دمشق | منذ أيام، أعلنت وكالة الأنباء السورية (سانا) بدء جلسات الحوار الوطني، اعتباراً من الخامس من الشهر الجاري، على مستوى المحافظات والجامعات. وأضافت أنه ستشكل لجنتان تحضيريتان في جامعة دمشق والقنيطرة للإشراف على الجلسات. وأشارت إلى أن الحوار ينطلق من جامعة دمشق اعتباراً من الأحد المقبل وسيستمر حتى 15 أيلول الجاري، فيما يفترض أن تنتهي جميع جلسات الحوار في المحافظات في العشرين من الشهر الجاري.
وتتركز الجلسات، وفق وكالة الأنباء الرسمية وبعض المصادر الرسمية الأخرى، حول ثلاثة محاور رئيسية تشمل: الحياة السياسية والإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وآفاق المستقبل والتخطيط العلمي والواقعي للوصول إليه، ومحور احتياجات المحافظة والرؤية المحلية لتطويرها.
ويأتي الحوار على مستوى المحافظات بعد الاجتماع التشاوري، الذي ترأسه نائب رئيس الجمهورية السورية فاروق الشرع قبل نحو شهرين، وجرى خلاله الاتفاق على استمرار الاتصالات لعقد مؤتمر حوار وطني واسع، بعدما قاطعت جهات عديدة من المعارضة هذا الحوار.
ويرى الكاتب الصحافي المعارض، فاتح جاموس، في حديثه مع «الأخبار»، أن «دعوة النظام السوري للحوار الوطني هي استجابة حتمية لعدة أسباب منطقية، فرضت نفسها بقوة على السياسة». ويضيف: «السبب الرئيسي هو ارتفاع مستوى قوة الحراك الشعبي في الشارع المنتفض، ومقاطعة المعارضة السورية لمجمل الحلول التي طرحها من حيث المبدأ، أيضاً هناك الضغوط السياسية الخارجية التي باتت تفرض على النظام السوري».
أما فكرة الحوار الوطني، فقد وصفها جاموس بأنها «مرفوضة تماماً من قبل الشارع المنتفض، ولم تلق تجاوباً يذكر، سواء لدى المعارضة السورية بمختلف أطيافها، أو لدى المتظاهرين في الشارع، وذلك بسبب اعتماد النظام السوري، في طروحاته المختلفة للحوار، على القراءة الذهنية للأحداث، وابتعاده عن القراءة الواقعية المنطقية». وفسر مجمل هذه الطروحات للحوار الوطني بأنها «محاولات واضحة وغير منطقية من قبل النظام السوري، من أجل كسب مزيد من الوقت لممارساته الأمنية القمعية، والبحث عن حلول جديدة بعيدة عن العنف للخروج من الأزمة، وهذا يتوقف بالضرورة على بقاء العناصر الأخرى المشتركة معه في الأزمة، ومدة قبولها لطروحاته على نحو إيجابي أو سلبي».
وفي قراءته السريعة لواقع المعارضة السورية والأزمة المستمرة، منذ شهور عدة، قال جاموس «بغض النظر عن جميع النوايا الطيبة التي تبديها المعارضة السورية، بمختلف أطيافها وتوجهاتها، أعتقد أننا ذاهبون نحو الحرب الأهلية، التي سيعقبها تدخل عسكري خارجي أجنبي». وأضاف «ذلك بسبب عدم قدرة جميع الأطراف المعارضة والنظام والسوري على حد سواء، على الوصول إلى منتصف الطريق فقط في طروحاتهما المختلفة لحل الأزمة، وعدم قدرة تحقيق أي تطور إيجابي لوقف العنف وإراقة الدماء».
وعن توقعاته لنتائج الحوار الوطني، الذي تعوّل عليه السياسة السورية للخروج من الأزمة، يقول جاموس: «أتوقع أن يجد النظام السوري نفسه مضطراً إلى تقديم المزيد من التنازلات، لأن الأطراف المعارضة التي ذهبت الى هذا الحوار هي الأضعف من بين المعارضة السورية، بينما الأطراف الأقوى والأكثر راديكالية قدمت طروحاتها وبرامجها وخططها للخروج من الأزمة، بمعزل عن النظام».
بدوره، رأى المعارض حسن عبد العظيم، الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديموقراطي المعارض، والمنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية في سوريا، أن دعوة النظام السوري إلى هذا الحوار ما هي إلا «محاولة يائسة لكسب المزيد من الوقت، لفسح المجال للأجهزة الأمنية لقمع المتظاهرين السلميين في الشارع وكسر إرادتهم». وأضاف «إن أي حوار يتم تحت ظل العنف والقتل والتنكيل، ما هو إلا تغطية للحلول الأمنية والعسكرية، وهروب من الحلول السياسية المباشرة، التي تبحث عن الأسباب الحقيقية للأزمة وتجد حلولاً منطقية علمية لها». وأكد أن «النظام السوري طرح مع بداية الأحداث الحوار على المستوى الرئاسي، بمعنى الحوار مع نواب الرئيس السوري ومستشاريه للشؤون السياسية، لكن المعارضة السورية بمختلف أطيافها رأت أن الدخول في مثل هذا الحوار، يحتاج إلى بيئة مناسبة، وتهيئة الظروف المناسبة التي تتلخص بضرورة وقف العنف وسحب الجيش من المدن والقرى السورية، والسماح بالتظاهر السلمي، وإطلاق سراح جميع المعتقلين من سجناء الرأي والسياسيين، والاعتراف بالأزمة وضرورة البحث عن حلول لها بطرق سياسية، وتغيير لهجة الإعلام الرسمي الذي يصور المتظاهرين السلميين على أنهم جماعات إرهابية وعصابات مسلحة، ومن ثم الدعوة الى مؤتمر وطني بهدف وضع دستور جديد للبلاد». وشدّد على أن «هذا بهدف الانتقال نحو حالة سياسية ديموقراطية صحيحة، قائمة على ثنائية السلطة والمعارضة، تنهي حكم الحزب الواحد والجبهة الشكلية التي تناصره، والقضاء على جميع مظاهر الفساد المستشري في البلاد».
وحمّل عبد العظيم النظام السوري المسؤولية كاملة عن تفجر الوضع، ووصول الأزمة في البلاد إلى طرق مغلقة، بسبب «تراجعه عن الحوار الوطني بسوية عالية، وإطلاق ما يمكننا تسميته الحوار الوهمي، الذي وصل إلى مستوى ممثلين عن حزب البعث الحاكم، بل أقل من ذلك، وصل الحوار من المستوى الرئاسي إلى مجالس القرى والمحافظات، وبعض الشخصيات الاعتبارية التي تمثل السلطة، مثل أمناء فروع الحزب وأعضاء الجبهة الوطنية التقدمية، والمحافظ وحتى مدير الناحية أو المنطقة، وكأن الهدف من الحوار هو مسائل خدمية اعتيادية، ليس لها علاقة بالنار التي باتت تعصف بسوريا، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها. هذا ليس حواراً وطنياً بالمطلق، يمكن تشبهه بالملهاة في ظروف مأساة».
وفسر المعارض السوري إصرار النظام وتأكيده على ضرورة الحوار الوطني، على الرغم من مقاطعة أسماء بارزة من المعارضة السورية له وعدم جدواه، على أنهما «رسائل سياسية ودبلوماسية واضحة، يقدمها النظام السوري لحلفائه بالدرجة الأولى، مثل روسيا وإيران، وإلى المجتمع والسياسة الدولية بالدرجة الثانية، في محاولته التأكيد على اتباعه الحلول السلمية والديموقراطية في الخروج من الأزمة».