إسطنبول | يبدو أن العالم سيشاهد قريباً فصلاً ثالثاً من الأزمة التركية ـــــ الإسرائيلية مع قرب فرض أنقرة دفعة ثالثة من عقوباتها بحق إسرائيل كنتيجة متواصلة لما بعد جريمة «أسطول الحرية» 2010. والدفعة الجديدة لاحقة لتطبيق «الخطة ب»، التي تضمّنت العقوبات الخمس، وتمثلت في خفض التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل إلى مستوى السكرتير الثاني، وتعليق العمل بكافة العقود العسكرية الموقعة مع تل أبيب، ونقل ملف حصار غزة إلى محكمة العدل الدولية، ورفع دعاوى قضائية ضد المسؤولين المباشرين أو غير المباشرين عن جريمة «أسطول الحرية»، إضافة إلى اتخاذ خطوات تؤمّن حرية حركة الملاحة البحرية في شرق البحر المتوسط. وأعلن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان قرب بدء تنفيذ «الخطة ج» بحق دولة الاحتلال. ولأن أردوغان يهوى الظهور كـ «الصقر» في ما يتعلق بتحدّي إسرائيل، فقد شاء إعلان بعض ما تتضمنه هذه «الخطة المؤلمة» بنفسه، بينما تكفلت مصادر إعلامية وأخرى رسمية بتسريب باقي بنودها، التي يبدو أنّ ترجمتها ستظهر إلى العلن قريباً جداً. أول ما كشفه أردوغان في ما يتعلق بـ «الخطة ج» حصل الأسبوع الماضي، عندما، بشّر، في مقتطفات من مقابلة مع فضائية «الجزيرة»، بأنّ «سفناً حربية تركية سترافق سفن مساعدات تركية الى قطاع غزة»، وهو ما أرفقه بالتشديد على أن أنقرة «ستمنع إسرائيل من استغلال موارد البحر المتوسط (غاز طبيعي خصوصاً) على نحو منفرد».وعن هذا الموضوع، كشفت مصادر تركية مطلعة على تفاصيل الملف، أن تركيا ستبدأ سريعاً، مع جمهورية قبرص التركية، بالتنقيب عن النفط تحت مياه المتوسط لمنع إسرائيل من بدء التنقيب الخاص فيها، وهو المقرر أن يبدأ في مطلع تشرين الأول المقبل. وبحسب الخطة، من المقرر أن تبدأ العمليات التركية النفطية في المناطق البحرية المتنازع عليها كخطوة أولى، وذلك من ضمن اتفاق سيعلَن بين تركيا وقبرص الشمالية لإقامة منطقة اقتصادية حصرية بينهما. معلومات ردّت عليها إسرائيل، ممثلةً بوزير الطاقة عوزي لانداو، بالجزم بأن تل أبيب «ستحمي منصات حقول الغاز البحرية المكتشفة حديثاً». وقال لانداو إنه «لا توجد حتى الآن ادعاءات من جانب أي دولة بأن حقلي تمار ولوثيان للغاز الطبيعي لا يعودان إلى إسرائيل»، علماً أن التوقعات المستقبلية لحقل لوثيان الواقع على بعد 130 كيلومتراً قبالة شواطئ حيفا تجعله أكبر اكتشاف للغاز في المياه العميقة في العالم في العقد المنصرم، وتُقدَّر قيمة الأموال الممكن جنيها من عائدات الغاز الكامنة فيه بما لا يقل عن 150 مليار دولار.
وفي السياق، لم يستبعد السفير الإسرائيلي السابق لدى تركيا، أولن لييل، حصول مواجهات حقيقية بين تركيا وإسرائيل بسبب أمرين: التنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه المتوسطية، والتجارة الحاصلة بين قبرص اليونانية وإسرائيل، إذ يتوقع أيضاً أن تثير تركيا ملف عدم اعترافها باحتكار الشق الجنوبي من جزيرة قبرص للمياه الاقليمية المقابلة للشواطئ القبرصية، التي تصرّ أنقرة على أنها «للقبرصَين» لا للشق اليوناني حصراً. ويشير الدبلوماسي الإسرائيلي إلى أن القوتين البحريتين الإسرائيلية والتركية تعرفان بعضهما بعضاً جيداً، وذلك يعود إلى زمن المناورات العسكرية الكثيرة التي كانت مشتركة بينهما في السابق، معرباً عن أمله بأن تؤدي هذه المعرفة المسبقة إلى التخفيف من مخاطر الصدام، كما تؤكّد مصادر تركية مطّلعة، بحث تركيا عن «أحلاف جديدة تزعج إسرائيل»، وخصوصاً في مجال الثروات البحرية النفطية المتنازع عليها، وفي مقدمة الدول المطلوب تعزيز تركيا علاقاتها معها، مصر ولبنان.
