في خطوة هي الأولى من نوعها لزعيمين أوروبيين منذ إطاحة نظام العقيد معمر القذافي، قام الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، ورئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، أمس بزيارتين متزامنتين لطرابلس، التقيا خلالها بأعضاء في المجلس الانتقالي الليبي، وشددا على ضرورة استمرار عمليات حلف شمالي الأطلسي، قبل أن يقوما بزيارة ساحة التحرير في بنغازي، ومطالبة الليبيين بأن يبرهنوا «عن المزيد من الشجاعة، عن شجاعة الصفح».
وجهد ساركوزي، من طرابلس، في تمرير أكثر من رسالة خلال المؤتمر الصحافي المشترك مع كاميرون ورئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل ورئيس مكتبه التنفيذي محمود جبريل، مؤكداً أن «ضربات (الأطلسي) سوف تستمر ما دام هناك خطر على الليبيين»، وأن «القذافي لا يزال يمثّل خطراً على ليبيا لما يمتلكه من أموال وذهب».
ووعد ساركوزي بالاتصال بحكومة النيجر، لحثِّها على تسليم الفارّين من أتباع القذافي وما يحملونه من أموال إلى المجلس الوطني الانتقالي الليبي، فيما أكدت النيجر، وفقاً لما أوردته وزارة الخارجية الأميركية، أنها منعت نجل القذافي، الساعدي الموجود في نيامي من السفر.
من جهةٍ ثانية، نفى ساركوزي وجود مطامع اقتصادية لبلاده، منكراً أن تكون هناك «عقود أو اتفاقيات قد وقّعت مع ليبيا في ما يتعلق بثرواتها»، وأضاف «كل ما فعلناه لإنقاذ الشعب الليبي كان علينا فعله من باب تحقيق العدالة».
كذلك حرص ساركوزي على توجيه رسالة غير مباشرة من ليبيا إلى النظام السوري، بعدما أهدى الزيارة إلى كل الذين يتطلّعون الى أن «تصبح سوريا دولة حرة يوماً ما»، مضيفاً «أتمنى أن يحظى الشبان السوريون بنفس الفرص مثل شباب ليبيا».
أما كاميرون، فأكد أن «المهمة العسكرية لحلف شمالي الأطلسي يجب أن تستمر حتى تأمين حماية المدنيين. وركز على أهمية «تحرير أموال الليبيين المجمدة التي سرقت منهم»، مشيراً إلى أن بريطانيا قامت بتحرير «أصول بمليار جنيه، وإذا ما تمكنّا من الحصول على موافقة على قرار في الأمم المتحدة فسنقدمه مع فرنسا. غداً سيكون هناك 12 مليار جنيه أخرى من الأصول في بريطانيا وحدها سنتطلع الى الإفراج عنها»، فيما أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن روسيا تريد من مجلس الأمن الدولي إلغاء منطقة الحظر الجوي فوق ليبيا.
كذلك أوضحت الحكومة البريطانية أنها ستحدّث تحذيرها من السفر إلى ليبيا، بحيث يسمح بالسفر لأسباب ضرورية.
على المقلب الآخر، أرسل رئيس المجلس الوطني الانتقالي إشارات متعددة حول مستقبل ليبيا، فأشار إلى أن ليبيا «بحاجة إلى تنمية شاملة»، مشدداً على أن كل من ساعد ليبيا، ومن بينهم فرنسا وبريطانيا، سيكون لديه أولوية في قطاع النفط والطاقة.
أما عن دور الجيش، فاستبق عبد الجليل وصول ساركوزي وكاميرون، مؤكداً في حديث إلى وكالة أنباء الأناضول التركية أن «الجيش الليبي لن يكون له دور في السياسة، وسيسهّل الأمن ويحمي الحدود وسيكون مسؤولاً أيضاً عن حماية المنشآت النفطية».
في هذه الأثناء، ارتفعت التحذيرات من مخاطر انتشار أسلحة متطورة بين أيدي الليبيين. وبعد يوم من إشارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، جيفري فيلتمان إلى احتمال انتشار صواريخ تطلق من الكتف ومواد كيميائية خطرة، ذكر مسؤول رفيع في وزارة الدفاع الأميركية، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن الجماعات «الإرهابية» تحاول تأسيس وجود طويل الأمد لها في ليبيا، مرجحاً في الوقت نفسه وجود «عناصر بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي مرتبطين مع الجماعات «الإرهابية». بدورها، أعربت لجنة الاتحاد الأفريقي المخصصة لبحث الوضع الليبي عن تخوفها من انتشار الأسلحة في المنطقة نظراً إلى الوضع في ليبيا، فيما أجل الاتحاد اعترافه بالمجلس الانتقالي، مؤكداً أن «حكومة انتقالية تضم الجميع» ستشغل وحدها المقعد الليبي في الاتحاد. أما الصين، فأعلنت أنها تؤيد تمثيل المجلس الوطني الانتقالي ليبيا لدى الأمم المتحدة، فيما أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن السفير الإيراني لدى ليبيا علي أصغر ناصري عاد الى طرابلس.
في غضون ذلك، نشرت صحيفة «الخبر» الجزائرية، الواسعة الانتشار، أمس مسودة الدستور الليبي في طبعتها الأولى غير المنقحة والتي تنص على أن ليبيا ما بعد القذافي ستكون دولة ديموقراطية فدرالية يحكمها رئيس لا تتجاوز ولايته أربع سنوات، تتجدد مرة واحدة فقط، فضلاً عن أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر تشريعها. كذلك، تنص مسودة الدستور المسماة «دعوة إلى مشروع الميثاق الوطني الانتقالي» في المادة الثامنة على تفصيل مسألة إنشاء الأحزاب والجماعات السياسية وما يرتبط بحق الانتخاب، كما أوردت المادة الثامنة مسألة إنشاء برلمان ليبي، فضلاً عن انتخاب رئيس للدولة وتحديد مدة ولايته.
ميدانياً، تستعد قوات المجلس الوطني الانتقالي لشن هجمات على معاقل لقوات القذافي في بني وليد وسرت وسبها، فيما أعلنت مراسلة «فرانس برس» تعرض قافلة من القوات الموالية للمجلس الانتقالي لنيران كثيفة أثناء تقدمها باتجاه سرت.
وأشارت «فرانس برس» الى وجود موكب كبير من الشاحنات الصغيرة المحملة بأسلحة ثقيلة على الساحل الغربي لسرت استعداداً لشن الهجوم على المدينة، فيما أعلن قادة عسكريون أن نصف الموكب الذي تجمّع في تاجوراء بجنوب مصراتة (ثالث المدن الليبية) سيتقدم على طول الساحل. وسيشن النصف الثاني هجوماً عبر الصحراء من الجنوب، انطلاقاً من منطقة ودان في واحة الجفرة لعزل سرت عن سبها، المعقل الرئيسي لقوات القذافي، وكبرى مدن الجنوب، بحسب المصادر نفسها.
(أ ب، أ ف ب، رويترز، يو بي آي)