتماعاً موازياً للاجتماع الذي سينتخب المكتب التنفيذي سيعقد في ألمانيا بمشاركة عدد من الشخصيات، منها هيثم مناع، برهان غليون، رامي عبد الرحمن، محمود جديد.
وفي الإطار نفسه، التقى في باريس يوم السبت ممثلون لحركات وهيئات علمانية سورية معارضة، معلنين ولادة «ائتلاف القوى العلمانية والديموقراطية السورية»، داعين الأقليات السورية إلى الانخراط في حركة الاحتجاجات. ودعا المفكر برهان غليون، المعارضين، إلى «وضع مسألة العلمانية في اطار الثورة»، وإلى التحاور مع الإسلاميين للتمكن من توحيد المعارضة وقلب النظام. وقالت رندا قسيس، الناطقة باسم ائتلاف هذه القوى، إن «سوريا الغد يجب أن تكون متعددة لا يسيطر عليها الإسلاميون»، مضيفة «علينا أن نعمل معاً لإسقاط هذا النظام الذي عذب وقتل ونفى». أما المعارض بسام البيطار، الآتي من واشنطن، والعضو في حزب الانفتاح العلماني، فأشار إلى أن «العلمانيين والإسلاميين لم يتوصلوا بعد الى اتفاق، والعملية تتقدم لكن ببطء، وهناك عناصر من الجانبين يستطيعون تسهيل هذا الحوار». ودعا الائتلاف الأقليات في سوريا الى «التوحد ضد النظام».
ميدانياً، لفت «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إلى مقتل شخصين أول من أمس في حملة مداهمات نفذتها الأجهزة الأمنية السورية في محافظة إدلب.
إلى ذلك، بدأ العام الدراسي الجديد في سوريا، أمس، حيث توجه نحو 5.6 ملايين طالب أي ما يشكل أكثر من ربع سكان سوريا إلى مدارسهم، إضافة إلى 390 ألف مدرس يتوزعون على 22500 مدرسة. وقال وزير التربية السوري صالح الراشد، في حديث للتلفزيون السوري، أن «الوزارة أنهت استعداداتها لافتتاح العام الدراسي الجديد، سواء لجهة تحضير البناء المدرسي أو الكتب المدرسية أو المناهج الجديدة التي وضعت، إضافة إلى البرامج الأخرى من مستلزمات التعليم».
وقال الراشد إلى أن الوزارة وزعت الكتب المدرسية بنسبة 100 %، وبلغ عددها نحو 95 مليون كتاب تتحمل منها المؤسسة التربوية طباعة كتب التعليم الإلزامي مجانا، وتبلغ قيمتها 2 مليار و200 مليون ليرة سورية.
ويتوجس الأهالي في المناطق الساخنة التي تشهد تظاهرات من ارسال أبنائهم الى المدارس وخاصة في محافظتي حمص وادلب وبعض مناطق محافظة درعا جنوب البلاد.
وبالتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد، دعا نشطاء سوريون إلى مقاطعة المدارس. وطالبوا بتنظيم احتجاجات تحت شعار «أحد إسقاط التعليم البعثي، تسقط المدرسة البعثية، نحو مدرسة سورية». وأوضح النشطاء أن عددا من الطلاب بدأوا بالفعل تنظيم مسيرات رددوا خلالها «بلا دراسة ولا تدريس... حتى إسقاط الرئيس».
ودعا اتحاد تنسيقيات الثورة السورية الأهالي إلى عدم إرسال أطفالهم إلى المدارس «خوفا عليهم من رصاص الأمن والشبيحة وحالات الاختطاف». وقال الاتحاد في دعوته الأهالي: «النظام لا يفرق بين طفل أو امرأة أو عجوز، كيف لنا أن نرسل أطفالنا إلى مدارس قد تحولت إلى معتقلات».
وكانت المنظمة اﻹسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الايسيسكو» استنكرت، في بيان السبت، تحويل العديد من المدارس في سوريا إلى معتقلات يعذب فيها المواطنون وتنتهك حقوقهم وكرامتهم. وقالت إن هذا الإصرار المتعنت على استمرار سياسة القمع والقتل والتعذيب في سوريا واليمن، يعدّ انتهاكـاً خطيراً لحقوق الإنسان التي أقرها الإسلام.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)