أما العنوان الثاني لـ «الخطة ج»، فهو اقتصادي أيضاً، ويقوم على عدم اكتفاء أنقرة بالعقوبات الاقتصادية العسكرية بحق إسرائيل، وتوسيع ما أعلن عنه في «الخط ب» (تجميد العمل بكافة العقود العسكرية) ليشمل العلاقات التجارية والزراعية. ويندرج في الاطار القرار التركي الذي كشف عنه وزير الاقتصاد ظافر شاغلايان، والذي اختُصر باستدعاء الملحق التجاري التركي المعتمد لدى إسرائيل ليعود إلى بلاده، حاصراً التمثيل التركي التجاري لدى الدولة العبرية بالسكرتير الثاني لسفارتها. قرار توقعت مصادر مقربة من الحكومة أن يجري توسيعه من خلال طرد مدير المكتب التجاري الإسرائيلي من الأراضي التركية، إضافة إلى وقف كل أشكال التجارة الزراعية بين البلدين، وهو ما سيضر إسرائيل جدياً، بدليل ما قاله محافظ المصرف المركزي الإسرائيلي ستانلي فيشر قبل أيام، ومفاده أن «أزمة العلاقات مع تركيا تمثّل خطراً على التطورات في المرافق الاقتصادية الإسرائيلية».
وبالنسبة إلى العنوان الثالث من «الخطة ج»، فهو سياسي مباشِر والأقسى على الإطلاق، لأنه يتضمن وقفاً كاملاً لكل أشكال العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل، وبالتالي سيؤدي إلى إقفال سفارتي الدولتين في أنقرة وتل أبيب.
دبلوماسياً، تتضمن الخطة تشديداً على شنّ حملة «دبلوماسية عامة» لتسويق الموقف التركي ولتبرير العقوبات المفروضة على إسرائيل، وذلك في العلاقات الثنائية مع كافة الدول وفي المؤتمرات الدولية والإعلام الأجنبي وفي المنظمات الدولية، تحديداً في الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي، انطلاقاً من أن مشكلة تركيا ليست مع إسرائيل ككل ولا هي مع اليهود، بل مع حكومة بنيامين نتنياهو، لأنها «ليست مشكلة للعالم بأسره فحسب، بل لإسرائيل نفسها أيضاً».
في هذا الوقت، ذكرت صحيفة «أقسام» التركية أجزاءً أخرى من «الخطة ج» في حال استمرار إسرائيل في رفض الاعتذار والتعويض. ومن بين ما نشرته، نيّة أنقرة فعل كل ما يزعج الدولة العبرية، كتقديم الدعم المطلق لمشروع قرار الاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والضغط في الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية لفرض عقوبات على إسرائيل جراء عدم الالتزام بالمواثيق الدولية، والأهم، رفض تركيا التصديق على عضوية إسرائيل في حلف شمال الأطلسي.



3 فرقاطات عسكريّة تركيّة قبالة غزّة!

كشفت صحيفة «صباح» التركية الموالية، أنّ حكومة رجب طيب أردوغان قررت إرسال 3 فرقاطات عسكريّة إلى المياه المتوسطية لتأمين حرية وصول سفن مساعدات إنسانية مدنية إلى قطاع غزة. وأوضحت الصحيفة أنّه «إذا ووجهت هذه الفرقاطات التركية بسفن إسرائيلية خارج الحدود الدولية المحددة بـ 12 ميلاً بحرياً مقابل شواطئ غزة، فإنها ستواجهها إن كان ذلك ضرورياً». إجراء يأتي ترجمة لكلام أردوغان عن أن «حادث مرمرة في 2010 كان سبباً لتندلع حرب، لكن تماشياً مع عظمة تركيا، قررنا التصرف بصبر». أما على الصعيد السياسي، فقد ألغى البرلمان التركي لجنة الصداقة البرلمانية التركية ـــــ الإسرائيلية التي كان يرأسها من الجانب التركي النائب عن حزب «العدالة والتنمية» نورسونا ميميكان. أكثر من ذلك، فقد كشفت صحيفة «حرييت» أن البرلمان ألغى اسم لجنة الصداقة التركية ـــــ الإسرائيلية من على اللوحة المخصصة لأسماء اللجان داخل البرلمان، ومن موقعه على الإنترنت، الذي يتضمن أسماء أعضاء لجان الصداقة بين تركيا و105 دول أجنبية. تجدر الإشارة إلى أنه سبق للنواب الأتراك الأعضاء في اللجنة المذكورة أن استقالوا منها على نحو جماعي مباشرةً غداة جريمة أسطول الحرية في 2010.
(الأخبار)